جلسة 111

مفطرات الصوم

وأمّا المشهور فإن المناسب لهم أن يحكموا بعدم وجوب القضاء نظير حكمهم في مسألة الإكراه المتقدمة بعدم وجوب القضاء، فإن المستند هناك لنفي القضاء هو الفقرة الوارد في حديث الرفع، أعني: «رفع ما اكرهوا عليه» [1]، وهنا يلزم أن يُحكم بذلك أيضاً تمسكاً بفقرة «رفع ما اضطروا إليه»، ولعله لهذا ذكر السيد العاملي ـ قدّس سرّه ـ ما نصه: (وفي معنى الإكراه الإفطار في يوم يجب صومه للتقية، أو التناول قبل الغروب لأجل ذلك، ويكفي في الجواز ظن الضرر بالترك) [2].

وحيث إنه في الإفطار للإكراه حكم بعدم وجوب القضاء تمسكاً بفقرة: «وما اُكرهوا...» فيكون مقصوده أن المناسب هنا أيضاً الحكم بعدم وجوب القضاء تمسكاً بحديث الرفع.

وقد ربط العلمان السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ والسيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ مسألة وجوب القضاء بمسألة أُخرى، وهي أن أدلة التقية هل تشمل المقام أو لا؟، فالسيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ [3] ذكر أنها تشمل وتدل على صحة العمل بلا حاجة إلى القضاء كما هو الحال في باب الصلاة، بينما ذكر السيد الخوئي ـ قدّس سرّه [4] أن الأدلة الدالة على مشروعية التقية ورجحانها، وأنها: «ديني ودين آبائي» [5] وإن كانت شاملة لباب الصوم ولا تختص بباب دون آخر، إلاّ أن المهم هو التمسك بما دل على الصحة وعدم الحاجة إلى الإعادة، وهذا الدليل خاص بباب الصلاة ولا يعم باب الصوم، فأدلة التقية إذاً على نحوين:

الأوّل: يدل على الصحة وعدم وجوب القضاء، وهو خاص بباب الصلاة.

الثاني: يدل على المشروعية مع السكوت عن الصحة، وهو عام لكل باب.

والنافع هو الأوّل. هكذا ذكر العلمان.

والأنسب على ما ذكرناه سابقاً في باب الإكراه هو الحكم بعدم الحاجة إلى القضاء في مسألة التقية بلا حاجة إلى روايات التقية، وذلك تمسكاً بالفقرة الواردة في حديث الرفع وهي: «رفع ما اضطروا إليه»، حيث ذكرنا سابقاً أن وجوب القضاء مترتب في بعض الروايات على فعل المفطر، وبذلك يمكن رفعه بالحديث، وإذا أنكرنا ذلك وقلنا: إن الروايات لا تدل على إثبات وجوب القضاء للفعل الوجودي، فهذا المقدار يكفينا أيضاً لنفي وجوب القضاء، إذ ذلك يعني الاعتراف ضمناً بالقصور في المقتضي، وعليه فالمناسب هو الحكم بعدم وجوب القضاء في مسألة الإفطار تقية من دون فرق بين أن تكون التقية في ترك الصوم رأساً، أو في كيفية الأداء، خلافاً للسيد الماتن وجماعة حيث حكموا بوجوب القضاء مطلقاً، وخلافاً للسيد الماتن في رأيه القديم، فإنه ـ قدّس سرّه ـ في حاشيته القديمة على (العروة الوثقى) فصّل وفاقاً لجماعة آخرين بين أن تكون التقية في ترك الصوم رأساً فيجب القضاء، وبين أن تكون في كيفية الأداء فلا يجب القضاء.

وعلى أي حال المناسب هو عدم وجوب القضاء مطلقاً.

ولقائل أن يقول: إنه ورد في بعض الروايات ما يدل على وجوب القضاء في حالة كون التقية قاضية بترك الصوم رأساً، كما ورد ذلك في مرسلة رفاعة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «دخلت على أبي العبّاس بالحيرة، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يُعبد الله» [6]، فإنها تدل على وجوب القضاء في حالة كون التقية قاضية بترك الصوم رأساً.

