32/11/27


تحمیل

بحث الفقه لسماحة الشيخ باقر الايرواني الأربعاء:- 27 / ذي القعدة / 1432هـ

مسألة 278:- إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك وان كانت الإعادة أحوط ولكن تجب الطهارة لصلاة الطواف

 ..........................................................................................................

 في المسألة السابقة تحدث (قده) عن الشك في الوضوء أما قبل الشروع في الطواف أو في أثناءه ، وتقدم الحديث عنه ولا نكرر.

 وأما في هذه المسألة فنفترض أن الشك طرأ بعد إتمام الطواف فما هو الحكم ؟

والجواب:- ان الصور الثلاث السابقة تأتي هنا:-

الصورة الأولى:- أن يكون الشك في الطهارة بعد اليقين بثبوتها سابقاً والشك في طرو الناقض لها ، وفي هذه الصورة يجري استصحاب الطهارة من الزمان السابق والى الآن ونتيجة هذا الاستصحاب متفقة مع قاعدة الفراغ .

 إذن يوجد طريقان لإثبات صحة الطواف الاول هو استصحاب بقاء الطهارة والآخر هو قاعدة الفراغ.

ان قلت:- ان الاستصحاب المذكور مثبت لأنه لا يثبت لنا أن الطواف قد وقع مع الطهارة وإنما يقول ان الطهارة باقية ولازم بقاءها إلى الآن هو أن الطواف قد وقع أثناء ها وحيث أن هذا ليس لازماً شرعياً - إذ لا يوجد نص شرعي يقول إذا كانت الطهارة باقية إلى الآن فقد وقع الطواف معها - فيكون الأصل مثبتاً.

قلت:- إذا تم هذا فيلزم أن لا يجري الاستصحاب المذكور حتى قُبيل الطواف ، أي قبل أن أشرع فيه شككت في بقاء الطهارة ، فهل يجري استصحاب بقاء الطهارة أو لا ؟

 لا إشكال في جريانه والحال أن إشكال المثبتية يأتي هنا إذا يقال ان بقاء الطهارة إلى الآن - أي قبيل الطواف - لا يلزمه شرعاً أن الطواف الذي سيقع سوف يقع مع الطهارة وإنما ذلك لازم عقلي أو عادي وليس شرعياً ، فلو أردنا أن نُعمل التدقيق هكذا فيلزم الإشكال حتى فيما ذكر.

وجواب ذلك:- ان المهم هو وجود الطهارة وبقاؤها حين العمل ، ومن المعلوم ان استصحاب الطهارة بعد فرض الفراغ من الطواف نحن نجريه من بداية الطواف أو بالأحرى من قبل بداية الطواف إلى حين الشروع في الطواف فيثبت أن الطهارة موجودة حين الطواف ، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.

 ولا نريد أن نقول نجري الآن الاستصحاب - أي بعد الفراغ - ونقول بعد الفراغ توجد طهارة كلا ليس هذا هو المقصود بل المقصود هو أن نجري استصحاب الطهارة من البداية والى حين الشروع في الطواف فيثبت أن الطهارة كانت موجودة حين الطواف.

ان قلت:- كيف تثبت أنه يكفي هذا المقدار ، أي وجود الطهارة إلى حين الشروع في العمل ولا يلزم أن نثبت أن العمل قد وقع أثناء الطهارة ؟

قلـت:-

أولاً:- يكفينا عدم الدليل على الشق الآخر فانه كلفة زائدة وتحتاج إلى مثبت ، فمن يدعي اعتبار وقوع الطواف أثناء الطهارة ومقترناً بها هو الذي تحتاج إلى دليل ولا مثبت لذلك فانه كلفة زائدة.

وثانيا:- بقطع النظر عن هذا تكفينا صحيحة زرارة فان الإمام عليه السلام حيث أجرى الاستصحاب - أي استصحاب الوضوء - لمن إصابته السِّنَة أو بتعبير رواية الخفقة والخفقتان ، فانه عليه السلام قد أجرى استصحاب بقاء الوضوء وهذا دليل على أن الاستصحاب يجري دون أي محذور إما لأنه يكفي هذا المقدار من بقاء الطهارة - أي أنها باقية إلى حين العمل بلا حاجة إلى إثبات الاقتران وان العمل وقع إثناء الطهارة - أو أن استصحاب الإمام عليه السلام للطهارة يكون بنفسه دليلاً على حجية هذا الاستصحاب وان كان مثبتاً ، فان الأصل المثبت لا محذور في المصير إلى حجيته إذا دل دليل علمي على حجيته.

والخلاصة:- ان الحالة السابقة إذا كانت هي الطهارة فيجري استصحابها - أي إلى حين الطواف وحتى إلى نهايته - مضافاً إلى وجود قاعدة الفراغ التي هي مؤمِّنة ومثبتة للصحة.

 نعم هناك كلام علمي:- وهو أنه في مثل هذه الصورة التي تتطابق فيها نتيجة قاعدة الفراغ مع الاستصحاب فهل يجري الاستصحاب إلى جنب قاعدة الفراغ أو انه بعد وجود قاعدة الفراغ التي هي بمثابة الإمارة يعود الاستصحاب معطلاً ولا يجري فان قاعدة الفراغ مقدمة على الاستصحاب ؟ ان هذا كلام علمي وترف فكري وربما يقال:- لا تصل النوبة إلى الاستصحاب مع وجود القاعدة فتجري قاعدة الفراغ وحدها . وفي المقابل قد يقال:- ان ما ذكر وجيه إذا كانت قاعدة الفراغ تخالف الاستصحاب من حيث النتيجة فإنها مقدمة ، أما إذا كانت موافقة فلا محذور في جريان الاستصحاب وقاعدة الفراغ معاً.

