33/02/14


تحمیل
 الموضوع :-

مسالة ( 289 ) / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
 النقطة الثانية:- إذا التفت إلى النجاسة بعد الفراغ من الصلاة فهنا يحكم الاجزاء أيضاً وعدم الحاجة إلى الإعادة وذلك لثلاثة وجوه:-
 الوجه الأول:- الروايات الخاصة الواردة في باب الصلاة والتي تدل على أن من صلى في النجاسة وهو جاهل بها ثم التفت بعد الفراغ منها فصلاته صحيحة ، فان نفس تلك الروايات يمكن التمسك بها في مقامنا باعتبار أن صلاة الطواف صلاةٌ فيثبت لها ما يثبت لطبيعي الصلاة فيحكم بالاجزاء تمسكاً بتلك الروايات العامة من قبيل رواية زرارة الواردة في باب الاستصحاب فان إحدى رواياته قد دلّت على ذلك - أي دلت على أن من صلى في النجاسة وهو جاهل ثم التفت بعد الفراغ منها حكم بصحة صلاته - فنتمسك بتلك الصحيحة في المقام أيضاً لعدم احتمال الفرق بين الصلوات ، أو قل تمسكاً بالإطلاق ، والأمر سهل.
 الوجه الثاني:- لو فرضنا عدم وجود روايات خاصة في باب الصلاة تدل على أن من صلى وهو جاهل بالنجاسة والتفت بعد الفراغ فصلاته صحيحة فيمكن الحكم بالصحة أيضاً وذلك تمسكاً بقاعدة ( لا تعاد ) التي مستندها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ( لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والسجود ) ثم قال عليه السلام ( القراءة سنة والتشهد سنة والتكبير سنة ولا تنقض السنة الفريضة ) [1] فإنا نستفيد من هذه الرواية المباركة أحكاماً كثيرة في باب الصلاة ، فيستفاد منها أن الخلل إذا كان من جهة أحد الخمسة المذكورة التي يعبر عنها في السنة الفقهاء بـ( الأركان ) فالصلاة باطلة وأما إذا كان الخلل من غير ذلك فالصلاة صحيحة ، وحيث أن النجاسة والطهارة ليست من أحد هذه الأمور الخمسة إذ المقصود من الطهور هو الطهور من الحدث وليس من الخبث جزماً ، ولا أقل يكفينا الشك ، أي هل الطهور يعم الطهارة من الخبث أو لا ؟ ونحن نعلم من الخارج أنه لا يشمل ذلك جزماً ولكن لو فرض الشك فهو يكفينا فنتمسك آنذاك بالقدر المتيقن - إذا فرض عدم انعقاد إطلاقٍ - ولكن لا تصل النوبة إلى هذا لأنه قد ثبت من الخارج أن المقصود من الطهور هو خصوص الطهارة من الحدث . إذن الطهارة من الحدث حيث أنها ليست من أحد الخمسة فلا تعاد الصلاة إذا حصل خللٌ من ناحيتها.
 إذن تكفينا هذه الصحيحة أو قاعدة ( لا تعاد ) للحكم بصحة صلاة الطواف إذا عُلِمت النجاسة بعد الفراغ منها.
 الوجه الثالث:- لو فرض أنا لا نملك الروايات الخاصة كما لا نملك صحيحة ( لا تعاد ) فانه يمكن الحكم بصحة الصلاة مع ذلك ، وذلك باعتبار أن ما دل على شرطية الطهارة من الخبث ليس له إطلاق لحالة النسيان وعدم الالتفات فان الرواية التي كنّا نتمسك بها - بشِقِّ الأنفس - هي رواية يونس بن يعقوب وهي واردة في من رأى شيئاً من دم حالة الطواف فقال الإمام عليه السلام ( فعرِّف الموضع ثم أخرج فاغسله ثم عُد فابنِ على طوافك ) فمن هذه الرواية استفدنا أن الطهارة من الخبث شرطٌ إذ لو لم تكن شرطاً فلماذا قال له ( أخرج فاغسله ثم عُد فابنِ على طوافك ) ومعلوم أنه لا يمكن أن يستفاد من هذه الرواية شرطية الطهارة حالة النسيان والالتفات بعد الفراغ من الصلاة بالكامل ، على أنها خاصة بالطواف وليست شاملة للصلاة وإذا أردنا أن نلاحظ باب الصلاة فأمرها أيضاً كذلك - أي ليس فيها إطلاق لحالة النسيان - ومعه نتمسك بالبراءة فنقول ان ذمتنا قد اشتغلت بالحج المقيد بالطواف والصلاة المقيدين بالطهارة في الجملة - يعني حالة الالتفات - أما إذا فرض أن المكلف كان ناسياً فنشك في اعتبار الطهارة هنا فيكون هذا شكاً في التقييد والاشتغال الزائد فيكون مجرى للبراءة ككل تكليفٍ زائد شُك َّفيه.
 إذن هناك ثلاثة وجوه لإثبات صحة الصلاة ولكن هذا الوجه الثالث موقوف على عدم ثبوت إطلاق في روايات باب الصلاة تدل بواسطته على شرطية الطهارة حتى في حالة النسيان فانه إذا لم يكن هناك إطلاق لفظي تصل النوبة إلى التمسك بالأصل العملي القاضي بالبراءة.
 
