32/06/28


تحمیل

والوجهين هما:-

الأول:- إن الشيخ المفيد (قده) في المقنعة قد ذكر أن الواجب مدٌّ من طعام ، والتهذيب كما نعرف هو شرح للمقنعة ، وحينما أراد الشيخ الطوسي الاستدلال لما ذكره الشيخ المفيد ذكر صحيحة أبي بصير ، وهذا يعني أن الثابت فيها هو نفس المد لا قيمته .

 وعبارة المقنعة التي نقلها الشيخ الطوسي في التهذيب هكذا ( ومن قلّم شيئاً من أظفاره فعليه أن يطعم عن كل ظفر مسكيناً مداً من طعام فان قلّم أظفار يديه جميعا فعليه دم شاة )[1] ، ثم أن الشيخ الطوسي قال: ( ويدل عليه صحيحة أبي بصير ) .

 إذن هذا قرينة على إن الثابت في الصحيحة هو كلمة ( مد ) لا (قيمة مد ) وان ذكر القيمة وقع سهواً من قلم الشيخ الطوسي(قده).

والثاني:- رواية الحلبي وهي واردة في كفارة الأظفار أيضاً ، وقد ذكرت ان الواجب مدٌّ من طعام ولم تذكر أنه قيمة المد ، وهذه الصحيحة لا ربط لها بصحيحة أبي بصير بل هي رواية أخرى ونصها ( سأله عن محرم قلّم أظافيره ، قال: عليه مدٌّ في كل إصبع ، فان هو قلّم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة )[2] .

 نعم قد يتأمل في سندها ، باعتبار أنه قد ورد فيه محمد بن سنان ، فان الشيخ الطوسي قد رواها بسنده ( عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي )

ولكن هذا لا يؤثر على ما نريد ، فبالتالي لا يبعد حصول الاطمئنان رغم ضعف السند بكون النقل الصحيح في صحيحة أبي بصير هو كلمة ( مد ) لا ( قيمة مد ) .

وهذه فائدة ظريفة يجدر الالتفات إليها وحاصلها:- أن الرواية ضعيفة السند يمكن الانتفاع بها أحياناً رغم ضعف سندها ، حيث تصلح أن تصير داعمة ومولدة للاطمئنان في صالح أحد النقلين .

 وعلى أي حال إذا لم يكن كل واحد من هذين الوجهين صالحاً بنفسه لتحصيل الاطمئنان بكون النقل الصحيح هو كلمة ( مد ) لا ( قيمة مد ) فلا أقل من كون اجتماعهما صالحاً لذلك . وهذا من موارد أن الضعيف إذا ضُمَّ إلى مثله ينتج شيئاً قوياً ، فان هذه القاعدة ليست ثابتةً على إطلاقها ، أي لا نسلّم أن ضم الضعيف إلى مثله يولد شيئاً قوياً وصحيحاً ، لكن أحياناً حينما يكون المورد مرتبطاً بحساب الاحتمال فيمكن أن يكون الضعيف مُشكِّلاً لقيمةٍ احتماليةٍ لا تبلغ درجة الاطمئنان ، وبضمها إلى الضعيف الثاني الذي يُشَكِّل بدوره قيمة احتمالية ضعيفة أيضاً يمكن أن يتولد من اجتماعهما قيمة معتد بها ، وهذه قضية عقلائية ، فلو فرض أن شخصاً أخبرنا بخبرٍ وكان ذلك الشخص مجهول الحال فلا يحصل لنا الاطمئنان بحقانية خبره ، ولكن لو جاء شخص آخر وكان مجهول الحال أيضاً ولكنه لا ربط له بالشخص الأول كما لو كان من بلد ثانٍ وأخبرنا بنفس المضمون الذي اخبر به الأول ، فيمكن أن ينتج من ضم هذا إلى ذاك قيمة احتمالية معتد بها ، وموردنا من هذا القبيل .

 وأأكد أن ما ذكرته يرتبط بنفسية الفقيه وليس قضيةً تابعةً لضابط علمي.

