36/05/22


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الوجه الرابع:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)[1] وهو عبارة عن وجهٍ لإثبات الحرمة مع مؤيدين.
وحاصل الوجه:- أنّه قد ورد في بعض الروايات عدم جواز بيع الخشب لمن يريد أن يصنعه صليباً أو صنماً فإذا ثبت ذلك من خلال الروايات فبضمّ الأولويّة العرفيّة نستفيد آنذاك حرمة تداول وبيع الصنم والصليب.
إذن هذا الوجه مركب من مقدّمتين:-
الأولى:- هي حرمة بيع الخشب ليصنع صليباً أو صنماً.
الثانية:- هي ضمّ الأولويّة العرفيّة، فتصير النتيجة هي أنّه يحرم بيع الصنم والصليب.
أما بالنسبة إلى المقدّمة الأولى:- فيمكن التمسّك لذلك بروايتين:-
الرواية الأولى:- صحيحة عمر بن أذينة قال:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتخذه برابط، فقال:- لا باس به، وعن رجلٍ له خشب فباعه ممن يتخذه صلباناً، قال:- لا )[2].
الرواية الثانية:- رواية عمرو بن حريث:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم، قال:- لا )[3].
والاستدلال بهاتين الروايتين يتوقّف على ضمّ مقدّمة وهي أنّ كلمة ( لا ) ظاهرة في عدم الجواز لا في الكراهة ولا في القدر المشترك وإلا فلا يتمّ الاستدلال، وهذا وجيهٌ.
والرواية الأولى صحيحةٌ من حيث السند، ولكن الرواية الثانية فسندها هو كالتالي:- ( وبإسناده - أي الطوسي - عن الحسن بن محبوب عن أبان بن عيسى القمّي عن عمرو بن حريث ) والمشكلة في أبان بن عيسى وإلا فسند الشيخ إلى ابن محبوب جيد والحسن من أعلامنا وأجلائنا وعمرو بن حريث ثقة ولكن أبان بن عيسى القمّي مجهول، ولعله يوجد في بعض المصادر هكذا ( أبان عن عيسى القمّي ) وهنا لعلّ أبان هذا يمكن توثيقه فيكون هو أبان بن عثمان مثلاً، أمّا بالنسبة إلى عيسى القمّي الذي هو من القريب أن يكون هو عيسى بن عبد الله القمّي فتبقى المشكلة باعتبار أنّه وإن ذكره الشيخ والنجاشي ولكن من دون توثيقٍ، فهذه الرواية الثانية ليست معتبرة من حيث السند.
إذن المقدّمة الاولى تامّة.
وأما المقدّمة الثانية فقد يقال:- ليس من البعيد ثبوت أولويّة عرفيّة، فإذا كان الخشب لا يجوز بيعه لشخصٍ أن يصنعه صنماً أو صليباً فهذا يدلّ عرفاً على أنّ بيع الصنم والصليب لا يجوز.
أما المؤيد الأوّل فقال:- هو السيرة القطعيّة المتّصلة على حرمة بيع هياكل العبادة.
وأما المؤيد الثاني:- فهو أنّه يجب اتلاف الصنم والصليب فإنهما مادّة الفساد ولذلك حينما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة كسّر الأصنام وهذا يدلّ على وجوب اتلافها وإذا وجب اتلافها فيلزم من ذلك عدم جواز بيعها وإلا لو جاز بيعها فلماذا يجب اتلافها ؟!! فتوجد منافاة عرفيّة بأنّه إذا جاز البيع فلماذا يجب الاتلاف ؟!!