 
 مسألة ( 299 ):- إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثم تذكرها بعد طوافه صح طوافه على الأظهر وان كانت إعادته أحوط . وإذا تذكرها بعد صلاة الطواف أعادها.

 ..........................................................................................................
 تشتمل المسألة على نقطتين ، وقبل الشروع فيهما لا بد وأن نلتفت إلى الفارق بين هذه المسالة وسابقتها ، فان السابقة كانت ناظرة إلى حالة الجهل وأما هذه فهي ناظرة إلى حالة النسيان ، وكان المناسب فنيّاً عقد المسألتين ضمن مسالة واحدة فيقال هكذا ( من طاف في النجاسة أو صلى معها ثم التفت فلذلك حالتان الأولى حالة الجهل والثانية حالة النسيان ، أما حالة الجهل فحكمها كذا وأما حالة النسيان فحكمها كذا ) ان هذا يعطي الصورة المطلوبة بشكل أوضح . وعلى أي حال الكلام يقع في نقطتين:-
 النقطة الأولى:- إذا فرغ المكلف من طوافه ثم تذكّر وجود نجاسةٍ سابقاً وأنه قد نسى تطهيرها وإزالتها فهل يُحكم بصحة طوافه ؟ ونحن نعرف في باب الصلاة أن المعروف فيها هو أن الناسي يعيد صلاته والجاهل لا يعيد - أي صار الناسي أشد وظيفة وتكليفاً من الجاهل - فهل الحكم كذلك في باب الطواف ، بعد الالتفات إلى أنه لم ترد رواية تبين حال ناسي النجاسة في باب الطواف ؟
 قد يقال:- تكفينا رواية يونس المتقدمة فإنها تثبت الصحة في حق الناسي أيضاً إذ قالت ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام رأيت في ثوبي شيئاً من دمٍ وأنا أطوف ، قال:- فعرِّف الموضع ثم أخرج فاغسله ثم عُد فابنِ على طوافك ) والسائل لم يفترض أنه جاهل بل سؤاله مطلق وأعم من هذه الناحية فان عنوان ( رأيت في ثوبي ) كما يشمل حالة الجهل يشمل حالة النسيان أيضاً ، فالرواية إذن مطلقة من هذه الناحية وحيث أن الإمام عليه السلام لم يستفصل في مقام الجواب بعد فرض إطلاق سؤال السائل وعموميته فعدم استفصاله يثبت أن الحكم يعمّ حالة النسيان أيضاً ، نعم هي ناظرة إلى حالة الأثناء فكيف نثبت تعميمها لحالة الالتفات بعد الفراغ من الطواف ؟ أجبنا فيما سبق بأن العرف لا يحتمل الفرق بين حالة الالتفات في الأثناء وبين حالة الالتفات بعد الفراغ فان العفو إذا كان ثابتاً حالة الالتفات في الأثناء يكون ثابتاً في حالة الالتفات بعد الفراغ لعدم الخصوصية ، وعليه فنتمسك بالرواية لهذا التقريب ، وقد اتضح أنّا نحتاج إلى ثلاث مقدمات حتى يتم هذا التقريب:-
