33/06/13


تحمیل
 الموضوع :- مسألة( 328 )/ الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة( 328 ):- تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف بمعنى أن لا يفصل بين الطواف والصلاة عرفاً.
 هذه المسألة تتعرض إلى حكم الفورية وأن صلاة الطواف ينبغي الإتيان بها بعد الطواف فوراً ولكن بالفورية العرفية دون الحقيقية .
 وإذا رجعنا إلى كلمات المتقدمين فقد لا نجد اشارة إلى هذا الحكم فانهم لم يذكروا أن الفورية معتبرة في صلاة الطواف وإنما تعرضوا إلى حكم آخر وهو أن المكلف لو فرغ من الطواف فلا محذور في أن يأتي بصلاة الطواف في أي وقت من الأوقات حتى في الأوقات التي تكره فيها النافلة المبتدأة - كأثناء الغروب أو قبيله أو ما شاكل ذلك - فان بعض الروايات قد تعرضت إلى هذه القضية وأن صلاة الطواف في الأوقات اليت يكره فيها الإتيان بالنافلة هل يؤتى بها ؟ فتبعاً لتعرض الروايات تعرضوا إلى ذلك أيضاً ، يعني هل يجوز الإتيان بصلاة الطواف في هذه الأوقات أو أنها تؤخر ؟
 وهذا كما ترى أجنبي عن محلّ كلامنا فان الكلام في أنه هل تلزم الفورية أو لا ؟ وهذا شيء لم يتعرضوا إليه.
 وهذه القضية حينما نشير إليها لا نقصد من الإشارة إليها مجرّد بيان تأريخ أو بيان واقع بلا هدف علميّ من وراء ذلك ، كلا فانه قد يكون هناك هدفٌ علميٌ كما سوف نوضح.
 وعلى أي حال ذكر المحقق في الشرائع أن من لوازم الطواف هو الركعتان أما أنه تلزم الفورية فلم يتعرض إليه حيث قال(قده) ( الخامسة:- يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات التي تكره لابتداء النوافل ) فانه ذكر هذا المقدار فقط ، وصاحب المدارك لم يذكر شيئاً سوى بعض الروايات الدالّة على ذلك - أي أنه يجوز الإتيان بصلاة الطواف في أي وقت - أما عنوان الفورية فلم يتعرض إليه ، وقال وصاحب الحدائق ( الخامس:- المفهوم من الأخبار وكلام الأصحاب أن وقت صلاة الطواف الفراغ من الطواف فلا تكره لو اتفقت في الأوقات التي يكره فيها ابتداء النوافل بل تصلى في كل وقت ومن الأخبار في ذلك .... ) [1] ثم أخذ في سرد الأخبار الدالة على أنه يجوز الإتيان بها في كل وقت . نعم أشار صاحب الجواهر في ثنايا كلامه بشكل عابر إلى مسألة الفورية وأنه لو قلنا بالفورية فكذا فأنه بين المسألة بهذا المقدار فلاحظ عبارته حيث قال:- ( بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما قد تشعر به بعض النصوص اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة كما هو واضح ) [2] .
 وإذا رجعنا إلى الحرّ العاملي في الوسائل فانه يعقد عناوين في الأبواب التي يذكرها وحينما عقد الباب في هذه المسألة أخذ عنوان ( استحباب الفورية ) لا وجوبها ، وإذا ضممنا إلى ذلك مقدمّة - لا ندري مقدار صحتها - وهي أن العناوين التي يذكرها صاحب الوسائل في الأبواب يأخذها عادةً من شرائع الاسلام ومدرك هذه الدعوى هو التطابق بين العناوين المأخوذة في الوسائل وبين عبارة صاحب الشرائع ، وعلى أي حال إذا ضممنا هذا المقدمة فسوف نفهم أن صاحب الوسائل استفاد من الشرائع استحباب الفوريّة لا لزومها حيث قال(قده) ( باب:- جواز صلاة ركعتي صلاة الطواف في كل وقت وكذا الطواف واستحباب المبادرة بهما بعد وحكم ايقاعهما عند طلوع الشمس وعند غروبها ... ) [3] فانه أخذ في عنوان الباب ( واستحباب المبادرة بهما بعده ) ولم يأخذ عنوان ( وجوب المبادرة ).