وفيه:-
أمّا بالنسبة إلى أصل الوجه الذي ذكره - أعني حرمة بيع الخشب ممن يصنعه صنماً أو صليباً يدل عرفاً على حرمة بيع الصنم - فيمكن أن يقال:- إنّ حرمة الإحداث لا تلازم حرمة الإبقاء وإن كان العكس صحيحاً - أعني حرمة الإبقاء تلازم حرمة الإحداث -، يعني بتعبير آخر:- قد يكون إحداث الشيء مبغوضاً ولكنّه بعد أن أحدث وأوجد فإبقاؤه لا يُنهى عنه، فبعدما وجد يمكن أن لا يكون مبغوضاً ولا ملازمة حتى بنحو الملازمة العرفيّة بين أن يكون الإحداث مبغوضاً وبين مبغوضيّة الإبقاء، فالإحداث قد يكون مبغوضاً من دون أن يكون الإبقاء مبغوضاً، وعلى هذا الأساس يكون بيعه بعد إحداثه ليس مبغوضاً ولكن أصل إحداثه وذلك بأن يصنعه النجّار صنماً أو صليباً يكون مبغوضاً . نعم العكس وجيه يعني إذا فرض أنّ الشيء كان مبغوضاً بقاءً فعرفاً يفهم منه أنّ إحداثه يكون مبغوضاً، فالملازمة موجودة بهذا الشكل أي أنّ حرمة الإبقاء ومبغوضيّته تلازم مبغوضيّة الإحداث وأمّا مبغوضيّة الإحداث فلا تلازم مبغوضيّة الإبقاء.
هذا مضافاً إلى أنّ الروايتين دلّتا على الحرمة ولكن هل الحرمة هنا وضعيّة أو تكليفية أو هما معاً ونحن نريد أن نثبت كلتا الحرمين وهاتان الروايتان حينما قالت إحداهما:- ( أبيعه ممن يصنعه صليباً، قال:- لا ) هل يقصد هنا أنّه حرامٌ تكليفاً فإذن كيف نثبت الحرمة الوضعيّة ؟!! أو أنّ المقصود هو أنّ المعاملة باطلة وضعاً فكيف نثبت الحرمة التكليفية ؟!!
إذن هذه الرواية لا يمكن أن تثبت كلتا الحرمتين حتى ولو قلنا بأنّ إرادة المعنيين من كلمةٍ واحدةٍ شيءٌ ممكن ولكن لا أقل هو خلاف الظاهر ويكفينا أنه خلاف الظاهر، فإرادة كلا المعنيين يحتاج إلى قرينةٍ والمفروض أنّها معدومة.
إن قلت:- توجد طريقة يمكن من خلالها إثبات كلتا الحرمتين وهي فكرة التمسّك بالعلم الإجمالي وذلك بأن يقال:- إنّه يحصل لدينا علم إجمالي بأنّ المقصود إمّا الحرمة التكليفيّة أو الحرمة الوضعيّة، وبما أنّ العلم الإجمالي منجّز فتثبت آنذاك كلتا الحرمتين من باب منجزيّة العلم الإجمالي وليس من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين حتى تقول هو خلاف الظاهر، كلّا بل هو مستعملٌ في أحد المعنيين وحيث لا نعرف ذلك الأحد فيصير علمٌ إجماليٌّ فتتنجّز كلتا الحرمتين، وهذه طريقة يمكن أن نستعين بها في كلّ موردٍ من هذا القبيل.
قلت:- إنّ العلم الاجمالي ينجّز التكليف لو فرض أنّه حدث لدينا علمٌ بالتكليف على كلّ تقدير حينئذٍ يكون منجّزاً، وعليه نقول:- إذا كان المقصود هو الحرمة التكليفيّة فهذا يتنجّز أمّا إذا كانت الحرمة وضعيّة ونحن نعرف أنّ الحرمة الوضعيّة عبارة عن عدم النقل والانتقال فحينئذٍ أي حكمٍ يتنجّز ؟!! إنّه لم يحصل لدينا علمٌ إجماليٌّ بحكمٍ إلزاميّ بوجوبٍ أو بتحريمٍ، إنّما الذي يتنجّز بالعلم الإجمالي هو الوجوب والتحريم وهنا لا وجوب ولا تحريم فإنّ عدم النقل والانتقال ليس وجوباً ولا تحريماً.
