جلسة 105

مفطرات الصوم

الثاني: أن صحيحة عبد الصمد تدل على أن العالم إذا ارتكب شيئاً وثبت في حقه أثر معين فبالجهل يرتفع ذلك الأثر، وفي مقامنا يوجد أثران: الكفارة والقضاء، وإذا لاحظنا القضاء نجد أن المحرم ـ الذي هو مورد الصحيحة ـ لو لبس القميص متعمداً فلا يجب عليه القضاء في العام المقبل غايته تجب عليه الكفارة، ومعه فلا يمكن أن تكون الصحيحة حينما ذكرت القاعدة العامة «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» ناظرة إلى وجوب القضاء، بل هي مختصة بالكفارة، فهي تريد أن تقول: إن الكفارة لا تجب على الجاهل، لا أن القضاء لا يجب عليه، ومعه لا يمكن التمسك بالصحيحة لنفي وجوب القضاء عن الجاهل.

الثالث: أن صحيحة عبد الصمد تدل على أن المكلف إذا ارتكب فعلاً عن علم وعمد فالأثر المترتب على ذلك الفعل يرتفع في حالة الجهل، فإذا ارتكب المكلف أحد المفطرات فماذا يترتب على فعله لو فرض أنه عالم؟ تترتب الكفارة، فيلزم أن ترتفع الكفارة في حالة الجهل، وأمّا وجوب القضاء فليس أثراً لفعل المفطر، بل هو أثر لعدم الإتيان بالصوم، فإن الصوم عبارة عن الإمساك عن المفطرات، ومن لم يمسك عن المفطرات فقد ترك الصوم، ومن ثمة يجب عليه القضاء، فثبوت القضاء أثر لا للإتيان بالمفطر، بل لترك الصوم المتحقق بفعل المفطر، فوجوب القضاء إذاً ليس أثراً للفعل الوجودي للإتيان بالمفطر، بل هو أثر لعدم الإتيان بالمأمور به، والصحيحة حينما قالت: «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»... ناظرة إلى أثر الفعل الوجودي، حيث قالت: «ركب أمراً» أي فعلاً وجودياً، وعلى هذا الأساس تكون مختصة بنفي الكفارة، لأن ثبوت الكفارة هو المترتب على الفعل الوجودي دون القضاء، لأنه أثر لعدم الإتيان بالمأمور به.

وعلى ضوء هذا يتضح أن من تكلم في صلاته أو أحدث أو أكل جهلاً وما شاكل ذلك من منافيات الصلاة فلا يمكن التمسك بصحيحة عبد الصمد لإثبات عدم وجوب القضاء عليه؛ لأن وجوب القضاء من آثار عدم الإتيان بالصلاة المأمور بها، وليس من آثار فعل المنافي، فالصحيحة ناظرة إلى آثار الفعل الوجودي وتريد نفيها في حالة الجهل، وليست ناظرة إلى آثار ترك المأمور به رأساً.

ثم ذكر ـ قدّس سرّه ـ أنه بهذا يتضح عدم إمكان التمسك بحديث الرفع الذي ورد فيه: «رفع عن اُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما اُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه» [1]، فلو فرض أن الإنسان اضطر في صلاته أو في صومه إلى الأكل فلا يمكن التمسك بحديث الرفع لإثبات عدم وجوب القضاء، وما ذاك إلا لنفس النكتة التي اُشير إليها في صحيحة عبد الصمد، فإنها بنفسها تأتي في حديث الرفع، فيقال: إن حديث الرفع هو في صدد رفع الآثار المترتبة على الفعل الوجودي، وليس ناظراً إلى الآثار المترتبة على ترك الإتيان بالمأمور به رأساً، ووجوب القضاء ليس أثراً للأكل في الصلاة، وإنما هو أثر لترك المأمور به.

نعم، لو كان هناك أثر مترتب على الفعل الوجودي ـ الأكل حين الصلاة ـ أمكن رفعه بحديث الرفع، من قبيل الحرمة التكليفية فإنها ثابتة للأكل، فالأكل محرم تكليفاً للعالم المختار، فيرتفع عند الاضطرار والنسيان والإكراه بحديث الرفع، بخلاف وجوب القضاء فإنه ليس أثراً لنفس الأكل حتى يمكن رفعه بالحديث.

وعلى هذا الأساس لو سألنا سائل وقال: لو اضطر الإنسان إلى الضحك أثناء الصلاة أو اضطر إلى الحديث فلماذا لا تتمسكون بحديث رفع الاضطرار لتصحيح الصلاة وعدم وجوب إعادتها؟

وجوابه: أن حديث الرفع يرفع الآثار المترتبة على فعل الشيء ما دام قد صدر عن اضطرار، والمترتب على فعل الشيء من أكل أو حدث هو الإثم والحرمة فيرتفعان، وأمّا وجوب القضاء فليس أثراً لذلك، بل هو أثر لترك المأمور به. هذا حاصل ما أفاده قدّس سرّه.

إذاً المقتضي لوجوب القضاء في حق القاصد غير الناسي بما في ذلك الجاهل تام والمانع مفقود، أمّا تمامية المقتضي فلإطلاق أدلة المفطرية، وأمّا المانع فليس هو إلاّ الروايتين، وقد اُجيب عنهما بثلاثة أجوبة. هذا ما اُفيد.

وفي مقام التعليق نقول: تارة نتحدث عن تمامية المقتضي وعدمها، واُخرى عن وجود المانع وعدمه.

___________________

[1] الوسائل 15: 369، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب56، ح1.