33/01/18


تحمیل
 الموضوع :-

مسألة 293 / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
 الوجه الثاني:- لو سلمنا بعموم الموثّقة المتقدمة وأنها تعم حالة الجزم بالغفلة بيد أنه يوجد مقيّد يقيّد ذلك الإطلاق وهو روايتان :-
 الأولى:- موثقة بكير بن أعين ( قلت له الرجل يشك بعد ما يتوضأ ، قال:- هو حين يتوضأ أذكر منه حين شك ) [1] ، فإنها عللت بالأذكرية ، أي لأجل أنه أذكر حين العمل - وواضح الوضوء لا خصوصية له - فانه لأجل أنه اذكر حين العمل منه حينما يشك فلا يعتد بالشك .
 إذن يفهم من هذه الموثقة أن عدم الاعتداد بالشك هو لأجل الأذكرية ففي أي مورد كانت الأذكرية فيه محفوظة فلا يعتد بالشك وأما إذا لم تكن محفوظة فلا تدل على عدم الاعتداد بالشك ، ومن المعلوم أن الأذكرية تكون محفوظة لو احتُمِل الالتفات ، أما إذا جزم بعدم الالتفات وجزم بالغفلة فلا أذكرية كما هو واضح.
 إذن هذه الرواية تصير مقيدة لموثقة محمد بن مسلم السابقة ان فُرِض أن في موثقة ابن مسلم إطلاقاً .
 والثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ( ان شك الرجل بعدما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يُعِد الصلاة وكان حين انصرف أقرب منه إلى الحق بعد ذلك ) [2] ، وهذه الصحيحة قد عللت عدم الاعتداد بالشك بنكتة الأقربية إلى الحق عند الإتيان بالعمل والفراغ منه ، ومن الواضح أن هذا التعليل يتم لو فرض أن المكلف يحتمل الالتفات حين العمل.
 إذن هاتان الروايتان تصيران مقيدتين لإطلاق الرواية الأولى ولا إشكال فيهما من حيث الدلالة والسند.
 نعم موثقة بكير بن أعين مضمرة ، ولكن يمكن التغلب على المشكلة من هذه الناحية بالبيان العام المتقدم.
 وأما الثانية - أي صحيحة محمد بن مسلم - فقد يشكل من حيث سندها باعتبار أن الشيخ الصدوق(قده) قد رواها بإسناده عن محمد بن مسلم وإذا رجعنا إلى المشيخة [3] وجدناه يقول ( وما كان فيه عن محمد بن مسلم فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم ) ، والمشكلة هي في الراوي المباشر الذي يروي عنه الشيخ الصدوق فانه مجهول الحال ، ومجرد كونه من أحفاد البرقي لا يكفي لإثبات الوثاقة كما هو واضح ، كما أن كونه شيخاً للصدوق لا يكفي أيضا.
 ومن هذه الناحية يصير جميع ما يرويه الصدوق عن محمد بن مسلم محلاً للإشكال من ناحية علي بن أحمد في البرقي.
 ولكن من حسن الحظ أنه في خصوص موردنا روى ابن إدريس هذه الرواية بعينها في سرائره على ما نقل صاحب الوسائل فانه في ذيل الحديث قال ( ورواه بن إدريس عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم ) وهذا السند سند صحيح فان ابن محبوب من أجلة أصحابنا وهكذا الحال بالنسبة إلى يعقوب بن يزيد وابن أبي عمير ، فهذا السند لا مشكلة فيه فيكون عوضاً عن السند السابق وتكون الرواية صحيحة آنذاك.
 نعم هناك مشكلة أخرى وهي أن صاحب السرائر(قده) حينما عثر على بعض أصول الأصحاب واستطرف منها بعض الأحاديث فسجل ما استطرفه في آخر كتابه واصطُلِحَ عليه بعد ذلك بـ(مستطرفات السرائر) لم يذكر طرقه إلى الأصول التي نقل عنها ، فصحيح أنه قد وصلت بيده بعض أصول الأصحاب ولكن من قال أنها سالمة من الدس والتحريف أو من قال أن هذا هو حقاً أصل فلان أو فلان فلعله كُتِب عليه هذا أصل فلان وهو ليس كذلك .
 إذن نحتاج إلى طريق صحيح إلى تلك المستطرفات ولكنه لم يذكر طريقاً إليها ، ومن هنا وقع جميع ما يرويه صاحب السرائر بعنوان المستطرفات محلاً للإشكال من هذه الناحية.
