32/06/05


تحمیل

وفيـه:-

أولا:- انه ذكر أن صحيحة العيص بن القاسم هي صريحة في انه لا يجوز إنزال ما على الرأس أزيد من طرف الأنف الأعلى ، ووجه الصراحة هو أنها واردة مورد التحديد ، وحيث أن بقية الروايات صريحة في جواز الإنزال أكثر فتكون المعارضة مستقرة. هكذا ذكر (قده).

ونحن نقول:- نسلم أن صحيحة العيص واردة مورد التحديد ، ولكن هل هي في مورد التحديد الإلزامي أو الأعم منه ومن غيره ، لا نسلم أنها صريحة بالتحديد الإلزامي ، نعم هي ظاهرة في ذلك ، إذن هي صريحة بالورود مورد التحديد وظاهرة في كونه تحديداً إلزامياً ، إذ يحتمل أن الإمام عليه السلام يريد أن يحدد ما يجوز الإنزال إليه بنحوٍ لا كراهة فيه وذلك يكون إلى طرف الأنف الأعلى فالذي لا كراهة فيه هو إلى ذلك ، أما ما زاد على ذلك فيجوز ولكن بنحو الكراهة ، أن هذا شيء محتمل ولكنه خلاف الظاهر إذ ظاهر السؤال والجواب هو أن ذلك بلحاظ التحديد الإلزامي بقطع النظر عن مسالة الكراهة ، أن هذا لا يمكن أن ندعي صراحة الرواية فيه ، بل أقصى ما ندعيه هو ظهور الرواية ، نعم هي صريحة في أصل التحديد وظاهرة في كونه تحديداً إلزامياً ، فإذا قبلنا بهذا فنقول أن بقية الروايات صريحة في جواز الإنزال أكثر من ذلك - أي أكثر من طرف الأنف الأعلى - حيث قالت ( فلتنزله إلى الذقن ) وهذا صريح في جوازه إلى الذقن ، فنرفع اليد عن ظهور صحيحة العيص في عدم جواز الإنزال أكثر من طرف الأنف الأعلى بهذه الصراحة لقاعدة ( كلما اجتمع ظهور وصراحة أول الظهور لحساب الصريح ) فيحمل التحديد إلى طرف الأنف الأعلى على كونه أحد أفراد ما يجوز ، والفرد الثاني يحمل على مصداق آخر للجواز ، على تفاوت بينهما في الكراهة وعدمها ، فالأول لا حزازة فيه والثاني فيه حزازة قليلة والثالث أكثر ، فالكل إذن جائز للقاعدة التي ذكرناها وهي انه كلما اجتمع ظاهر وصريح أول الظاهر لحساب الصريح .

ويؤيـده:- انه في صحيحة الحلبي بعد أن حدد الإمام عليه السلام أن الحد هو أن تغطي عينيها ، سأل الراوي قائلاً ( تبلغ فمها ؟ قال: نعم ) وهذا معناه أن الكل جائز غايته مع تفاوت في مرتبة الحزازة .

والخلاصة :- أن السيد الخوئي استند إلى قضية وهي أن صحيحة العيص صريحة بالتحديد فلذلك صارت غير قابلة للجمع العرفي ، ونحن سلمنا أنها صريحة بالتحديد لكن من قال هي صريحة بالتحديد الإلزامي ، وإنما هي ظاهرة في ذلك ، وما دامت ظاهرة فيرفع اليد عن الظهور بصراحة بقية الروايات وبذلك تكون النتيجة هي التخيير.

وثانيا:- انه ذكر في القسم الثاني من كلامه أن صحيحة معاوية جوزت إنزال ما على الرأس إلى النحر في حالة الركوب ، ثم قال نحمل حالة الركوب على المرآتية إلى المعرضية ، وما أفاده (قده) وان كان شيئاً وجيهاً في الجملة فان الركوب بما هو ركوب لا يحتمل ثبوت الخصوصية له وهذا شيء وجيه - ولكن درجة المعرضية في حالة الركوب بما أنها أكبر - ولا أقل يحتمل كونها كذلك - فلا يمكن آنذاك التعدي إلى جميع موارد المعرضية ، يعني بما في ذلك حالة عدم الركوب ، بل ينبغي الاقتصار في جواز الإنزال إلى النحر على حالة الركوب ، فانا نسلم أن حالة الركوب لم تؤخذ بنحو الموضوعية ولكن من قال أنها أخذت كمرآة لكل معرضية مهما كانت درجتها ، بل لعلها أخذت كمرآة إلى المعرضية بالدرجة العالية .

