36/07/30


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
المورد الثاني الذي ينبغي استثنائه عن محلّ النزاع:- ولتوضيحه نقول هناك حالتان:-
الأولى:- أن نفترض أنّ تحقق الحرام ينحصر بهذا الشخص كما لو فرض أنّ خاتم الذهب لا يوجد إلا في عند صائغٍ معيّن ولا يوجد غيره في السوق وجاء رجل يشتري خاتماً ذهبياً ليلبسه.
الثانية:- أن يفترض وجود صيّاغ آخرون مستعدّون لبيعه، والذي نريد أن نقوله هو أنّ النزاع ليكن في الحالة الثانية وأمّا الحالة الأولى فأرى من المناسب أن نتّفق على إخراجها عن حريم النزاع، والوجه في كون المناسب الاتفاق على حرمته وإخراجه عن حريم النزاع هو أنّ بيع الخاتم عليه يعني تهيئة أجواء ارتكاب الحرام له ومساعدته على ذلك ودليل وجوب النهي عن المنكر يمكن أن يستفاد منه بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة حرمة تهيئة الأجواء والمساعدة على ارتكاب النكر.
وبالعبارة الواضحة نقول:- حينما يدلّ الدليل على أنّ من ارتكب السرقة لابد من ردعه ومن لبس خاتماً ذهبياً من الرجال فلابد من ردعه - هكذا يقول دليل النهي عن المنكر - فالعرف يفهم منه أنّه أنت أيها المؤمن يلزمك أن لا تساعده على ارتكاب المنكر ولا يفهم منه فقط وفقط أنه لو ارتكب ذلك فيلزم نهيه أمّا مساعدته على ارتكاب المنكر وتهيئة الأجواء على ارتكابه فلا مانع منها !! إنّ العرف يرى تنافياً ويرى أنّه إذا وجب النهي عن المنكر حرم أيضاً تهيئة أجواء ارتكابه، ومن الواضح أنه لو بعت له الخاتم ودفعته إليه فقد ساعدته على ارتكاب الحرام وهيأت له أجواء ارتكاب الحرام، فإذن دليل لزوم النهي عن المنكر يدلّ بالالتزام العرفي على حرمة تهيئة الأجواء والمساعدة على ارتكاب المنكر بل يرى العرف منافاةً بين يجب النهي عن المنكر ولكن تهيئة الأجواء على ارتكاب المنكر لا بأس بها، إنّه توجد منافاة بين هذا وذاك.
إن قلت:- لماذا تفرّق بهذا بين الحالتين فإّنه إذا صحّت هذه الدلالة الالتزاميّة العرفيّة فقل بها وطبّقها في كلتا الحالتين، يعني حتى في الحالة الثانية التي يوجد فيها محلّات أخرى تبيع ذلك الشيء فإنّ صاحب المحلّ الأوّل حينما يقدّم الخاتم فإذن هو قد هيء الأجواء وساعد على ذلك فكما في الحالة الأولى التي ينحصر فيها البيع بهذا المحلّ يكون بيع صاحب هذا المحلّ للخاتم ودفعه إليه تهيئةً للأجواء ففي الحالة الثانية يكون كذلك فلماذا تفرّق ؟
قلت:- إنّه في الحالة الثانية مادام يفترض وجود محلّاٍت أخرى تبيع له فتهيئة الأجواء لا تستند لي لأنّي لم أهيئ له الأجواء بل الأجواء مهيأة له بسبب وجود محلّاتٍ أخرى مستعدّة للبيع عليه وإنما يصدق أنّي هيأت الأجواء وساعدته على ارتكاب المنكر فيما لو فرض أنّ المحلّ انحصر بي بحيث لو لم أبعه الخاتم لما ارتكب هذا الحرام لكن أنا أعطيته الخاتم، فحينما أدفع له الخاتم فقد ساعدته على ارتكاب الحرام وهيأت له الأجواء أمّا في الحالة الثانية التي يجد فيها محلّاٍت أخرى فأنا لم أهيئ له الأجواء بل هي مهيأة في حدّ ذاتها، فالفارق بين الحالتين إذن موجودٌ وثابت.
إن قلت:- هل تريد بهذا الكلام أن تقول إنّ دفع المنكر كرفعه ؟ فإنك إذا أردت أن تقول بهذا المطلب فنحن لا نوافقك عليه فإنَّ دفع المنكر ليس بلازمٍ وإنما اللازم هو رفعه، فلو فرض أنّ شخصاً أراد أن يذهب إلى مكانٍ لارتكاب الحرام فإذا زاول الحرام يلزم الرفع - أي منعه عن الاستمرار - أمّا أنه يلزم الدفع بمعنى أني أحاول أن أحرف السيارة التي يستقلها عن مسيرها أو أعطّلها أو غير ذلك فهو ليس بلازم، فرفع المنكر لازم أمّا لزوم دفعه فهو أوّل الكلام.
