36/03/04


تحمیل
الموضـوع:- تتمة أحكام المصدود مسألة ( 445 ) مسألة، ( 446 )، أحكام المحصور – مسألة ( 447 ).
مسألة( 445 ):- من أفسد حجّه ثم صدَّ هل يجري عليه حكم الصد أم لا ؟ وجهان الظاهر هو الأوّل ولكن عليه كفارة الافساد زائداً على الهدي.[1]
..........................................................................................................
تتضمن المسألة المذكورة حكمين:-
الأوّل:- إن من أفسد نسكه - بالجماع مثلاً قبل الوقوف بمزدلفة أو الوصول إليها فسد حجّه ووجبت عليه إعادته في السنة المقبلة مضافاّ إلى الكفارة وهي بدنة للواجد وإلا فبقرة لمتوسط الحال وإلا فشاة، وهكذا من أفسد عمرته المفردة وذلك بالجماع بعد الاحرام وقبل السعي فإنه أيضاً يترتب عيه الكفارة المذكورة مضافاً إلى لزوم إعادة العمرة - ثم صُدّ بعد ذلك لزمه ترتيب حكم الصدّ يعني التحلّل بالهدي.
الثاني:- لا تسقط عنه كفّارة الإفساد بسبب الصدّ المتأخّر.
أما الحكم الأوّل:- فالوجه في ذلك هو أنّ النسك الذي أفسد بسبب الجماع إمّا أن نقول بأنّ الفساد مجازيٌّ وليس حقيقياً والذي يجب عليه حقيقيةً هو الاعادة والقضاء في العام المقبل وإلا فالعمل الأوّل ليس بفاسدٍ نظير ما يمكن أن يقال بالنسبة إلى الصوم في شهر رمضان فإنّ من ارتكب أحد المفطرات يعبّر عنه الفقهاء بأنّه فَسُدَ صومه أو أفطر، إنّ المقصود الحقيقي من الفساد هنا هو أنّه وجب عليه القضاء لا بمعنى أنه فسد حقيقةً بحيث يمكنه الآن أن يأكل ويشرب ويصنع ما يصنع، كلّا بل هو باقٍ على صومه بل غايته أنّه يجب عليه إعادة يومٍ بدل هذا اليوم كفارةً، فهنا أيضاً كذلك بالنسبة إلى الحج أو العمرة فقد يقال إنّ الأمر كذلك يعني أنّه لا يفسد حقيقيّةً بل الفساد مجازيّ بمنى وجوب الاعادة.
إذن إمّا أن نبني على أنّ الفساد مجازيّ، أو أن نبني على أنّ الفساد حقيقيّ ولكن يجب الاستمرار رغم أنّ الفساد حقيقيّ، أو نبني على الفساد الحقيقي من دون حاجة إلى مواصلة وهذا كما لو فرض أنّ الشخص ترك الموقفين في عرفة والمشعر بعد أن أحرم - وكان تركه لهما إمّا عمداً أو بسبب مانعٍ من الموانع - فإنه حينئذٍ يبطل حجّه وقد انحل احرامه بشكلٍ حقيقيّ.
إذن الاحتمالات للفساد ثلاثة وهي:- إمّا أن يكون فساداً مجازياً بعد وجوب القضاء، أو يكون فساداً حقيقياً مع وجوب الاستمرار، أو يكون فساداً حقيقياً مع عدم وجوب الاستمرار.
فإن بنينا على الاحتمال الأوّل فترتب حكم الصدّ يكون واضحاً باعتبار أنّه في البداية هو قد أحرم وبعد الاحرام جامع زوجته فحينئذٍ فسد حجّه ولكن بمعنى وجوب القضاء ولكنّه يكمل أعماله ثم بعد ذلك حينما وصل إلى مكة المكرمة أراد أن يقف في عرفات أو المزدلفة منع من الوقوفين أو على الأقل منع من الوقوف في المزدلفة وهنا يترتب عليه حكم الصدّ يعني أنّه لا يتحلّل إلا بالهدي باعتبار أنّ عمله صحيحٌ فتشمله روايات المصدود فعليه أن يتحلّل بالهدي ولا فرق بينه وبين غيره فالعمل صحيحٌ ولا مشكلة فيه.
وواضحٌ أنّا نحتاج إلى التمسّك بالاطلاق فنقول:- إنّ مقتضى إطلاق أدلة أنّ المصدود يلزمه التحلّل بالهدي لا تختصّ بمن لم يفسد حجّه بل يشمل حتى من وجب عليه القضاء أيضاً، وإذا شكّكنا في الشمول يكفينا الجزم بعدم الخصوصيّة من هذه الناحية.
