33/03/07


تحمیل
 الموضوع :-

الواجب الاول من واجبات الطواف ( الابتداء بالحجر والختم به ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا ولكن نقل في الحدائق [1] أن الشيخ الكليني(قده) روى الصحيحة المذكورة بالشكل المذكور يعني ( من الحجر والى الحجر ) ، بيد أن الشيخ الصدوق(قده) رواها من دون ذكر الشطر الثاني واقتصر على الشطر الاول أي ( فليعد طوافه من الحجر الأسود ) ولا يوجد قوله ( إلى الحجر الأسود ) وعليه فسوف لا تكون هذه الصحيحة دالة على النهاية بل على البداية فقط فما هو العلاج ؟
 والجواب:- تارة نبني على أن الأصل هو عدم الزيادة في موارد الدوران بين الزيادة والنقيصة ، بمعنى أن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب وأن النقيصة هي التي وقعت في موقعها غير المناسب ، وعلى هذا فلا مشكلة إذ يرجح بذلك نقل الشيخ الكليني(قده) ، ولكن قد تقدم في أبحاث سابقة عرض مدارك الأصل المذكور وتقديمه على مقابله وانتهينا إلى أنه لم يثبت انعقاد سيرة عقلائية على أصالة عدم الزيادة بل المناسب ملاحظة قرائن المقام المورثة للاطمئنان وهي تختلف باختلاف الموارد . إذن ماذا نفعل بعد عدم قبول الأصل الذكور ؟
 يمكن الإجابة بجوابين:-
 الأول:- أن يقال ان نقل الشيخ الصدوق(قده) لا يعارض نقل الشيخ الكليني(قده) وذلك باعتبار أن الشيخ الصدوق هو بصدد بيان أن من اختصر طوافه في الحِجر فلا يكفيه تدارك هذا المقدار الذي وقع فيه الاختصار بل عليه أن يعيد الشوط من جديد - أي من الحجر الأسود - ومعه يكون المناسب حينما يذكر الرواية هو الاختصار على بيان البداية ولا حاجة إلى ذكر النهاية ومعه فلا يعارض نقل الشيخ الكليني فلاحظ عبارة الفقيه فانه قال ( باب ما يجب على من اختصر شوطاً من الحِجر:- ... ) ثم قال ( روى ابن مسكان عن الحلبي كذا ... ) ثم قال ( وفي رواية معاوية بن عمار ثم ساق ذكر الرواية ) إذن هو بصدد بيان الاستدلال على حكم من اختصر في الحِجر وان الوظيفة هي الشروع في شوطٍ جديدٍ من الحَجَر الأسود ، وعليه فلا يلزم أن يذكر الانتهاء فلا يعارض نقل الشيخ الكليني.
 والثاني:- إنا لا نحتاج إلى ذكر الشطر الأخير أي ( والى الحجر الأسود ) بل حتى لو لم يكن ذلك مذكوراً في كلا النقلين فيمكن أن نصل إلى نفس النتيجة - أي لزوم الانتهاء إلى الحجر الأسود - رغم عدم وجود هذا الذيل وذلك ببيان انه عرفاً حينماً يقال لشخصٍ ( طف بقبر الإمام الحسين عليه السلام مثلاً من بداية باب الضريح ) فانه يفهم منه ( وانتهِ إلى باب الضريح ) بلا حاجة إلى ذكر ذلك . إذن نحن في غنىً عن ذكر هذه التكملة بل يتم المطلب من دون ذلك.
 ان قلت:- هناك رواية تدل على أنه لا يلزم الابتداء بالحجر الأسود والانتهاء به فتكون معارضة للرواية السابقة وهي صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- كنا نقول لابد أن نستفتح بالحجر ونختم به فأما اليوم فقد كثر الناس ) [2] والتكملة محذوفة وهي ( فلا حاجة إلى الاستفتاح والختم بالحجر الأسود ).
 قلت:- ان المقصود من هذه الرواية بقرينة روايات أخرى فانه أحياناً يلزم فهم الرواية على طبق أخواتها أن الاستفتاح لا يقصد به الابتداء بل يقصد به لمس الحجر الأسود وتقبيله ، وهكذا لابد من تقبيله ولمسه في الانتهاء فان هذا كان يأمر به الأئمة عليهم السلام سابقاً ولكن في هذا الزمان لكثرة الناس يكفي الشروع من الحجر واليه بلا حاجة إلى تقبيلٍ ولمسٍ فلاحظ صحيحة ثالثة لمعاوية ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة ، قال:- هو من السُنَّة فان لم يقدر فالله أولى بالعذر) [3] .
 والخلاصة من كل هذا:- ان البداية والنهاية يلزم أن تكونا من الحجر الأسود واليه.
 النقطة الثانية:- الأحوط الأولى أن يمرَّ بجميع بدنه على جميع الحَجَر .