ويمكن الجواب عن ذلك:

أوّلاً: أن الرواية ضعيفة سنداً بالإرسال فلا يمكن الاستدلال بها.

ثانياً: دلالتها على المدّعى لا يمكن الجزم به باعتبار أنه ـ عليه السلام ـ لم يصرح بوجوب القضاء، بل قال: (إن الإفطار والقضاء أيسر)، ولعل القضاء مستحب من دون وجوب.

وبعبارة اُخرى: الرواية ليست ظاهرة في الوجوب فلعلها ناظرة إلى جنبة الاستحباب، وعليه تكون الرواية مجملة من هذه الناحية.

إذاً يبقى ما أشرنا إليه من مقتضى القاعدة على حاله.

(مسألة 1006: إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجاً، جاز أن يشرب بمقدار الضرورة ويفسد بذلك صومه، ويجب عليه الإمساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأظهر، وأمّا في غيره من الواجب الموسّع أو المعين فلا يجب)[7].

تشتمل المسألة المذكورة على النقاط التالية:

النقطة الاُولى: إذا خاف الصائم على نفسه العطش إلى حد الضرر والحرج جاز له تناول الماء بمقدار الضرورة، والوجه في ذلك التمسك بالفقرة الواردة في حديث الرفع، أي «رفع ما اضطروا إليه»، وأيضاً بحديث نفي الضرر [8]، وقاعدة نفي الحرج [9]، فإن كلّ ذلك يدل على رفع الحرمة، بل يجب الإفطار أحياناً لا أنه يجوز فقط، كما إذا خاف الصائم على نفسه الهلاك، فالدليل على الجواز إذاً هو ما ذكر.

ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما ورد في المجال المذكور بالخصوص، وهو موثّقة عمار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه، قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروى»[10]، فإنه وإن لم يُفرض فيها كون الرجل صائماً، ولكن ينبغي الجزم بكون ذلك هو المقصود، فلا ينبغي التشكيك فيها من هذه الناحية.

يبقى أن الحكم المذكور هل يختص بمن به داء العطاش، أو تعم الموثقة كلّ من أصابه العطش، وإن لم يكن ذلك من أجل الداء الخاص؟

وفي هذا المجال قد يقال بأن الموثقة حسب النقل المذكور في (الوسائل) وفي (الكافي) [11] تختص بمن به داء العطاش، ولكن ورد في (الفقيه)    [12] وفي (التهذيب) [13] التعبير بالعطش بدل العطاش، ومقتضى هذا النقل التعميم.

وقد رجّح السيد الخوئي ـ قدّس سرّه [14] النقل الثاني بقرينة قوله ـ عليه السلام ـ: «ولا يشرب حتى يروى»، فإنّ من هو مصاب بداء العطاش لا يتحقق في حقه الارتواء حتى ينهى عنه في الموثقة، فيتعين أن يكون التعبير الصحيح هو العطش، وبذلك يثبت العموم.

__________________________

[1] الوسائل الشيعة 15: 369، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح1، 369. الوسائل 15: 369، أبواب جهاد النفس، ب56، ح1.

[2] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ج6 كتاب الصوم ص70.

[3] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص350.

[4] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص261.

[5] الوسائل 16: 204، أبواب الأمر والنهي، ب24، ح4.

[6] الوسائل 10: 132، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب57، ح5.

[7] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم، المفطرات ص269.

[8] الكافي 5: 293/ 2، الوسائل 25: 428، كتاب إحياء الموات، ب12، ح3.

[9] المائدة: 6، الوسائل 1: 464، أبواب الوضوء، ب39، ح4، 5.

[10] الوسائل 10: 214، أبواب من يصح منه الصوم، ب16، ح1.

[11] الكافي 4: 118/ 6.

[12] الفقيه 2: 104/ 376.

[13] التهذيب 4: 210/ 702.

[14] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص269.