 وعلى أي حال قد اتضح من خلال كل هذا أن ما ذهب إليه المشهور هو الوجيه.

القضية الثانية:- إن صحيحة أبي بصير التي دلت على ما ذهب إليه المشهور قد تعارض بروايات ثلاث:-

الأولى:- صحيحة معاوية المتقدمة التي دلت على أن الواجب في تقليم الظفر هو قبضة من طعام ، حيث جاء فيها ( فان كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام )

والجواب:- قد تقدم أننا قلنا إن القبضة ثابتة في تقليم الظفر إذا كان مؤذياً ، أما رواية المدّ فهي ناظرة إلى حالة كونه صحيحاً.

إن قلت:- كيف هذا والحال أن صحيحة أبي بصير مطلقة ولم تقيد المد بما إذا كان الظفر ليس بمؤذٍ ، فالمستفاد منها أن المدَّ ثابت مطلقاً ، فتعارض صحيحة معاوية.

قلت:- أن المورد من موارد الإطلاق والتقييد ، فصحيحة معاوية مختصة بحالة الإيذاء ، فتُقَيِّد صحيحة أبي بصير.

الرواية الثانية:- صحيحة زرارة المتقدمة في أبحاث سابقة ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : من نتف إبطه أو قلَّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ، ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة )[3] ، أنها دلت على أن من قلم ظفره إذا لم يكن ناسياً ولا جاهلاً فعليه دم شاة ، بينما صحيحة أبي بصير دلت على أن الواجب في تقليم الظفر الواحد هو المد ، وإنما تجب الشاة فيما لو قلَّم جميع أظفاره العشرة ، فيحصل التنافي بين الروايتين

والجواب هو الجواب:- يعني أن المورد من المطلق والمقيد ، فان صحيحة زرارة قالت ( قلَّم ظفره ) وهو مطلق ويصدق على تقليم الواحد وعلى تقليم العشرة ، بينما صحيحة أبي بصير مقيدة بالعشرة حيث دلت على أن الشاة تجب بتقليم العشرة ، فتحمل صحيحة زرارة على تقليم العشرة ، فان الغالب هو أن الإنسان حينما يقلّم أظفاره يقلّم العشرة

الرواية الثالثة:- صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( المحرم ينسى فيقلم ظفراً من أظافيره ، قال: يتصدق بكف من طعام ، قلت: فاثنين ، قال: كفين ، قلت: فثلاثة ، قال: ثلاث أكُف كل ظفر كف حتى تصير خمسة فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسةً كان أو عشرة أو ما كان ) [4] إن هذه الرواية تخالف صحيحة أبي بصير من جهتين أو من جهات ثلاث:-

الأولى:- إن هذه أثبتت أن في الظفر الواحد كفاً من طعام ، بينما تلك أثبتت مداً.

الثانية:- إن هذه أثبتت في الخمسة وما زاد شاةً ، بينما تلك أثبتت الشاة في خصوص العشرة.

الثالثة:- إن هذه ناظرة إلى حالة النسيان ودلت على أن الناسي تثبت في حقه الكفارة ، والحال ان بعض الروايات الأخرى ولا نقول صحيحة أبي بصير من قبيل صحيحة زرارة المتقدمة حيث قالت ( من نتف إبطه أو قلم ظفره ....... ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيءٌ ) إن مورد هذه هو الناسي ودلت على أنه لا شيء عليه فتعارض صحيحة حريز .

 وأيضاً هي معارضة لإحدى صحاح معاوية بن عمار وهي: عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا تأكل من الصيد وأنت حرام وان أصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد فان عليك فيه الفداءَ بجهلٍ كان أو بعمدٍ )[5] .

 إذن صحيحة حريز تتنافى من جهات ثلاث مع صحيحة أبي بصير وهذه الصحاح الأخرى فما هو الموقف ؟

[1] التهذيب 5 - 331

[2] الوسائل 13 162 12 بقية كفارات الإحرام ح2

[3] الوسائل 13 157 8 بقية كفارات الإحرام ح1

[4] المصدر السابق ح3

[5] الوسائل 13 68 31 كفارات الصيد ح1