32/12/02


تحمیل
 والجواب:- إنا ذكرنا فيما سبق أن العلم ببطلان أحد الأمرين هو بنفسه ليس منجزاً لأنه ليس علماً بالتكليف وإنما المنجز هو العلم بالتكليف ، فان ولَّد هذا العلم بالبطلان علماً بالتكليف فيثبت التنجز وإلا فلا.
 والصحيح:- أنه لا يولد علماً بالتكليف ، لأنه ان كان لم يغتسل واقعاً فقاعدة الفراغ سوف تكون باطلة ولازم بطلانها وجوب الغسل وإعادة الطواف ، وعلى هذا التقدير حدث تكليف وهو مقبول.
 ولكن على التقدير الثاني ، أي نفترض أنه قد اغتسل سابقاً فلازم اغتساله أن استصحاب بقاء الجنابة سوف يكون باطلاً ولازم ذلك أنه لا يحتاج إلى غسل الجنابة ولا يجب عليه ذلك والتكليف بالغسل منتفٍ عنه ، والوضوء لا يحتاج إليه أيضاً لأننا ففرضنا أنه لم يحدث بالأصغر.
 إذن على أحد التقديرين يثبت تكليف بلزوم الغسل وإعادة الطواف ، وعلى التقدير الثاني فغاية ما يترتب هو نفي التكليف لا ثبوته أي لا يجب عليه غسل الجنابة لأجل الصلاة ، فالمكلف إذن يعلم أما بوجوب إعادة الغسل والطواف أو بعدم وجوب إعادة الغسل لأجل الصلاة وهذا في الحقيقة شك بدوي فان العلم بأنه إما أنه ثبت التكليف أو لم يثبت فهو ليس علماً بالتكليف بل هو شك بدوي ، نظير ما يقال فيما لو شككنا في حرمة التدخين فهل يمكن أن نقول عندنا علم إما بحرمة التدخين أو بعدمها ؟!! ان هذا العلم الإجمالي هو في روحه شك بدوي فان كل شك بدوي يمكن أن يصاغ بصيغة العلم الإجمالي ولكن المنجز كما قلنا هو العلم بالتكليف أي أني أجزم بوجود تكليف على كلا التقديرين ، أما إذا كان يوجد تكليف على أحد التقديرين دون الثاني فهذا يكون من الشبهة البدوية.
 والخلاصة:- أنه إذا فرض صدور الحدث الأصغر فيحصل علم بالتكليف إذ على تقدير بطلان قاعدة الفراغ يجب إعادة الغسل والطواف ، بينما على تقدير بطلان الاستصحاب الجنابة فغاية ما يترتب هو عدم التكليف فلا يجب عليه الوضوء.
 ثم ان نظير هذا المطلب قد ذكره الفقهاء في كتاب الطهارة في باب غسل الجنابة فلاحظ العروة الوثقى في المسائل الأخيرة من مسائل غسل الجنابة فان السيد اليزدي(قده) [1] ذكر أن المكلف لو صلى صلاةً وبعد أن أنهاها شك هل أنه اغتسل من الجنابة أو لا ؟ قال:- انه تجري قاعدة الفراغ.
 ثم أضاف(قده) وقال:- وأما بالنسبة إلى الصلوات الجديدة سواء كانت مترتبة كالظهرين والعشاءين أو غير مترتبة فإنها تحتاج إلى غسل ، والنكتة واضحة وهي استصحاب بقاء الجنابة بلحاظ هذه الأعمال الجديدة. وأنهى هذه المسالة من دون أن يذكر زيادة على هذا.
 وهنا علَّق بعض المحشّين منهم السيد محسن الحكيم(قده) [2] والسيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي(قده) [3] و السيد الخوئي(قده) وقالوا إنما يكفي الغسل بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة لو لم يحدث بالأصغر بعد الصلاة الأولى أما إذا أحدث فسوف يحتاج إلى الغسل والوضوء وإعادة الصلاة السابقة ، والنكتة هي النكتة لأنه إذا أحدث بالأصغر فسوف يعلم ببطلان أحد الأمرين إما قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة الأولى أو استصحاب بقاء الجنابة بالنسبة إلى الصلاة الثانية ولازم هذا العلم هو العلم بالتكليف إذ على تقدير بطلان قاعدة الفراغ يلزمه إعادة الغسل والصلاة وعلى تقدير بطلان الاستصحاب يلزمه الوضوء والإتيان بالعمل الجديد فيلزم الجمع بين هذه الأربعة.
 وهذا بخلافه على تقدير عدم صدور الحدث الأصغر بعد الصلاة الأولى فانه لا يتشكل علم إجمالي بالتكليف فعلى تقدير بطلان قاعدة الفراغ وان وجب الغسل وإعادة الصلاة ولكن على تقدير بطلان استصحاب بقاء الجنابة لا يحتاج إلى غسل الجنابة لأنه ليس جنب ولا إلى وضوء لأنه لم يصدر منه حدث أصغر فيدور الأمر بين ثبوت التكليف وعدم ثبوته وهذا شك بدوي وليس علماً بالتكليف . فهذه المسألة إذن من وادي مسألتنا.
 وذكر الشيخ ميرزا جواد التبريزي(قده) [4] أنه لا يجب الجمع بين الأربعة بل تجري قاعدة الفراغ بلحاظ الطواف ويثبت صحته.
 نعم بالنسبة إلى صلاة الطواف يجب الجمع بين الغسل والوضوء لأجل هذه النكتة وهي:- ان استصحاب بقاء الجنابة يقتضي بقاءها وأنه يحتاج إلى إعادة الغسل مع الصلاة فيأتي بالصلاة مع الغسل وهذا يعلم تفصيلاً ببطلانه والوجه في ذلك هو أنه إذا كان قد اغتسل سابقاً فصلاة الطواف لا تحتاج إلى غسل بل تحتاج إلى وضوء والصلاة مع الغسل باطلة ما دام قد فرضنا أنه أحدث بالأصغر ، وإذا لم يغتسل سابقاً فالطواف باطل وإذا بطل الطواف بطلت الصلاة أيضاً لأنها مترتبة عليه وحيث أنه لم يأت بالطواف الصحيح - لأنه جنب - فلازم بطلانه بطلان الصلاة حتى لو اغتسل لأجلها.
 إذن ما يقتضيه استصحاب بقاء الجنابة الصلاة مع الغسل يجزم ببطلانه تفصيلاً لما ذكرنا ، فهذا الاستصحاب لا ينفعنا بشيء لأنه يؤدي إلى نتيجة نجزم ببطلانها وبذلك تعود قاعدة الفراغ بلا معارض بالنسبة إلى الطواف فتجري.
 ولذلك حكم (قده) بصحة الطواف بلا حاجة إلى إعادته لقاعدة الفراغ ، وأما بالنسبة إلى الصلاة فيلزم أن يغتسل ويتوضأ لأجلها ، أما إعادة الطواف السابق فليس بلازم لجريان قاعدة الفراغ بلا معارض.


[1] العروة الوثقى مسالة 14 من مسائل الجنابة.
[2] مستمسك العروة الوثقى 3 137 .
[3] في تعليقته على العروة الوثقى عند تعليقه على هذا المطلب.
[4] تنقيح العروة الوثقى 3 14.