32/11/11


تحمیل

 ولابد أن نضيف تتميماً لما أفاده الشيخ الأردبيلي(قده) وهو أن المورد لا يقبل التخصيص.

وإلا فيرد عليه:- أنا نسلم أن الروايات قد دلت على أن الجاهل لا شيء عليه ولكن ما دام قد دلت صحيحة بن يقطين على أن الجاهل في مسألة الطواف بخصوصها يلزمه الإعادة وعليه بدنة فتكون مخصصة لتلك الروايات الدالة على إن الجاهل لا شيء عليه ، فتصير النتيجة هي أن الجاهل لا شيء عليه إلا في الصيد - وهذا هو المورد الأول الذي أشارت إليه الروايات - وإلا تارك الطواف فان عليه الإعادة والبدنة.

ولابد أن يجيب:- بأن لسان الروايات آبٍ عن التخصيص لأنه يشتمل على الحصر حيث عبر هكذا ( اعلم أنه ليس عليك فداء شيء أتيته وأنت جاهل وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد فان عليك فيه الفداء ) إن لسان ( ليس عليك شيء إلا الصيد ) يأبى عن التخصيص.

 وهكذا بالنسبة إلى صحيحة عبد الصمد بن بشير فلسانها أيضاً آب عن التخصيص.

 إذن لابد من هذه التتمة حتى يتم إشكاله (قده).

الإشكال الثاني:- إن صحيحة علي بن يقطين عبرت بكلمة ( أعاد ) فماذا يعيد ؟ انه شيء مجمل ولعل المفعول به هو الطواف فيكون المقصود هو ( أعاد الطواف ) وليس ( الحج ) ، والاستشهاد بالرواية إنما يتم فيما لو كان المقصود هو ( أعاد الحج ) وحيث أن عبارة الرواية مجملة من هذه الناحية فيكفينا الإجمال لعدم وجوب إعادة الحج في حق الجاهل.

إن قلت:- إن الطواف لم يأت به المكلف وقد جهل الإتيان به حسب فرض الرواية ومعه لا يصح التعبير بالإعادة وانه ( يعيد الطواف ) إذ التعبير بالإعادة فرع الإتيان بالشيء باطلاً ، أما إذا لم يأت به رأساً فلا معنى للتعبير بالإعادة ، فيتعين أن يكون المقصود هو أنه أعاد الحج لا الطواف.

قلت:- إذا رجعنا إلى الروايات وجدنا أنها قد تستعمل كلمة الإعادة في من لم يأت بالعمل رأساً ولا يختص استعمالها بما إذا أتي بالعمل ، وكأن النكتة المصححة لذلك هي أن العمل الواجب لأجل كونه واجباً يفرض كأنه مأتي به مفروغ عنه ، فلأجل هذا يصح التعبير بكلمة الإعادة.

 ثم قال(قده):- والنتيجة من كل هذا انه لا يمكن إثبات وجوب إعادة الحج في حق الجاهل الذي ترك الطواف عن جهل . نعم ينحصر المدرك آنذاك بالإجماع أما الرواية فيرد عليها ما ذكرنا.

 هذا توضيح ما أفاده (قده).

وفيه:-

أما بالنسبة إلى إشكاله الأول:- فيمكن إن يقال إن تلك الروايات ناظرة إلى من أتى بشيء يحرم الإتيان به أثناء الإحرام - كأن شم طيباً أو لبس مخيطاً أو غير ذلك - فلا شيء عليه ما دام جاهلاً إلا في الصيد ، أما إذا لم يأت بالشيء كما هو محل كلامنا - إذ المفروض إنه لم يأت بالطواف فهو لم يأت بشيء - فليس مشمولاً للروايات ، فلاحظ لسانها حيث قالت صحيحة عبد الصمد ( أيما رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ) و( ركب أمراً ) يعني أنه أتي بفعل لا أنه تركه فان ترك الفعل لا يطلق عليه أنه أتى بأمر إلا بنحو المجاز ، وهكذا لاحظ صحيحة معاوية بن عمار ( اعلم انه ليس عليك فداء شيء أتيته وأنت جاهل ) ومن المعلوم إن كلمة ( شيء أتيته ) إنما يصح إطلاقها بالنسبة إلى الأفعال كأن شم طيباً أو نظر في المرآة أو ما شاكل ذلك أما من ترك شيئاً فلا يصدق عليه العنوان المذكور.

 إذن الروايات التي استشهد بها الأردبيلي لإثبات المعارضة غير شاملة لحالة الترك.

وأما بالنسبة إلى الإشكال الثاني:- فيرده أن الإعادة لا يصح استعمالها بنحو الحقيقة إلا إذا فرض الإتيان بالشيء مسبقاً والمفروض في مقامنا أن المكلف لم يأت بالطواف ، والشيخ الأردبيلي(قده) كان ملتفتاً لذلك ولكنه أجاب بأنه قد استعملت الإعادة في الروايات في مورد عدم الإتيان بالشيء رأساً.