 وعلى أي حال يظهر من خلال هذا أن المتقدمين لم تثبت عندهم الفورية ولا يمكن أن ننسب اليهم ذلك.
 وذهب الشيخ النائيني(قده) في مناسكه إلى الاحتياط حيث قال ( والأحوط فيها رعاية الفورية العرفية ).
 وهناك قضية جانبية أشير إليها:- وهي أن هناك بعض المسائل والأحكام قد تعرض إليها المتقدمون ولم يبنِ عليها المتأخرون من قبيل نجاسة البئر فان المتقدمين قد تعرضوا إلى ذلك في كلماتهم وبحثوا ذلك بحثاً موسعاً بينما المتأخرون لا يوجد ذلك في كلماتهم ، ولكن هل يوجد مثال على العكس ؟ أي هل يوجد مورد لا يتعرض إليه المتقدمون ويتعرض إليه المتأخرون ؟ ان من أمثلة ذلك فورية صلاة الطواف اذ لم يتعرض إليها المتقدمون وإنما تعرض إليها المتأخرون.
 وعلى أي حال ننتهي من خلال ما أشرنا إليه أنه لا يمكن أن ننسب إلى المتقدمين الحكم بالفورية بل يصح أن ننسب اليهم أنهم لا يقولون بها والا لتعرضوا إلى ذلك ولحكموا بها والحال أنهم لم يحكموا بها . هذا من حيث الفتوى.
 وأما من حيث الروايات:-
 فإذا رجعنا إليها وجدنا ثلاث أو اربع روايات قد يستفاد منها الفورية ، ولكن في مقابل ذلك توجد روايتان تدلّان على المعارضة وأنه لا تجب الفورية.
 أما الروايات التي قد يستفاد منها الفورية فهي:-
 الرواية الأولى:- صحيحة محمد بن مسلم التي رواها الشيخ الكليني ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال:- وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب ) [4] ، وقريب منها أو نفسها [5] روايته الأخرى التي رواها الشيخ الطوسي بسنده عن موسى بن القاسم عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم وتلك أيضاً فيها حريز عن محمد بن مسلم - ( قال:- سألت أبا جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال:- وقتهما إذا فرغت من طوافك وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ) [6] ، ودلالة هذه الرواية على لزوم الفورية أضعف من السابقة فان السابقة قالت ( وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب ) ان فيها تعبير ( وجبت ) وفيها تعبير ( فليصلهما ) فهي تدل على اعتبار الفورية من ناحيتين ، وهذا بخلافه في هذه الصحيحة فانه عليه السلام قال ( وقتهما إذا فرغت من طوافك ) فان غاية ما ذكره الامام هو هذا وهو لا يدل على لزوم الفورية بل غاية ما يدل عليه هو أنه عند الفراغ من الطواف يبتدئ وجوب صلاة الطواف أما فوراً فلا يستفاد ذلك ، فدلالة هذه الرواية أضعف من دلالة السابقة ، أو لعله لا دلالة لها على لزوم الفورية.
 وعلى أي حال فالرواية الأولى حيث ورد فيها التعبير بكلمة ( يجب ) والتعبير بكلمة ( فليصلهما قبل المغرب ) فهي تدل على لزوم الفورية.
 هذا ولكن يمكن أن يقال:- ان دلالتها على وجوب الفورية ضعيفة أو أنها قابلة للمناقشة فانه ربما يقال:- هي واردة مورد توهم الحظر ، يعني أن الأمر فيها وارد مورد توهم الحظر ونحن نعرف أن الأمر متى ما ورد في مورد توهم الحظر فهو مجمل لا ظهور له في الوجوب.
