جلسة 35

المفطرات

النقطة الخامسة: لو شكّ الصائم أنّه حصل منه إدخال أو لا، أو جزم بأنّه حصل منه ذلك ولكنه شكّ بأنّه بمقدار الحشفة أو لا ـ بعد فرض قصده للجماع ـ فيترتب عليه في مثل ذلك وجوب القضاء دون الكفارة.

أمّا وجوب القضاء فباعتبار أنّه قاصد للجماع، ومع قصده لذلك لا يكون قاصداً للصوم، فنية الصوم تكون غير متحقّقة في حقه، وكلّ من أفسد صومه بالإخلال بالنية وجب عليه القضاء.

وأمّا بالنسبة إلى عدم وجوب الكفارة فباعتبار أنّ الكفارة تترتب على المزاولة الخارجية للمفطر، والمفروض عدم إحراز ذلك، فيُنفى موضوع الكفارة بالأصل، فيقال: نشكّ في تحقّق الإدخال بمقدار الحشفة فيستصحب عدمه، وبجريان هذا الاستصحاب الموضوعي ينتفي وجوب الكفارة. هذا حاصل توضيح النقطة المذكورة.

ويمكن أن يقال: إنّ ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ بلحاظ نفي الكفّارة أمر وجيه، وأّما ما أفاده بلحاظ وجوب القضاء فقابل للتأمّل، فأنّه قد تقدّم سابقاً البحث عن أنّ نية المفطر هل هي بنفسها من المفطّرات وموجبة للقضاء أو لا؟ وقد حكم ـ قدّس سرّه ـ أنّها كنية القطع باعتبار أنّه من قَصَدَ القاطع ـ يعني المفطّر ـ فقد قصد قهراً القطع، وبذلك تختل نية الصوم المعتبر استمرارها في كلّ آن من الفجر إلى الغروب

ونحن هناك قلنا: إنّ نية القطع وإن كانت مضرّة ولكن نية القاطع ليست مضرّة على سبيل الإطلاق، بل لابدّ من التفصيل بين ما إذا كان قصد القطع تبعياً وقهرياً فلا تكون ـ نية القاطع والمُفطر ـ مفطّرة، وبين ما إذا كانت استقلالية فتثبت المفطّرية.

وبكلمة اُخرى نحن نسلّم أنّ نية القاطع تستلزم نية القطع بعد ما فرض الالتفات إلى كون الشيء مفطّراً، ولكن نقول: هي تستلزم نية القطع تبعاً وليس بنحو استقلالي، والذي يضرّ بالصوم هو قصد القطع استقلالاً، وأمّا القصد التبعي فلا يضرّ، فالمكلّف أحياناً يقصد الصوم بالرغم من قصده ارتكاب المفطّر، كالشخص الذي يقصد السفر أثناء النهار، فإنّه قد يبقى قاصداً للصوم بالرغم من التفاته إلى مسألة عدم جواز الصوم في السفر، ولكنه بالرغم من ذلك يقصد الصوم من بداية الفجر.

نعم لو نُبّه إلى أنّ قصدك للسفر لا يجتمع مع قصدك للصوم فآنذاك قد يتراجع عن قصد الصوم، أمّا مع عدم التنبيه عن ذلك فقد يقصد الصوم، وهكذا بالنسبة لمن قصد الجماع وتراجع عن قصده قبل أن يفعل شيئاً خارجاً فإنّه قيل له: إنّك قد قصدت قطع الصوم ورفع اليد عن الصوم فقد ينكر، ويقول: كلا، إنّي لم أقصد ذلك، وهذا يعني أنّ قصد القطع الثابت ليس قصداً استقلالياً متوجهاً إليه، بل هو قصد تبعي لا يلتفت إليه إلاّ بالتنبيه، والذي يضرّ بقصد الصوم هو قصد القطع استقلالاً دون القصد التبعي، إذ لا دليل على قادحية القصد التبعي للقطع بعد تحقّق القصد إلى الصوم فتجري البراءة عن ذلك.

وعليه لابدّ من التفصيل في المقام ويقال: إنّ من قصد الجماع وشكّ في تحقّق الإدخال بمقدار الحشفة تارةً يكون قاصداً للقطع بشكل تبعي لا استقلالي، ومثل هذا لا يفسد صومه، أي لا يجب فيه القضاء، وبين ما إذا كان قاصداً لذلك بشكّل مستقل فيجب القضاء.

النقطة السادسة: إذا قصد الشخص التفخيذ ونحوه من دون قصد الإدخال، ولكنه تحقّق اتفاقاً من دون قصد، ففي مثله لا يجب القضاء فضلاً عن الكفّارة؛ لأنّه ليس بقاصد لفعل المفطّر وإنّما تحقّق منه من دون قصد، وسيأتي أنّ شرط الإفطار القصد إلى إرتكاب المفطّر.