نعم يمكن أن نتصوّر التكليف في مرحلةٍ هي في طول البطلان فإنّ لازم البطلان هو عدم جواز التصرّف في العوض إلّا بإذن صاحبه لأنّه لم يحصل الانتقال وعدم الجواز يعني حرمة التصرّف من دون إذن صاحب العوض، فعلى هذا الأساس يحصل لدينا علمٌ إجماليٌّ بالتكليف وهو شيءٌ جيّد.
ولكن هذا لا يثبت البطلان، فهذا يذهب إلى مرحلةٍ متأخّرةٍ عن البطلان أمّا البطلان بعنوانه بمعنى عدم النقل والانتقال فهذا لا يثبت، فإذا كان يكفيك هذا المقدار فبها أما إذا أردت أن تثبت البطلان بمعنى عدم النقل والانتقال فهذا لا يثبت من خلال هذا العلم الإجمالي لأنّ عدم النقل والانتقال ليس حكماً تكليفياً كما أوضحنا.
هذا مضافاً إلى أنّ هذا البيان يتمّ على تقدير عدم تماميّة بعض الوجوه التي ذكرناها أو سنذكرها فيما بعد على إثبات الحرمة التكليفيّة، فلو فرضنا أنّ بعض الوجوه أثبت الحرمة التكليفيّة وتمّ فحينئذٍ لا يكون هذا العلم الإجمالي لأنّا سوف نصير عالمين بالحرمة التكليفيّة ولو بسبب بعض الوجوه الأخرى فهذا العلم الإجمالي لا يتكّون حينئذٍ، فتكوّن هذا العلم الإجمالي مشروطٌ بأن يكون هذا الوجه وحده يثبت الحرمة التكليفيّة ولا يوجد وجهٌ آخر، أما إذا كان لدينا وجهٌ آخر لإثباتها فهذا العلم الاجمالي لا يمكن الاستعانة به لإثبات الحرمة الوضعيّة.
وأمّا بالنسبة إلى المؤيد الأوّل:- فينبغي أن نلتفت أوّلاً إلى أنّ في التعبير مسامحة فإنه عبر بالسيرة فقال ( هناك سيرة على الحرمة )، والسيرة لا تكون على الحرمة بل المناسب أن يقال ( هناك ارتكاز للحرمة ) فإنّ السيرة توجد على الفعل فنقول هناك سيرةٌ على ترك بيع وشراء هياكل العبادة.
ولكن الإشكال عليه واضح:- فإنّ السيرة على عدم البيع والشراء لا يلازم الحرمة، فلعلّهم لا يصنعون ذلك من باب المبغوضيّة وهو(قده) يريد أن يثبت الحرمة.
فالتعبير بالسيرة ليس بصحيحٍ، ولو أبدله بالارتكاز وقال هناك ارتكاز على حرمة التعامل بهياكل العبادة فنقول لا ندري هل يوجد مثل هذا الارتكاز على حرمة التعامل أو لا ؟ إنّ هذا ليس بواضح.
نعم هناك ارتكاز على حرمة تقوية الشرك والباطل والعبادة المنحرفة ولكن هذا لا يلازم حرمة البيع أو بطلانه فإنّ التقوية إنّما تحصل بالتسليم والتسلّم والإبقاء أمّا بمجرد البيع فلا ؟!! إذن لا يمكن أن نثبت حرم البيع وبطلانه من باب أنّه تقوية للباطل وإنما التقوية تحصل بأمورٍ أخرى - أعني التسليم والتسلّم -.
هذا مضافاً إلى أنّ التقوية تحصل بالأصنام والأوثان التي يقصد منها العبادة بالفعل، ولكن لو فرضنا أنّه كان عندنا صنم أثري ونحن نحتفظ به من باب الأثر فهل في هذا تقوية للباطل ؟!! بل حتى لو قلنا أنّ هناك ارتكاز على حرمة بيع هياكل العبادة فالارتكاز هو على بيع هياكل العبادة التي تُعبَد بالفعل أمّا التي هي مجرد أثر تاريخيّ فمن قال هناك ارتكاز على حرمة بيعها ؟!! إنّ ذلك ليس بواضح ولا يوجد ارتكاز.