جلسة 34

المفطرات

هذا وقد يقال بوجود رواية يمكن التمسّك بها لإثبات المفطّرية في حقّ المرأة إذا تحقّق الوطء في قبلها أو دبرها، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: سألته عن رجل يعبث بامرأته حتّى يمني وهو مُحرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال ـ عليه السلام  ـ:  «عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الذي يجامع»[1] ، بتقريب أن ذيلها «عليهما جميعاً الكفارة مثل على الذي يجامع» يدل على أنّ الجماع لو تحقّق في شهر رمضان فتثبت الكفارة عليهما معاً، وحيث إنّ الجماع يصدق مع الوطء في الدبر فضلاً عن الوطء في القبل فنستنتج تعميم المفطّرية بلحاظ المرأة في كلتا الحالتين، أي: في حالة الوطء في قبلها وحالة الوطء في دبرها، بل قد يتمسّك بالصدر أيضاً فيقال: إن العبث مع المرأة من دون جماع يصدق على الوطء في الدبر وحيث قال ـ عليه السلام ـ: «عليهما جميعاً الكفّارة»، فتثبت المفطّرية في حقّ المرأة إذا كان الوطء في دبرها وبالأولوية يثبت ذلك لو كان الوطء في قبلها، هكذا قد يخطر إلى الذهن.

ولكن يمكن أن يقال: لو سلّمنا بهذه الطريقة من الاستدلال ولم نناقش في تفاصيلها فبالإمكان أن نجيب: بأنّ التمسّك بالصحيحة مبني على إرجاع الضمير في كلمة «عليهم» إلى الرجل والمرأة، والحال أنّ من المحتمل عوده إلى الرجل المُحرم العابث بزوجته والرجل الصائم العابث بزوجته في شهر رمضان، ويكفي مجرد هذا الاحتمال لإسقاط الصحيحة عن صلاحية التمسّك بها، بل هناك قرينة تؤكّد هذا الاحتمال، وهي أنّه لو أرجعنا الضمير إلى الرجل والمرأة فيلزم أنّ الرجل لو عبث بامرأته في شهر رمضان وأمنى ـ من دون جماع ومن دون أن يتحقّق منها تفاعل معه ـ تحقّق المفطّرية في حقّها، وهذا لا يحتمله أحد، وعليه فالصحيحة أجنبية عن المرأة وناظرة إلى الرجل فقط.

النقطة الثالثة: لا فرق بين كون المفعول به حياً أو ميتاً. وقد يتمسّك لذلك بالوجهين التاليين:

الوجه الأوّل: موثقة سماعة المتقدّمة[2] التي ورد فيها: «سألته عن رجل أتى أهله»، وحيث إنّ كلمة الأهل مطلقة وتشمل الميتة أيضاً فيثبت بذلك التعميم.

وفيه: أنّ الإطلاق المذكور منصرف إلى حالة الحياة، وإذا شُكّك في ذلك وقيل لا نسلّم بدعوى الانصراف أمكن التمسّك بالقاعدة التي أشرنا إليها في مبحث الإطلاق، وهي أنّه لا ينعقد الإطلاق إلاّ إذا قبح من المتكلّم تفسير كلامه المطلق بالمقيّد، أمّا لو لم يقبح ذلك منه عرفاً فلا ينعقد الإطلاق، وفي المقام لو فرض أن الإمام ـ عليه السلام ـ قال: إنّ مقصودي الأهل التي هي على قيد الحياة وإنّما لم اُقيد لوضوح الأمر باعتبار أنّه أين الإنسان الذي يقدم على وطء زوجته بعد وفاتها؟ لم يقبح منه التفسير المذكور عرفاً ولا يقال له: إذاً لِمَ لم تقيد؟ إذن الإطلاق غير منعقد ولا يصح التمسّك به إمّا للانصراف إن سلم أو للقاعدة المذكورة.

الوجه الثاني: التمسّك بفكرة تنقيح المناط، بأن يقال: إنّ المفهوم عرفاً أن إتيان الأهل بما هو موجب للمفطّرية ولا خصوصية لقيد الحياة في نظر العرف، فالتعميم يثبت من هذه الناحية الذي قد يُعبّر عنه بتنقيح المناط، وتبقى المسألة من هذه الناحية مرتبطة بنفسية الفقيه، فإذا فهم عدم الخصوصية وجزم بذلك أمكنه الفتوى بالتعميم، وإلاّ فقد ينتقل إلى الاحتياط إذا كان عدم الخصوصية محتملاً لديه بدرجة معتدٍ بها، وقد لا يصير حتّى إلى الاحتياط فيما إذا لم يكن احتمال الخصوصية ثابتاً لديه بحد معتدٍ به، وعلى أي حال الاحتياط بالتعميم أمر وجيه.

النقطة الرابعة: الأحوط في وطء البهيمة من دون إنزال تحقّق المفطّرية.

ويمكن أن يقال: إنّه لا دليل على المفطّرية بوطء البهيمة بل بوطء الغلام أيضاً إذا لم يكن ذلك مع الإنزال، وبعد عدم الدليل يكون المرجع أصل البراءة حيث يُشك هل بالفعل المذكور يثبت وجوب القضاء أو لا؟ وبما أن هذا شكّ في أصل التكليف فيُنفى بالبراءة، بل قد يقال: بأنّ الدليل على العدم ثابت وهو التمسّك بإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «لا يضر الصائم ما صنع إذا أجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب ، والنساء، والارتماس في الماء»[3]، فإنّه بالإطلاق يستفاد منه أنّه حتّى لو تحقّق ما ذُكر ـ أي وطء البهيمة أو الغلام ـ فلا يثبت شيء ما دام قد تحقّق الاجتناب عن الثلاثة المشار إليها في الصحيحة.

وقد تُربط المسألة بمسألة اُخرى، وهي إنّ بُني على الجنابة في الحالتين المذكورتين فالمناسب في المقام الحكم بالمفطّرية؛ تمسّكاً بالتعليل المتقدّم في صحيحة القمّاط: «لا شيء عليه، وذلك أنّ جنابته كانت وقت حلال»[4]، وأمّا إذا لم نبن على الجنابة فالمناسب عدم المفطّرية.

هكذا ذكر غير واحد كالمحقّق في (الشرائع)[5] والسيّد الحكيم في (المستمسّك)[6] والسيّد الماتن في (المستند)[7].

هذا وقد عرفت فيما سبق أنّ المفهوم لا يستفاد منه الموجبة الكليّة بل الموجبة الجزئية، ومعه يلزم الاقتصار على القدر المتيقن، وهو وطء المرأة في قبلها وبلحاظ خصوص الرجل.

________________________

[1] الوسائل 10: 40، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 4، ح3.

[2] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 8، ح13.

[3] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 1، ح1.

[4] الوسائل 10: 57، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 13، ح1.

[5] شرائع الإسلام 1: 189.

[6] مستمسك العروة الوثقى 8: 241.

[7] مستند العروة الوثقى 1: 110.