(الرابع) الكذب على الله تعالى، أو على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو على الأئمّة عليهم السلام، بل الأحوط إلحاق سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بهم، من غير فرق بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي، وإذا قصد الصدق فكان كذباً فلا بأس، وإن قصد الكذب فكان صدقاً كان من قصد المفطّر، وقد تقدّم البطلان به مع العلم بمفطّريته[1] .

تشتمل المسألة المذكورة على عدة نقاط:

النقطة الاُولى: أنّ الكذب على الله سبحانه أو على رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو أحد الأئمّة المعصومين ـ عليهم السلام ـ مفطّر.

وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك، أي: في المفطّرية بعد الاتفاق على الحرمة ، فذهب الشيخ المفيد [2] والشيخ الطوسي [3] والسيّد المرتضى [4] إلى المفطّرية، بينما نسب صاحب (الحدائق) [5] عدم المفطّرية إلى المشهور بين المتأخرين. ومنشأ هذا الخلاف هو الروايات، ونذكر أهم تلك الروايات:

1 ـ روى الشيخ الطوسي بإسناده عن علي بن مهزيار، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن رجل كذّب في رمضان؟ فقال: «قد أفطر وعليه قضاؤه»، فقلت: فما كذبته؟ قال: «يكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم» [6] . وهي من حيث السند موثقة.

ب ـ روى الشيخ الطوسي عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن رجل كذّب في شهر رمضان؟ فقال: «قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه ووضوئه إذا تعمّد» [7]، وهي موثقة أيضاً.

ج ـ روى الشيخ الطوسي أيضاً بسنده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: «الكذبة تنقض الوضوء وتفطّر الصائم» قال: قلت: هلكنا! قال: «ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام» [8]، وهي موثقة أيضاً لأنّ منصور بن يونس واقفي على ما قيل.

وقد رواها أيضاً بنفس المتن الشيخ الكليني[9]، وسنده إليها هكذا: عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير.

هذا ولكنه في مورد آخر [10] ذكرها من دون ذكر جملة «تنقض الوضوء»، حيث أوردها هكذا: عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: «إنّ الكذبة لتفطّر الصائم»، قلت: وأيّنا لا يكون ذلك منه؟! قال: «ليس حيث ذهبت إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة صلوات الله عليه وعليهم».

ورواها الشيخ الصدوق في  (معاني الأخبار) حسب ما نقل في (الوسائل) [11] ذيل الحديث الثاني، وفي (الفقيه)  أيضاً حسب ما نقل في (الوسائل)[12] من دون ذكر نقض الوضوء، أي هكذا: محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: «إنّ الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام يفطّر الصائم».

د ـ روى صاحب (الوسائل) عن أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «من كذّب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمّد» [13] .

وربّما يتخيل أنّ الرواية المذكورة صحيحة السند لصحة الطريق إلى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وهو ثقة جليل، وهكذا أبو بصير هو ثقة جليل، ولكن يمكن أن يقال: هي مرسلة باعتبار أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى لا يروي مباشرةً عن أبي بصير، بل هو يروي بواسطة أو أكثر لبُعد الفاصل الزمني بينهما، ولم نجد مورداً روى فيه مباشرةً عن أبي بصير إلاّ هذا المورد، وبهذا يتولد احتمال معتد به في سقوط واسطة أو أكثر، وحيث إنّها مجهولة فتكون بحكم المرسلة. هذه أهم الروايات في المسألة، وتوجد روايات اُخرى لكنها ضعيفة.

وقد نوقشت هذه الروايات بعدة مناقشات نذكر أهمها، وهي أنّ بعض الروايات المذكورة قد اشتمل على أنّ الكذب ناقض للوضوء وحيث إنّ هذا لا يلتزم به أحد، فلابدّ من توجيهه بإرادة نقض مرتبة الكمال، وإذا سلّمنا بهذا بلحاظ الوضوء فسيسري الإشكال إلى الصوم، فيقال: من المحتمل أنّ المقصود من نقض الكذب للصوم هو نقض مرتبة الكمال بقرينة نقض الوضوء، ومعه لا يمكن التمسّك بالروايات المذكورة لإثبات النقض الحقيقي بمعنى وجوب القضاء.

________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 263، 264.

[2] المقنعة: 54.

[3] المبسوط 1: 270.

[4] الانتصار: 184.

[5] الحدائق الناضرة 13: 141.

[6] الوسائل 10: 33، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 1.

[7] الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 3.

[8] الوسائل 10: 33، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 2.

[9] الكافي 4: 90 ـ 91 / 10.

[10] الكافي 2: 342 / 9.

[11] الوسائل 10: 33، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 2.

[12] الفقيه 2: 83 / 278. الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 4.

[13] الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 2، ح 7.