32/06/27


تحمیل

 ويدل على هذا الرأي المشهور صحيحة أبي بصير وهي ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قص ظفراً من أظافيره وهو محرم ، قال: عليه في كل ظفر قيمة مدٍّ من طعام حتى يبلغ عشرة ، فان قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة ، فان قلم أظافير يديه ورجليه جميعاً { وفي هامش الوسائل: قلت فان قلم أظافير يديه ورجليه جميعاً } فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم وان كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان )[1] ودلالته على الرأي المشهور واضحة.

ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أن الشيخ الطوسي (قده) الذي هو مصدر هذه الرواية ذكر العبارة هكذا ( قال عليه في كل ظفر قيمة مدٍّ من طعام ) أي أثبت كلمة ( قيمة) بينما لو رجعنا إلى الشيخ الصدوق (قده) وجدناه ينقل هكذا ( عليه مدٌّ من طعام ) من دون ذكرٍ لكلمة ( قيمة ) ، وهذا ما أشار إليه صاحب الوسائل في ذيل الحديث .

 والفارق من الناحية العملية شيء مهم ، فانه على نقل الشيخ الصدوق يتعين دفع نفس المدّ من الطعام دون القيمة فالقيمة لا تجزئ ، بينما على نقل الشيخ الطوسي القيمة هي المجزية .

 ثم إن الرواية قد نقلها الشيخ الكليني (قده) بمضمون آخر قريب من المضمون المذكور ، حيث نقل هكذا : وعن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن علي بن الحسن بن رباط عن هاشم بن المثنى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ( إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد وان كانتا متفرقتين فعليه دمان )[2] ، ولا تعارض بين هذا النقل وسابقه ، غايته أن هذا النقل لم يتعرض إلى كفارة تقليم الظفر الواحد وأنها مد ، وإنما تعرضت إلى تقليم مجموع أصابع اليدين أو الرجلين . ولم نقصد من نقل هذه الرواية سوى بيان الواقع والاطلاع عليه.

وعلى أي حال توجد ثلاث قضايا نشير إليها في هذا المجال:-

الأولى:- ذكرنا اختلاف نقل الشيخ الطوسي عن الشيخ الصدوق وان الأول قد أثبت كلمة ( قيمة) ، بينما الثاني لم يثبتها ، وعلى هذا الأساس فالمدار على أي النقلين ؟

 والآن نريد أن نتحدث بقطع النظر عن إدخال كبرى ( إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالأصل يقتضي عدم الزيادة ) أي أن الزيادة قد صدرت من أهلها ووقعت في محلها وان الاشتباه وقع في حذفها ، فان البحث عن هذه الكبرى سوف نذكره في نهاية المسالة .

 وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي (قده)[3] أن نقل الصدوق هو المقدم ، وذلك لما هو المعروف من أن الشيخ الصدوق أضبط من الشيخ الطوسي في مقام النقل ، إذ قلَّما يسلم الشيخ الطوسي في نقله من الاشتباه ، وقد أكَّد هذه القضية صاحب الحدائق في مواضع متعددة من حدائقه ، حيث قال في أحد المواضع ما نصه ( لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبَّر أخباره ما وقع للشيخ من التحريف والتصحيف في الأخبار سنداً ومتناً ، وقل ما يخلو حديث من أحاديثه من علَّة في سندٍ أو في متن )[4]

 والسيد الخوئي (قده) كأنه قبل بهذا الكلام ، حيث ذكر ما نصه ( وما ذكره لا يخلو من إغراقٍ ومبالغةٍ ، إلا أن القدر المسلم أن الشيخ أكثر اشتباهاً من الصدوق ).

والخلاصة:- حيث أن الشيخ الصدوق أضبط فيقدم نقله ، وبذلك تكون النتيجة أن المناسب هو عدم ثبوت كلمة ( قيمة ) فان الصدوق لم ينقلها ولم يُثبتها . هذا هو الوجه الأول.

 والوجه الثاني: لو قطعنا النظر عن مسالة الواجب فلا معنى لجعل المدار على القيمة ، فان قيمة مدٍّ من طعامٍ تختلف باختلاف نوع الطعام ، فان الطعام يصدق على الحنطة وعلى الشعير مثلاً ، وأنواع الحنطة مختلفة في القيمة وهكذا الشعير ، وقد قرأنا في علم الأصول إن التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول في حد نفسه ، فلا معنى بأن أقول لك أعطني كتاباً أو كتابين ، فان الواجب دفع الكتاب الأول ، وأما ضم الثاني إليه فهو ليس مصداقاً للواجب بل للمستحب ، إذ بدفع الواحد يتحقق الامتثال وبذلك يسقط الوجوب ، فالتخيير هنا غير معقولٍ . وعليه فلا يكون المدار على القيمة.