 ومن الجدير فنيّاً حذف هذا التعبير المشوِّش فان الأحوط الأولى هو الأحوط استحباباً ولكن من باب التفنن في التعبير تارة يعبَّر هكذا واخرى يعبَّر هكذا فكلا التعبيران يشيران إلى الاحتياط غير اللزومي.
 وهناك كلام بين الفقهاء في أن البداية المطلوبة من الحَجَر هل هي البداية الدقيَّة أو تكفي البداية العرفية ؟ فإذا بنينا على البداية الدقيِّة فيلزم ملاحظة بداية جسم الإنسان ، وقد وقع الخلاف في بداية الجسم - يعني البارز المقدَّم - هل هو طرف الأنف أو هو البطن أو هو إبهام الرجل أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فإذا قلنا ان البداية هي الأنف فيلزم أن يحاذي طرف الأنف لبداية الحجر الأسود ثم بعد ذلك يسير ونسب هذا الرأي إلى العلامة ، ولعل أول من عُرِف بإثارة هذا الخلاف هو العلامة فانه ذهب إلى لزوم ذلك ، ولكن الصحيح كما ذكر السيد العاملي في مداركه أنه لا حاجة إلى مثل هذا الكلام والمدار على البداية العرفية وذلك لوجوه ثلاثة:-
 الأول:- ان كل مفهوم يُحمل على ما يفهم منه عرفاً فحينما يقال ( من الحجر ) فيفهم أن المدار على البداية العرفية دون الدقيَّة ، ومعه يكفي أن يقف في نصف الحَجَر ويسير فانه بالتالي يصدق عرفاً ( من الحَجَر ).
 وثانياً:- لو كان هذا التدقيق لازماً لكثر السؤال عنه والحال أنه لم ينعكس أبداً فيحصل اطمئنان بأن المدار على البداية العرفية.
 وثالثاً:- ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم طاف وهو على ناقته ولازم ذلك الاكتفاء بالبداية العرفية إذ مع الناقة يصعب تحديد البداية الدقيَّة فلاحظ صحيحة الكاهلي ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- طاف رسول الله على ناقته العضباء فجعل يستلم الأركان بمِحْجَنه [4] ويُقبِّل المحجن ) [5] ، وعلى منوالها صحيحة محمد بن مسلم [6] .
 إذن المناسب هو كفاية البداية العرفية ، وقد أشار إلى كل هذا صاحب المدارك بقوله ( والظاهر الاكتفاء في تحقق البدأة بالحجر بما يصدق عليه ذلك عرفاً واعتبر العلامة ومن تأخر عنه جعل أول جزء من الحجر محاذياً لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه بعد النية بجميع بدنه علماً أو ظناً ، وهو أحوط لكن في تعيُّنه نظر لصدق الابتداء بالحجر عرفاً بدون ذلك ولخلو الأخبار من هذا التكليف مع استفاضتها في هذا الباب ...... بل ربما ظهر من طواف النبي صلى الله عليه وآله على ناقته خلاف ذلك ) [7] ، وقال في الجواهر ( وذهب الفاضل بل غيره ممن تأخر عنه إلى أنه لابد من الابتداء بأول الحَجَر بحيث يمر كله على كله .... ولم نعرف شيئاً من ذلك لمن سبق العلامة . وعلله في كشف اللثام ....... ) [8] ، ثم نقل في الجواهر عن كشف اللثام أنه من هنا اختلفوا في أن مقاديم البدن التي يلزم محاذاتها لبداية الحَجَر ما هي ؟ ثم قال ( لكن ذلك كله لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه خصوصاً وقد دل الحديث أنه صلى الله عليه وآله طاف على ناقته ) ، ان هذا خلاف في البداية ، ونفس هذا الكلام يأتي كما سنشير إليه فيما بعد إلى النهاية فانتظر ولكن الذي أريد أن الفت النظر إليه هو أن التعبير بأن هذا أحوط - كما فعل صاحب المدارك وهكذا السيد الخوئي في عبارة المتن حيث قال ( والأحوط ان يمر بجميع بدنه على جميع الحجر ) - قد يورث الوسوسة ، ونحن لابد وأن نتحاشى التعابير المورثة لذلك ، ولكن بالإمكان صياغة العبارة بشكل آخر بحيث يقال هكذا ( الأول:- البدء والختم بالحجر وحيث قد يصعب ذلك فيكفي الشروع قبل الحَجَر بقليلٍ بنية الطواف من نقطة المحاذاة الواقعية ) ان هذا نفس ما أراده السيد الماتن(قده).


[1] الحدائق 16 100.
[2] الوسائل 13 324 16 من ابواب الطواف ح1.
[3] المصدر السابق ح10وبمضمونه ح11 ، ح12 وغير ذلك.
[4] المِحجن:- هي العصا التي يكون في طرفها اعوجاج.
[5] الوسائل 13 441 81 من الطواف ح1.
[6] المصدر السابق ح2.
[7] المدارك 8 127.
[8] 19 289.