 أما كيف يحتمل أن هذه واردة مورد توهم الحضر ؟ وذلك لأن السائل سأل عمّن فرغ من طوافه حين غربت الشمس وهذا يدل على وجود توهم في ذهنه وهو أنه ما دامت قد غربت الشمس فتكره صلاة الطواف أو أن الوقت يصير لصلاة المغرب ولا معنى لأن يصلي المكلف صلاة الطواف ، انه لا يبعد وجود هذه الشبهة في ذهنه والامام عليه السلام قال له ( صلِّ ) والتعبير بكلمة ( وجبت ) لا يقصد منه الوجوب وإنما يعني الثبوت فوجبت تلك الصلاة أي ثبتت.
 وبالجملة:- هناك مجال لدعوى أن الأمر وارد مورد توهم الحضر خصوصاً إذا قرأنا مجموع الروايات الأخرى وألقينا نظرة على مجموعها فانه لو لاحظنا بقية الروايات لرأينا أنه كانت هناك شبهة في الأذهان وهي أنه لا يجوز الإتيان بصلاة الطواف في الأوقات المكروهة.
 إذن دعوى أن الأمر في صحيحتنا هذه وارد مورد توهم الحظر ينشأ من قرينتين أحداهما متصلة - أي موجودة في نفس الرواية - وهي افتراض أن المكلف قد فرغ حين المغرب وقرينة منفصلة وهي بقيَّة الروايات.
 وعلى أي حال قد تدّعى هذه الدعوى ، وأنا أرى أن في ذلك مجالاً - أي أن الدلالة على لزوم الفورية ليست واضحة - ولكن لست من الجازمين بذلك.
 الرواية الثانية:- صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم فصلّ ركعتين .... وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا تؤخرها ، ساعة تطوف وتفرغ فصلهما ) [7] ، وتقريب دلالتها على لزوم الفورية قوله عليه السلام ( ولا تؤخرها ، ساعة تطوف وتفرغ فصلهما ) فانه لو لاحظنا هذه الفقرة فهي تدل على وجوب الفوريّة ، ولكن مناقشتنا السابقة تأتي هنا لأنه فيما سبق قال عليه السلام ( ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت ) فالإمام عليه السلام ينبّه على أن الكراهة ليست موجودة فـ( صلِّ ) واردة في مورد توهم الكراهة.
 الرواية الثالثة:- رواية أو صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال:- لا تؤخرها ساعة ، إذا طفت فصلِّ ) [8] ، ولعل هذه الرواية هي أقوي الروايات على لزوم الفوريّة فان شبهة توهم الحظر فيها أضعف أو قد يقال بأنها غير موجودة ، ولكن حينما تُضمّ إلى بقيّة الروايات ولا يلتفت إليها وحدها تأتي آنذاك شبهة ورودها مورد توهم الحظر.
 وإنما ردّدنا بين كونها رواية أو صحيحة باعتبار أن الشيخ الطوسي رواها بإسناده عن موسى بن القاسم عن محمد عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عله السلام ) والمشكلة ليس إلّا في محمد فان سند الشيخ إلى موسى بن القاسم صحيح كما في المشيخة والفهرست وموسى بن القاسم البجلي من أجلة أصحابنا وسيف بن عميرة ومنصور بن حازم من ثقاة أصحابنا ، ولكن المشكلة في محمد فانه مردّد بين متعدّد فإذا تمكنّا من خلال ملاحظة الراوي عنه والمروي عنه تشخيص مَن هو فحينئذ يثبت أنها صحيحة مثلاً - أي إذا ثبت أنه محمد بن أبي عمير أو محمد بن عبد الحميد مثلاً - وأما إذا لم يحصل اطمئنان بتشخيصه فتعود روايةً ، ولكن بما أنه توجد عندنا روايات أخرى غيرها فتحقيق الحال في سندها قد لا يكون مهمّاً.


[1] الحدائق 16 149.
[2] الجواهر 19 326.
[3] الوسائل 76 من أبواب الطواف
[4] الوسائل 13 434 76 من أبواب الطواف ح1.
[5] ولأجل هذا رددت بان الروايات ثلاثة أو اربعة .
[6] المصدر السابق ح7.
[7] المصدر السابق ح3.
[8] المصدر السابق ح5.