وأمّا على الاحتمال الثاني - يعني إذا بنينا على أن الفساد حقيقيّ ولكن تجب المواصلة - فيمكن أن يقال:- إنّه مادام تجب المواصلة - كما في صوم شهر رمضان لو أفطر المكلف في أثناء النهار - فيصير حاله حال من لم يفسد حجّه إذ المفروض أنّه تجب المواصلة واطلاق ما دلّ على أنّ المصدود يلزمه التحلّل بالهدي يشمله وإذا شكّكنا في شمول الاطلاق كما على مبنانا فيكفينا حينئذٍ الجزم بعدم الخصوصيّة.
نعم لو فرض أن فقيهاً قال:- أنا لا أرى الاطلاق شاملاً لهذه الحالة كما لا أجزم بعدم الخصوصيّة فنقول هذا حقّ لك، فعلى هذا الأساس لا يجب التحلّل بالهدي وإنما نقول مادام دليل الصدّ لا يشمله فحينئذٍ يحصل له التحلّل بلا حاجة إلى هدي.
ولكن من المناسب أن نقول:- يوجد إطلاقٌ أو أنَّ الجزم بعدم الخصوصيّة شيء وجيه، فإذن على هذين الاحتمالين يكون حكم الصدّ واضحاً . نعم في الحالة الأخيرة - يعني إذا كان الفساد حقيقياً ولا تجب المواصلة - فهنا لا يترتب حكم الصدّ بل هو الآن قد خرج عن الحجّ والاحرام ولا معنى لأن يشمله أنّ المصدود عليه أن يتحلّل بالهدي.
وأمّا بالنسبة إلى الحكم الثاني - وهو أنّ كفارة الإفساد تكون ثابتة في حقّه- :- فالوجه في ذلك واضحٌ لأنّ من أفسد عمله بعد الاحرام وقبل الوقوف في المزدلفة وجب عليه القضاء والكفارة - لأنّه بعد الاحرام في مسجد الشجرة مثلاً جامع زوجته - فهذا يشمله فكفارة الإفساد تكون ثابتة في حقّه لإطلاق ذلك الدليل كما هو واضح والصدُّ الطارئ بعد ذلك هو شيءٌ طارئٌ بعد ذلك ولا يؤثر في رفع كفّارة الإفساد بمقتضى إطلاق وجوب الكفّارة في حقّ من جامع قبل الوقوف في المزدلفة في الحج أو قبل السعي بالنسبة إلى العمرة المفردة . إذن حكم الجماع - وهو الكفارة - يكون باقياً ولا يزول بمقتضى إطلاق الدليل، وهو مطلبٌ واضحٌ، كما يجب عليه الهدي لأجل الصدّ أيضاً وهذا واضحٌ بمقتضى إطلاقه إن لم نشكّك في الاطلاق، وإذا شكّكنا فيه فحينئذٍ نقول بالجزم بعدم الخصوصيّة.
وهناك قضيّتان فنيّتان:-
الأولى:- وهي قضيّة جانبية ليست مهمّة وهي أنّه ورد في المسألة أنه قال:- ( هل يجري عليه حكم الصد أو لا ؟ وجهان الظاهر هو الأوّل )، وأنا أرى أنهّ من المناسب في الرسالة العملّية أن لا يأتي بهذه التعابير، وكذلك كلمة ( الظاهر ) فإنه لابد من حذفها من الرسائل العلميّة مع التحفّظ على هذه التعبيرات في الكتب العلميّة الدرسيّة ولكن ذكر هذا للعوام يكون موجباً للتشويش من دون فائدة.
الثانية:- يلزم حذف هذه المسألة من الأساس، بل نحذف حكم الصدّ بعد الإحرام لأنّه ليس من المسائل الابتلائية الآن، أما الإحصار فنذكره لأنّه من المسائل الابتلائية.
وعلى أيّ حال لو أردت أن تذكر حكم الصدّ فلا تذكر هذه المسألة لأنها ليست من السائل الابتلائية.

مسألة( 446):- من ساق هدياً معه ثم صدّ كفى ذبح ما ساقه ولا يجب عليه هدي آخر.
..........................................................................................................