 ثم قال (قده):- فالأقل مما تصدق عليه قيمة الطعام يكون مصداقاً للواجب . انتهى ما أفاده (قده).

 وعليه يكون المدار على نفس المدِّ وليس على القيمة للوجهين المذكورين.

وفيه:- أما بالنسبة إلى ما أفاده (قده) في الوجه الأول فذلك مطلبٌ ربما يكون مسلَّماً ، وان كان صاحب الحدائق قد بالغ وأفرط .

 ولكن الذي نقوله:- إن مجرد أضبطية الصدوق من حيث هي لا تصلح أن تكون مرجحاً ، بل لا بد من ضم أحد أمرين ، إن تحققا قُدِّم نقل الشيخ الصدوق وإلا فلا وهما:-

أحدهما:- أن يحصل الاطمئنان بسبب أضبطية الشيخ الصدوق بأن نقله هو الصحيح ، أما إذا لم يحصل ذلك رغم أنه أضبط فكيف يقدم نقله ، فان مجرد الاضبطية من دون أن تورث اطمئناناً لا تكون موجبة للتقديم . ودعوى أن السيرة جارية على تقديم الأضبط عهدتها على مدَّعيها .

 نعم قد نسلم السيرة ، ولكن من باب حصول الاطمئنان في المورد ، أو من جهة ما سوف نذكره في الأمر الثاني ، أما أن ندعي قيام السيرة على تقديم الأضبط بما هو أضبط حتى لو لم يحصل وثوق فهي دعوى مشكلة.

وثانيهما:- أن نفترض أن الشيخ الطوسي كثر عنده الاشتباه إلى حدٍّ سقط نقله عن الاعتبار حتى لو لم يكن له معارض ، ففي مثل هذه الحالة يقدَّم نقل الشيخ الصدوق من باب أن نقل الشيخ الطوسي ساقط في حد نفسه من دون حاجة إلى ضم الاطمئنان بصدق نقل الشيخ الصدوق.

 انه لو افترضنا أحد هذين الأمرين توجَّه تقديم نقل الشيخ الصدوق ، ولكن كلا الأمرين ليس بثابت .

 أما الاطمئنان بحقانية نقل الشيخ الصدوق فعهدتها على مدعيها ، وأما إن نقل الشيخ الطوسي ساقط عن الاعتبار في حد نفسه ، فهذه اوهن من بيت العنكبوت

 إذن مجرد الاضبطية ليست من موجبات التقديم ، إلا إذا افترضنا أحد الأمرين السابقين ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.

وأما ما فاده في الوجه الثاني ، فيرده نقضا وحلاً:-

أما نقضاً:- فقد ذكر (قده) في باب زكاة الفطرة أن المدار على الصاع من الطعام أو قيمته ، وقَبِل جعل الميزان قيمة الصاع ، فلماذا لا يقبل قيمة المد هنا ، وإذا وجِد إشكال في قيمة المد فانه يرد في قيمة الصاع أيضاً ، والحال أنه ولا غيره توقف في ذلك.

 مضافاً إلى أن مسالة التفاوت بالزيادة والنقيصة ربما تكون ثابتةً بالنسبة إلى نفس المد ، فالأمداد مختلفة جودةً ورداءةً أيضاً ، فالمدار يكون آنذاك على ماذا ؟ لأننا إذا أردنا أن نشكل في القيمة فيأتي الإشكال في نفس المبدل.

وأما حلّاً:- يكفي في مثل ذلك الأقل ، باعتبار أنه مصداق لقيمة المد والزائد ليس بواجب ، كما يقال ذلك في باب زكاة الفطرة.

 ونلفت النظر انه لو رجعنا إلى عبارة التقرير ربما يوجد فيها شيء من التشويش ، فانه في البداية يقول: لا معنى لجعل المدار على القيمة فإنها متفاوتة والتخيير بين الأقل والأكثر لا معنى له ، ثم بعد ذلك يقول: فالأقل مما يصدق عليه قيمة الطعام يكون مصداقاً للواجب . وهذا كأنه دفع للإشكال ، فلا معنى لذكر الإشكال ثم ذكر الدفع ، إن هذا تشويشٌ واضحٌ إلا أن تُوجَّه العبارة بشكل آخر.

والخلاصة:- لا محذور في جعل المدار على القيمة ، ولكن رغم هذا كلّه نقبل النتيجة وهي أن المدار على نفس المد وليس على القيمة ، ولكن لا للوجهين اللذين ذكرهما السيد الخوئي (قده) بل لوجهين آخرين سنذكرهما.

[1] الوسائل 13 162 12 بقية كفارات الإحرام ح1

[2] المصدر السابق ح6

[3] المعتمد 4 - 254

[4] الحدائق 3 - 156