 ونحن نقول له صحيح أنها قد استعملت كذلك ولكنه استعمال مجازي ولا يصار إليه إلا عند قيام القرينة على ذلك ، أما مع عدمها فلا وجه للمصير إلى المجاز ما دام يمكن حمل اللفظ على معناه الحقيقي.

 وهذا كما هو الحال في صيغتي الأمر والنهي فان المعروف بين الأصوليين أنهما ظاهرتان في الوجوب والتحريم ولا يمكن لبعض أن ينقض على الأصوليين ويقول إن الصيغة قد استعملت في موارد الكراهة والاستحباب في الروايات ، فنقول له صحيح أنها استعملت في ذلك ولكنه استعمال مجازي ولا يصار إليه إلا مع القرينة.

 وان شئت فقل:- إن هذا الاستعمال في الكراهة أو الاستحباب لا يسلب ظهور الصيغة في الوجوب أو التحريم بل هي ظاهرة في ذلك ولا ترفع اليد عن هذا الظهور إلا بقرينة . وهنا أيضاً نقول للشيخ الأردبيلي(قده) صحيح أن كلمة الإعادة ربما استعملت في موارد عدم الإعادة ولكن هذا الاستعمال لا يسلب ظهور الكلمة في كون الشيء قد أتي به أولاً ، بل هذا الظهور باقٍ ولا نرفع اليد عنه إلا بقرينة.

 وعليه فدلالة الرواية لا محذور فيها . نعم لتتميم دلالتها نحتاج إلى مطلبين:-

الأول:- إن المدعى هو بطلان الحج في الصور الثلاث - يعني بما في ذلك حالة الجهل بالموضوع - ولا يختص البطلان بحالة الحكم فكيف نعمم لذلك ؟

والجواب:- يمكن التمسك أما بترك الاستفصال فيقال إن السائل سأل الإمام عليه السلام وقال له ( رجل جهل إن يطوف بالبيت ) وأجاب عليه السلام من دون إن يستفصل عن كون الترك هو بمعنى ترك الطواف رأساً أو بمعنىً يشمل الإتيان به ولكن حول المقام مثلاً ، إن عدم استفصاله عليه السلام دليل العموم هكذا قد يقال.

 أو يقال:- انه لا تحتمل الخصوصية من هذه الناحية ، أي أن الصحيحة وان كانت ناظرة إلى من ترك الطواف رأساً ولكن بالتالي من أتى بالطواف حول المقام هو كتارك الطواف رأساً فانه لم يطف حول الكعبة ، ولا خصوصية عرفاً لإحدى الصورتين في مقابل الأخرى.

 انه لابد من تتميم المطلب بأحد هذين حتى يثبت التعميم إلى صورتي الجهل.

المطلب الثاني:- إن الصحيحة خاصة بالحج حيث أجاب عليه السلام ( إن كان على وجه جهالة في الحج ) فقيَّد بكلمة ( في الحج ) فكيف نثبت التعميم لتارك الطواف في عمرة التمتع ؟

 انه لابد لإثبات التعميم من دعوى أن عمرة التمتع هي جزء من حج التمتع ، ومعه فمن ترك الطواف في عمرة التمتع يصح أن يقال عنه أنه ترك الطواف في الحج.

 ويؤكد ذلك أنه لم ينقل خلاف في ذلك بين الفقهاء ، أي لم ينقل تفصيلٌ بين الحج وبين عمرة التمتع وهذا مما يقوي التعميم.

 نعم العمرة المفردة لا يمكن إدخالها في الصحيحة لأنها ليست جزءاً من الحج ولابد من التمسك بمقتضى القاعدة فيها وهي تقتضي لزوم الإتيان بالطواف وبما بعده من أفعال حتى يخرج عن الإحرام فان العمرة المفردة لم تحدد بفترة زمنية خاصة وعلى المكلف أن يأتي بأفعالها في أي وقت أمكن من دون تحديد بأشهر الحج فنقول للمكلف الذي لم يأت بالطواف عمداً أو جهلاً يلزمك أن تأتي بالطواف وبما بعده وإلا فأنت باقٍ على إحرامك.

النقطة الثالثة:- يتحقق ترك الطواف ومن ثم بطلان عمرة التمتع ومن ثم بطلان الحج فيما إذا ترك المكلف الطواف إلى زمان لا يمكنه الإتيان بالموقف الاختياري في عرفات ، والموفق الاختياري هو المسمى ، وعلى هذا الأساس إذا أمكن المكلف أن يأتي بالطواف ويذهب إلى عرفات قبل الغروب بدقيقة فهو ممن يتمكن على الإتيان به فيأتي به وببقية أعمال العمرة ما دام قد بقي من الوقت مقدار لحظة يمكن الوقوف بها في عرفات ، أما إذا فرض أن الإتيان بالطواف وما بعده من أعمالٍ يمنعه من الوقوف في عرفات لحظة قبل الغروب فهنا يصدق أنه قد ترك الطواف ، وبطلت عمرته ومن ثم بطل حجه.