تتضمن المسألة حكماً واحداً وهو أنّ القارن الذي عقد إحرامه بسياق الهدي وإشعاره أو تقليده ثم صُدَّ بعد ذلك فحينئذٍ يكفيه أن يذبح الحيوان الذي ساقه، والوجه في ذلك هو أنّ هذا الحيوان الذي ساقه لا يجب عليه أن يذبحه إذ المفروض أنّه قد صُدّ - يعني أنه صدَّ بعد أن أحرم - عن أعمال اليوم العشار على الأقل، فهو لم يتمكّن من الوقوف في الموقفين أو على الأقل لا يتمكن من الموقف الثاني فهذا المكلف إذا صُدَّ من ذلك فحينئذٍ لا يتمكّن من أن يأتي بذبح الهدي إذ المفروض أنّ عمله قد فسد بسبب الصدّ - بسبب عدم الاتيان بالموقفين - فهذا الصدّ يمنعه من الذبح في اليوم العاشر - ففي مثل هذه الحالة نفترض أنّ المواصلة بهذا الشكل - فإذا كان لا يجب عليه أن يذبح الهدي في اليوم العاشر فيتمكّن لأجل الصدّ أن يذبحه ولا نقول له يجب عليك أن تذبح هدياً آخر فإنّه لا يحتمل ذلك.
وقد نسب إلى الصدوقين أنهما قالا بأنه يجب ذبح هديٍ آخر.
وقد يخطر إلى الذهن تأييد ما ذهب إليه الصدوقان باعتبار أنّا قرأنا في علم الأصول أنّ الأصل عدم التداخل، فتداخل الهديين في هديٍ واحدٍ يحتاج إلى دليلٍ وحيث إنّه معدومٌ فيلزم بمقتضى القاعدة ذبح هديين.
وجوابه:- إنّ هذا وجيهٌ إذا كان يجب عليه ذبح الهدي، أمّا إذا فرض أنّه مُنِعَ من أصل الموقفين فهذا لا يجب عليه ذبح الهدي آنذاك حتى نقول إنَّ الأصل عدم التداخل، وهذا مطلبٌ واضح.
وكان من المناسب عدم الإشارة إلى هذه المسألة أيضاً لأنها قليلة الابتلاء.

أحكام المحصور:-
مسألة( 447 ):- المحصور هو الممنوع من الحجّ أو العمرة بمرضٍ ونحوه بعد تلبّسه بالإحرام.
..........................................................................................................
قد ذكرنا في بداية حكم الصدّ عندما ذكر(قده) تعريف المصدود وأنّه هو من حُبِس بسبب العدو فهو قد مُنِعَ من المواصلة، وذكرنا هناك أنّ هذا أشبه بالمبتدأ بلا خبر فلا معنى لأن نذكر مسألةً لتعريف المحصور أو المصدود وإنما المناسب كما قلنا هناك هو أن نقول من البداية ( المصدود هو من أحرم ثم مُنِعَ بمانعٍ خارجيّ والمحصور هو من أحرم ثم امتنعت عليه المواصلة بسبب مرضٍ ونحوه، أمّا المصدود فحكمه كذا وأمّا المحصور فحكمه كذا ) فنذكر الحكم في نفس المسألة وبعد ذلك نذكر الأحكام الزائدة في مسائل أخرى، أمّا أن نذكر تعريف المصدود أو المحصور في مسألة فهذا ليس بفنّي، وهذا مطلب واضح.
وهناك شيء آخر:- وهو أنّه قال:- ( هو الممنوع بمرضٍ ونحوه )[2] وما المقصود من كلمة ( نحوه ) ؟ ليس المقصود منه المانع مثل العدو فإنّ هذا مانعٌ خارجيٌّ وهو مصدودٌ، فلابد إذن من أن نفسره بالمانع الداخلي، فيمكن أن يقول إنّ نظير المريض هو من انكسرت رجله مثلاً أو تعبت رجلاه ولا يتمكن من المواصلة ولا توجد وسيلة يتمكن من خلالها المواصلة فهذا لا يصدق عليه عنوان المريض ولكن مع ذلك لا يتمكّن من المواصلة لمانعٍ داخليّ فهذا يكون محصوراً أيضاً.
وقد تسأل وتقول:- إنّ الوارد في الروايات هو أنّ المحصور ما كان بمرضٍ فكيف تعمّم لغير المرض ؟
والجواب:- قد قرأنا في علم الأصول مناسبات الحكم والموضوع المركوزة في أذهان العقلاء فإنها تقتضي التعميم من هذه الناحية، فالمقصود من المرض أو العدوّ حينما قال الامام ذلك هو أنّ المانع تارةً يرتبط بما هو خارجٌ عنه وتارةً يرتبط المانع بنفسه من دون أن يكون ذلك لأجل شيء خارجيّ، هكذا يفهم.
مضافاً إلى أنّ اللغة تساعد على هذا التعميم، فإنّ المحصور هو من كان محبوساً والمصدود هو من كان محبوساً أيضاً ولكن ذاك الحبس بسبب مانعٍ خارجيّ وهذا بسبب مانعٍ داخليّ.
إذن التعميم إمّا بمناسبات الحكم والموضوع أو لأجل اللغة أو لكليهما.