 نعم بالنسبة إلى خصوص ما رواه عن محمد بن علي بن محبوب يمكن التغلب على المشكلة من ناحيته باعتبار ان له عبارة في هذا المجال حيث قال(قده) ما نصه ( ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب نوادر المصنف تصنيف محمد بن علي بن محبوب الأشعري الجوهري القمي وهذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله مصنف كتاب النهاية رحمه الله فنقلت هذه الأحاديث من خطه من الكتاب المشار إليه ) [4] ثم بعد ذلك نقل أحاديث ابن محبوب ومنها هذا الحديث الذي ذكرناه ، وحينئذ يقال في وجه تصحيح السند ان كتاب ابن محبوب بعدما كان بخط الشيخ الطوسي(قده) فنضم إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أن الشيخ الطوسي(قده) له طريق معتبر في الفهرست إلى علي بن محمد محبوب فيثبت بذلك صحة هذه النسخة التي هي بخط الشيخ الطوسي .
 إذن إذا لم يمكننا حل مشكلة سند المستطرفات بشكل عام - وان كانت هناك محاولة - فلا أقل يمكن حلها بالنسبة إلى أصل محمد بن علي بن محبوب للنكتة المذكورة.
 نعم هذه الطريقة قد تواجه هذا الإشكال وهو:- من قال ان هذه النسخة هي بخط الشيخ الطوسي حقاً فلعل ذلك اجتهاد خاطئ من قبل صاحب السرائر واجتهاد الآخرين ليس حجة علينا وإنما ما ينقله عن حسٍّ هو الحجة علينا لأجل حجية خبر الثقة وأما حدسيّات الثقة فليست حجة إلا في حق المجتهد بالنسبة إلى مقلده.
 وجوابه:- صحيح انه يحتمل أن يكون ذلك اجتهاداً من قبل ابن إدريس ولكنه هو حدس قريب من الحس ومثله يمكن انعقاد السيرة العقلائية على حجيته فان الذي لم تنعقد عليه السيرة هو الحدس البعيد عن الحس أما الحدس القريب من الحس فيمكن دعوى انعقاد السيرة على حجيته كالشهادة بالعدالة أو بالأعلمية أو بالاجتهاد فانا حينما نشهد بأن فلاناً عادل فمن الواضح أن الشهادة ليست من الأمور الحسيِّة ولكنها حدسية قريبة من الحس فبالمخالطة والعاشرة يمكن أن يُعرَف أن هذا الإنسان عادل.
 إذن الأمر الحدسي الذي يكون قريباً من الحس يمكن أن يدعى انعقاد السيرة العقلائية على حجيته ، ومقامنا من هذا القبيل فان معرفة الخطوط وان كانت قضية حدسيَّة ولكنها قريبة من الحس ، فهناك بعضٌ من الأشخاص يعرف الخطوط بسهولة . فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.
 والخلاصة من كل هذا:- ان الروايتين تكونان مقيدتين لإطلاق موثقة محمد بن مسلم - ان تم الإطلاق فيها - هذا ما ذكره السيد الخوئي والسيد الشهيد.
 ولكن في مقام المناقشة يمكن ان يقال:- أما بالنسبة إلى الوجه الاول - وهو أن صحيحة محمد بن مسلم ( كل ما مضى فأمضه ) هي ليست تأسيسية ونما هي إمضاء لما عليه العقلاء - فيمكن أن يعلق ويقال:- صحيح هي إمضاءٌ ولكن الإمضاء أحيانا يكون أوسع مما عليه العقلاء ، فقد يكون الإمضاء بالدرجة التي عليها العقلاء وقد يكون أوسع من ذلك ، فمثلاً في روايات الاستصحاب ورد التعبير بكلمة ( لا ينبغي ) وقيل ( ولا ينبغي لك نقض اليقين بالشك ) انه من خلال التعبير بجملة ( لا ينبغي ) يمكن أن يدعى أن الإمضاء هو بمقدار ما عليه العقلاء ولذلك عبر عليه السلام بفقرة ( لا ينبغي ) فنفس التعبير بهذه الفقرة قرينة على أن الإمضاء هو بمقدار ما عليه العقلاء ، وهذا بخلافه في مقامنا فانه لا يوجد مثل ذلك بل انه عليه السلام أعطى قاعدة عامة وقال ( كل ما شككت فيه فأمضه كما هو ) فنتمسك بإطلاق هذه القاعدة رغم تسليمنا بأنها امضائية ولكن الإمضاء لا يلزم ،ن يكون بمقدار ما عليه العقلاء بل ربما يكون أوسع والإطلاق شاهد على الأوسعية.
 وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني فنقول:- يمكن حمل الأذكرية الأقربية على الحكمة إذ لا يوجد لسان التعليل ولم يقل عليه السلام ( لأنه ) حتى يستظهر من ذلك التعليل بل قال ( ما دام الشك بعد الفراغ فلا يعير أهمية له لكونه حين العمل أقرب أو أذكر ) فيحمل هذا على الحكمة بعدما فرض أنه لا ظهور في العلّيَّة وهناك تردد بين العلية وبين الحكمة فيبقى إطلاق تلك الموثقة على حاله فيؤخذ به.


[1] الوسائل 1 471 42 ابواب الوضوء ح7.
[2] الوسائل 8 _ 246 _ 27 ابواب الخلل في الصلاة ح3.
[3] الفقيه 4 6 .
[4] السرائر 3 -0 601.