وإذا قلت:- انه يلزم اللغوية ، فان أحدهما يكفي ولا حاجة إلى الثاني ، فبعد حجية قاعدة الفراغ لا تبقى هناك حاجة إلى الاستصحاب فيكون التعبد بجريانه لغو وبلا فائدة.

قلت:- يكفي أن يكون صالحاً للجريان في حد نفسه فإذا انضم إليه غيره فيكون مؤكداً وإلا فما رأيك لو كان لدينا آية ورواية فهل تسقط الرواية عن الاعتبار والحجية بعد وجود الآية ؟! وأما رأيك لو كانت لدينا روايتان فهل تسقط الثانية بعد وجود الأولى ؟! كلا بل هناك طريقان وحجتان شرعيتان وكل واحدة هي صالحة للإثبات في حد نفسها فلا محذور في حجيتهما والنتيجة تكون هي التأكيد ، فإذا قبلت هذا فاقبله في مقامنا أيضاً.

والخلاصة:- انه في الصورة الأولى ، أي إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة فتتفق نتيجة الاستصحاب مع نتيجة قاعدة الفراغ والحكم بصحة الطواف مما لا إشكال فيه.

الصورة الثانية:- أن تكون الحالة السابقة هي الجزم بالحدث ولكن احتملت بعد ذلك طرو الطهارة - أي قبل الشروع بالطواف - ومقتضى الاستصحاب هنا بقاء الحدث وعدم طرو الطهارة وبالتالي يكون الطواف باطلاً ، بينما قاعدة الفراغ تقول ما دمت قد أكملت العمل وطرأ عليك الشك بعد إتمامه فابن على الصحة. إذن نتيجة الاستصحاب تخالف نتيجة قاعدة الفراغ ، وأيهما المقدم ؟

 ان قاعدة الفراغ مقدمة ، ولماذا ؟ اختلفت الكلمات في التوجيه الفني للتقديم بعد الاتفاق على التقديم ، ويمكن باختصار أن نذكر هذا الوجه الفني:- وهو أن الاستصحاب لو كان مقدماً للزم من ذلك لغوية تشريع قاعدة الفراغ ، إذ ما من مورد تجري فيه القاعدة إلا والى جنبها عادةً وغالباً استصحاب على خلافها إلا في مثل حالة توارد الحالتين فيلزم أن يكون تشريع قوله عليه السلام ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) غير قابل للتطبيق في غالب الموارد وينحصر مورده بتوارد الحالتين التي هي حالة نادرة . أما لماذا يكون الغالب هو جريان الاستصحاب إلى جنب قاعدة الفراغ ؟

 وذلك باعتبار أن الشك في صحة العمل بعد الفراغ ينشأ عادة من الشك في تحقق أو انتفاء بعض الأجزاء والشرائط ، فلأجل أني أحتمل انتفاء بعض الشروط أو بعض الأجزاء المعتبرة في العمل أشك في صحته والفراغ منه وإلا فلماذا أشك ، فأشك هل أتيت مثلاً بالسورة بعد الفاتحة أو لا وهل أتيت بالفاتحة أو لا ...... وهكذا ، ومقتضى الاستصحاب هو عدم الإتيان ، ان الحالة الطبيعية والغالبة هي وجود الاستصحاب إلى جنب قاعدة الفراغ فيلزم أن نقول بتقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب كي لا يلزم من ذلك لغوية تشريعها أو حملها على الفرد النادر . وهذا بخلاف ما لو قدمنا قاعدة الفراغ فانه يبقى المجال مفتوحاً للاستصحاب في موارد متعددة كما إذا شك في أن الكُرِّيَّة باقية أو ليست بباقية ، وصلاة الجمعة باقية على الوجوب أو لا ...... ومن هذا القبيل ، فان الشك في هذه الموارد التي لا يفترض فيها وجود فراغ من العمل يجري فيها الاستصحاب وهو فرد غالب وليس نادراً.

وبالجملة:- انه في هذه الصورة يحكم بالصحة أيضاً لقاعدة الفراغ.

 ولكن ربما يلوح من كلام بعضٍ أنه متى ما كانت الحالة السابقة هي الحدث فيجري استصحابها من دون تفرقة بين ما إذا كان ذلك قبل الشروع في العمل أو بعد الفراغ منه ، بل ربما يلوح من الفاضل الهندي أن استصحاب بقاء الحدث يجري حتى بعد الفراغ حيث قال ( ان شك في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شك قبله أو بعده أو فيه )[1] وكان من المناسب أن يقول ( يبطل طوافه شك قبله أو فيه ) من دون ان يذكر كلمة ( بعده ) ، ثم أكَّد بعد ذلك بشكل أشد وقال ( ولا يفترق الحال في شيء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده ) ، وصاحب الجواهر علّق بقوله ( وفيه ما لا يخفى )[2] ولعله قصد ما أشرنا إليه وهو أنه إذا حصل الشك بعد الفراغ فلا معنى للحكم بالبطلان تمسكاً بالاستصحاب.

[1] كشف اللثام 5 411

[2] الجواهر 19 273.