 الأولى:- ان سؤال السائل لا يختص بفرض الجهل بل هو صالح للعمومية.
 والثانية:- ان الإمام عليه السلام لم يستفصل في مقام الجواب فيكون عدم استفصاله بعد فرض إطلاق سؤال السائل دالاً على العموم.
 والثالثة:- ان الرواية وان كانت من حيث المورد ناظرة إلى حالة الالتفات في الأثناء ولكن لا يحتمل الخصوصية من هذه الناحية . هكذا قد يقال في تقريب دلالة الرواية للتعميم لحالة النسيان.
 وفيه:- ان هذا وجيه لو فرض أن السؤال كان بنحو القضية الكلّيَّة الحقيقية كما لو فرض أن السائل سأل هكذا ( رجل رأى أثناء طوافه نجاسة ) فحينئذ يقال ان كلمة ( رأى ) صالحة للاثنين معاً - أي لمن كان جاهلاً من البداية ولمن كان ناسياً - ولكن السؤال ليس كذلك بل هو سؤال بنحو القضية الخارجية - أي هي قضية قد ابتلى بها يونس نفسه ويسأل ويقول( أنا رأيت أثناء طوافي دماً ) - ولعل المفهوم من كلامه هو أنه كان جاهلاً ثم رآه إذ لو كان ناسياً لأبرز ما يدل على النسيان إذ الإنسان عادةً حينما ينسى ينبِّه على ذلك ويقول ( إنها كانت موجودة وغفلت عنها ثم تذكرتها ورايتها ) وعدم التعبير هكذا يدل على أن نظره كان إلى حالة عدم الالتفات من البداية رأساً وهذا ان لم يكن هو مقتضى الظاهر فلا أقل من كونه وجيهاً ، يعني أنا نحتمل أن الإمام عليه السلام فهم منه أنه ناظر إلى حالة الجهل لا حالة النسيان وإلا لنبَّه بعد فرض أن سؤاله بنحو القضية الخارجية وما دمنا نحتمل أن الإمام قد فهم ذلك فلا يمكن أن نستفيد من عدم استفصاله العموم . إذن يشكل التمسك بهذه الرواية لاستفادة العموم.
 ولكن رغم ذلك يمكن أن نثبت الصحة على طبق القاعدة بلا حاجة إلى الرواية المذكورة حيث يقال:- انه لا يوجد نصٌّ يدل على بطلان الطواف في حالة النسيان فان أقصى ما نملكه هو رواية يونس وهي - كما قلنا - قاصرة فنعود إلى القاعدة فنحن نجزم بأن ذمتنا قد اشتغلت بالحج المقيد المشتمل على الطواف المقيَّد بالطهارة حالة الالتفات - ان هذا شيء متيقن - وأما ما زاد على ذلك - أي المقيَّد بالطهارة حتى في حالة النسيان - فانا نشك فيه فنرفع اشتغال الذمة بهذا التكليف الزائد من خلال حديث البراءة . إذن وصلنا إلى نفس النتيجة غايته على طبق القاعدة - أي من خلال أصل البراءة - وليس من خلال رواية يونس ، وهذا شيء ظريف يجدر الالتفات إليه.


[1] الوسائل 5 470 ابواب أفعال الصلاة ح14.