جلسة 106

مفطرات الصوم

أمّا بالنسبة إلى المقتضي فقد تُبيّن تماميته بأحد الوجوه المذكورة:

الوجه الأوّل: ما أشار إليه المشهور، وهو التمسك بإطلاق أدلة المفطرات، وأضاف السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ التمسك بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[1] بعد وضوح عموميته للعالم والجاهل.

وفيه: أنه لابدّ من التمييز بين مطلبين، بين أن يأتي دليل يقول لا يجوز الأكل ونحوه للصائم، وبين أن يأتي دليل بلسان مَنْ أكل في شهر رمضان أفطر أو وجب عليه القضاء، والنافع في المقام الذي يمكن من خلاله إثبات وجوب القضاء بشكل مطلق هو الثاني؛ لأنه الناظر إلى القضاء، وأمّا الأوّل فأقصى ما يثبت به أن الأكل ليس بجائز للصائم، أمّا أنه يجب القضاء لو فعل فمسكوت عنه، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة، ومعه فلا معنى لتمسك السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ بالآية المباركة، إذ هي أقصى ما تثبت جواز الأكل قبل الفجر وعدمه بعده، أمّا أن من أكل بعد الفجر يجب عليه القضاء فلا يمكن إثباته من خلال الآية المباركة، وبالتالي لا معنى للتمسك بها لإثبات وجوب القضاء.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أدلة المفطرية، فإنها لا تنفع إلاّ إذا صرّحت قائلة: لا يجوز فعل هذا للصائم فإنه مفطر أو يجب عليه القضاء، فإذا عبرت بكلمة (مفطر) أو عبرت بكلمة (يجب القضاء) أمكن التمسك بإطلاقها، أمّا إذا لم تشتمل على ذلك، بل أقصى ما دلت عليه هو أنه لا يجوز للصائم ارتكاب هذا أو ذاك فلا يمكن التمسك بها لإثبات وجوب القضاء. وسيأتي في الوجه الثالث التعرض إلى بعض الروايات.

الوجه الثاني: التمسك بما يمكن تحصيله من كلمات السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ السابقة، وحاصله: أن وجوب القضاء إذا ثبت في حق العالم فيثبت في حق الجاهل أيضاً، وإلاّ يلزم اختصاص حكم وجوب القضاء بخصوص العالم به، وهو باطل لعدة محاذير:

الأوّل: محذور الدور.

الثاني: محذور صيرورة العلم مولِّداً لا كاشفاً.

الثالث: أن لازمه عدم وجوب التعلم على الجاهل، إذ الحكم متى ما اختص بالعالم فلا يجب على الجاهل التعلم، إذ لا حكم في حقه قبل علمه به ليتعلمه، والحال أن وجوب التعلم على الجاهل من الاُمور المسلّمة.

الرابع: أن ذلك خلف قاعدة الاشتراك في الأحكام التي هي من الاُمور الضرورية والمسلّمة.

إذاً نحن لا نحتاج إلى الفحص عن دليل مطلق لنتمسك بإطلاقه، بل يكفينا البيان المذكور.

وفيه: أن ما ذكر يتم لو فرض أن وجوب القضاء كان مختصاً بالعالم بوجوب القضاء، فإنه آنذاك تأتي المحاذير الأربعة المتقدمة، ولكن المدعى ليس كذلك وإنما يُدعى هكذا: من علم أن هذا لا يجوز ارتكابه للصائم تكليفاً فيجب عليه القضاء لو ارتكبه، فموضوع وجوب القضاء ليس هو العلم بوجوب القضاء، بل الموضوع هو العلم بحرمة ارتكاب الشيء، فمن علم أنه لا يجوز الارتماس للصائم وجب عليه القضاء لو ارتمس، وليس الموضوع هكذا: إذا علمت بوجوب القضاء في الارتماس فيجب آنذاك عليك القضاء لو ارتمست، والفرق بين الصيغتين واضح، والمحاذير الأربعة تلزم على الصيغة الثانية دون الاُولى، فمثلاً محذور التوليد لا يلزم على الصيغة الاُولى المقترحة، إذ بالعلم بحرمة الارتماس يتولد حكم آخر وهو وجوب القضاء، فمتعلق العلم شيء، وما يتولد بالعلم شيء آخر، والمحذور يلزم لو اتحد متعلق العلم مع ما يتولد بالعلم. وهكذا الحال بالنسبة إلى محذور الدور والمحاذير الاُخرى فإنها لا تلزم.

الوجه الثالث: التمسك بالروايات كموثقة سماعة قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال: «قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه ووضوءه إذا تعمّد» [2].

ودلالتها واضحة من ناحيتين:

الاُولى: قوله ـ عليه السلام ـ: «قد أفطر وعليه قضاؤه»، فإنه مطلق ولم يقل بشرط علمه بحرمة الكذب على الصائم.

الثانية: قوله ـ عليه السلام ـ: «يقضي صومه وضوءه إذا تعمّد»، فيدل على أن كلّ من تعمد ـ أي كان قاصداً ـ وجب عليه القضاء، ومن الواضح أن الجاهل مصداق للمتعمد، فإنه قاصد إلى ارتكاب الكذب.

ولكن المشكلة في الموثقة أنها اشتملت على ذكر الوضوء ودلت على أنه ينتقض بالكذب، وهذا لا يقول به أحد، فيلزم كون المراد نقض مرتبة الكمال وقضاء الصوم استحباباً.

وبكلمة جامعة يسقط ظهورها عن الحجية بعد اشتمالها على كلمة الوضوء.

نعم، ذكر غير واحد من الأعلام ـ كما أشرنا إليه في مفطرية الكذب ـ أنه لا مانع من التفكيك في الرواية الواحدة، فهي من حيث دلالتها على نقض الوضوء بالكذب تكون ساقطة عن الحجية، وتبقى الفقرة الاُخرى على الحجية بلا مانع.

وهذه فكرة لو تمت فهي مهمة جداً؛ لأننا نواجه في الفقه روايات كثيرة من هذا القبيل، وقد أجبنا هناك أنه لابدّ من الرجوع إلى مستند حجية الظهور وليس هو إلاّ السيرة، فنحن لا نجزم بأن العقلاء في أمثال هذا المورد يفككون ويتمسكون بظهور الفقرات الاُخرى، وحيث إن السيرة دليل لبي فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن منها.

_____________________

[1] البقرة: 187.

[2] الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب2، ح3.