والخلاصة :- أن المحرمة لا يجوز أن تستر وجهها بقناع وغيره ، وإذا واجهت أجنبياً الأحوط لها أن لا تستر أيضاً ، وإنما احتطنا ولم نجزم لموثقة سماعة المتقدمة ( أن مر بها رجل استترت منه ) ولكن حيث أن هذا مخالف للمشهور والرواية قد تكون معارضة بما أشرنا إليه لذلك احتطنا بأن لا تستر عند مواجهة الأجنبي ، هذا بالنسبة إلى ستر الوجه.

 وأما بالنسبة إلى إنزال ما على رأسها ، ففي حالة الركوب يجوز إلى النحر لصحيحة معاوية ، وفي غير حالة الركوب يجوز إلى طرف الأنف الأعلى والى الفم بل والى الذقن لقاعدة كلما اجتمع صريح وظاهر أول الظاهر لصالح الصريح.

 ولا يشترط في جواز إنزال ما على الرأس وجود الأجنبي أو معرضية الأجنبي لإطلاق الروايات من هذه الناحية ولا مقيد لها سوى موثقة سماعة وقد أجبنا عنها بجوابين.

وهل يلزم على المحرمة إذا أنزلت ما على رأسها أن تبعده قليلاً - بيدها أو غيرها - عن وجهها ؟

 احتاط السد الماتن (قده) بذلك ، وإذا رجعنا إلى الروايات لم نجد إشارة إلى ذلك ، ولكن بعض الفقهاء كما تقدم قد جمع بين روايات الإسدال وروايات عدم جواز الستر بحمل الإسدال على عدم مماسة الوجه ، انه لأجل ذهاب البعض إلى ذلك احتاط السيد الماتن (قده) بالإبعاد عن الوجه ، وهذا شيء وجيه ، ولكن كان المناسب أن يكون الاحتياط بنحو الاستحباب لا بنحو الوجوب وظاهره انه احتياط وجوبي حيث لم يسبق بالفتوى ولم يلحق بها ، ومجرد ذهاب جماعة من الفقهاء إلى ذلك من دون أن يصل إلى درجة المشهور لا يصلح مبرراً للاحتياط الوجوبي ، بل المناسب للاحتياط الاستحبابي.

مسألة 268 :- كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط .

 ..........................................................................................................

 عرفنا سابقاً أن المحرمة لا يجوز لها أن تستر وجهها .

 ولكن السؤال هنا إذا خالفت وسترت - يعني عمداً وإلا فجهلاً ونسياناً لا كفارة كما هي القاعدة العامة في محضورات الإحرام فما عليها من كفارة ؟

 ذهب الشيخ الطوسي أن عليها دماً ، وهو عبارة عن الشاة ، وقد نقل ذلك الحر العاملي[1] حيث نقل ما نصه ( قال العلامة في المنتهى ، قال الشيخ: يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة فان أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليها وإلا وجب الدم . والوجه عندي سقوط هذا...........) ثم قال الحر العاملي بعد ذلك ( انتهى . والأحوط ما قاله الشيخ ، لكن لا يمكن الحكم بوجوبه ولا بوجوب الكفارة بتركه لعدم النص ) ، إذن صاحب الوسائل يصرح بأنه لا نص على وجوب الشاة .

 نعم قد يتمسك لذلك برواية علي بن جعفر المتقدمة ( لكل شيء اجترحت في إحرامك - خرجت من إحرامك فعليه دم تهريقه حيث شئت ) أنها بعمومها تشمل المقام ، ولكن تقدمت المناقشة لها دلالةً وسنداً لأكثر من مرة ، ومن أجل هذا لا يمكن الحكم بالكفارة بنحو الفتوى ، نعم بنحو الاحتياط الاستحبابي أو الوجوبي شيء وجيه.

[1] في هامش الوسائل 12 - 495