قلت:- أنا لا أريد أن أدّعي أنّ الدفع لازم، فإنّه وإن كان حسناً ولكنّ وجوبه لم يثبت، ولكن الذي أريد أن أقوله هو أنه لا يجوز أن أقول له تعال وأركب في سيارتي لأوصلك إلى المقصد ولا توجد سيارة أخرى سوى سيارتي، إنّه يوجد فرقٌ بين المطلبين بين أن يكون هو قد ركب سيارةً واتجه نحو المقصد وأنا امنعه فهذا دفعٌ ولا نلتزم بوجوب وسكوتي لا يُعَدّ تهيئةَ أجواءٍ ولا مساعدة، وهذا بخلاف ما إذا أردت أن أقول له اركب في سيارتي فهذا تهيئة لأجواء ارتكاب المعصية له، والذي نريد أن نقوله إنَّ هذا لا يجوز حيث انحصر الوصول إلى المقصد بركوب سيارتي، فأنا لو هيأت له سيارتي يصدق هنا أنّي ساعدته على الحرام وهيأت له أجواء الحرام فدليل النهي عن المنكر يمكن أن يدلّ بالالتزام العرفي على حرمة مثل هذا الفعل، بخلاف الدفع فإنّ الدفع الذي لا نقول بحرمته هو أن تكون عنده سيارة وهو في طريقه إلى الذهاب فأنا لا يلزم أن أحرف مسيرها، فالدفع ليس بلازمٍ وهذا لا يصدق عليه تهيئة الأجواء والمساعدة بخلاف ما إذا قدّمت له سيارتي، والمفروض أنّ صاحب المحلّ الذي يبيع الخاتم الذهبي منحصر به ولا يوجد محلٌّ آخر فإذا دفعت له الخاتم فقد ساعدته على ارتكاب الحرام وهيأت له أجواءه وهذا ليس هو الدفع المتعارف الذي يقال بأنّه ليس بلازمٍ.
إن قلت:- أليس هذا الكلام الذي ذكرته - وهو أنّ دليل النهي عن المنكر يدلّ بالالتزام العرفي على حرمة تهيئة الأجواء والمساعدة على ارتكاب الحرام - هو نفس المطلب الذي أفاده السيد الخوئي(قده) والذي أشرنا إليه في بعض المباحث الأصوليّة أو الفقهيّة والذي رفضناه منه ولم نقبله فكيف صرت الآن بصدد قبوله ؟! وما هو ذلك الكلام ؟ إنّه ذكر أنّ التسبيب إلى الحرام حرامٌ بالملازمة العرفيّة، فدليل لا تشرب النجس يفهم منه عرفاً أنه لا تشرب أنت النجس ولا تسبّب إلى شرب غيرك له، ومتى يصدق التسبيب ؟ إنّه يصدق إذا كان الشخص جاهلاً بكون هذا السائل نجساً وأنا قدّمته له، إنّ هذا تسبيبٌ إلى فعل الحرام والسيد الخوئي(قده) يقول هذا حرامٌ ودليل ( يحرم شرب النجس ) يستفاد منه بالدلالة التزاميّة العرفيّة أنه لا تشرب أنت النجس ولا تسبّب لغيرك شرب النجس، هذا مطلبٌ ذكره في أكثر من مورد[1] [2] [3].
إنّ هذا مطلب ذكره(قده) ورفضناه منه سابقاً وقلنا:- نحن لا نفهم هذا المطلب . نعم إذا فرض أنّ الشيء المنهي كان مبغوضاً مطلقاً - أي فهمنا من الخارج أنّ هذا مبغوضٌ للشارع بغضاً شديداً وبشتّى الاشكال - من قبيل قتل النفس البريئة أو الزنا أو ما شاكل ذلك فهنا يمكن أن يقال أنّه يفهم عرفاً من دليل حرمة الشيء حرمة التسبيب إليه، ولكن هذا في الحقيقة هو بسبب علمنا بسعة وشدّة مبغوضيّته، أمّا في مثل شرب النجس من الجاهل فلا نعلم بمبغوضيّته فاستفادة التسبيب هو أوّل الكلام، هكذا قلنا سابقاً .
وهذا الكلام الذي نحن قلناه الآن أوليس هو نفس كلام السيد الخوئي(قده) ؟ فكيف ترفضه سابقاً والآن تصير إليه ؟
قلت:- إنّه أراد أن يستفيد ذلك في حقّ الجاهل وليس في حقّ العالم فقال إنَّ الجاهل بالنجاسة لو قدّمت له النجس فسوف يصدق التسبيب وهو لا يجوز، أمّا إذا فرض أنّه كان عالماً فلا يصدق التسبيب فهو يشرب باختياره، وأراد(قده) أن يستفيد لتسبيب في حقّ الجاهل من دليل حرمة لنجس لا من دليل النهي عن النكر.
بينما نحن في كلامنا هذا نريد أن ننظر إلى العالم دون الجاهل، ولا نتمسّك بفكرة التسبيب لأنّ هذا العالم هو يفعل هذا الشيء باختياره وأنا لم أسبّب بخلاف الجاهل، فنحن لا نتمسّك بفكرة التسبيب التي هي مختصّة بالجاهل وإنما نتمسّك بأنّ دليل النهي عن المنكر يفهم منه عرفاً أنّه لا تساعد على ارتكاب المنكر، ومتى تصدق المساعدة ؟ إنها تصدق إذا فرض أنّ هذا الشيء الحرام انحصر بي كما لو أنَّ خاتم الذهب موجودٌ في محلّي فقط فإذا بعته له ودفعته إليه فقد ساعدته على ارتكاب المنكر وليس مسألة تسبيب - إذ قلنا أنّ التسبيب هو في حقّ الجاهل - وإنما هي مسألة المساعدة على الحرام واستفدنا الحرمة من دليل النهي عن المنكر لا من دليل حرمة نفس الشيء، بينما السيد الخوئي(قده) أراد أن يستفيده من دليل حرمة الشيء لا من دليل حرمة النهي عن المنكر.
النقطة الثانية:- مستندات قاعدة حرمة الاعانة.
نذكر ثلاثة مستندات لهذه القاعدة:-
المستند الأوّل:- ما ذكره السيد الخميني(قده)[4] حيث ذكر أنّ العقل يستقلُّ بقبح الإعانة على الحرام.