36/08/12


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وعلى أيّ حال قد يقال في مقام تقريب استفادة حرمة الإيجاد والصنع منها أحد الوجوه الأربعة التالية:-
الوجه الأوّل:- أن نقول إنَّ حمل هذه الرواية على خصوص أحد الأفراد - أعني مثل الصنع بخصوصه أو الاقتناء بخصوصه أو المواجهة في الصلاة بالخصوص، وهكذا إن تقدير أحد هذه الأمور بخصوصه - أمرٌ يحتاج إلى قرينة وهي معدومة ولا دليل على ذلك، ولكن لم لا نقول إنّها محمولة على الجميع أو المجموع فالمقدّر هو الجميع دون واحدٍ منها بخصوصه ومعه فلا نحتاج إلى قرينةٍ لأنّ الحمل على واحدٍ بخصوصه يحتاج إلى قرينةٍ أما الحمل على الجميع فلا محذور فيه، وحيث إنّ أحد أفراد المجموع - أو الجميع - هو الصنع والإيجاد فيثبت بذلك المطلوب، فيثبت أنّ الصنع أو الإيجاد محرّم لأنّه من أفراد المجموع، هذا ما قد يخطر إلى الذهن.
وفيه:- إنّ تقدير المجموع يحتاج إلى دليلٍ أيضاً كتقدير أحد الأفراد بخصوصه، ولكن تقدير المجموع قد يتساهل في دليله وذلك بأن نقول إنّ نفس الإطلاق يقتضي إرادة المجموع، أو نتمسّك بفكرة عدم تفصيل الإمام . إذن بالتالي نحن نحتاج إلى بيانٍ ودليلٍ ولكن الدليل لا يخلو من أحد هذين.
وكلاهما قابل للمناقشة:-
أمّا الاطلاق:- فلأنّه فرع وجود مفهومٍ يكون له إطلاقٌ وشموليّة لجميع هذه الأفراد والمفروض أنّه لا يوجد في الرواية مثل ذلك لأنّ الموجود فيها هو:- ( سألته عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ) ،إنّه لو كان يقول مثلاً ( سألته عمّا يرتبط .. ) أي عن الذي يرتبط فيكون ( الذي ) عنوانٌ صالحٌ لشمول هذه الأفراد، فلو كان هناك مفهومٌ له سعةٌ وصالحٌ لأن يشمل هذا المجموع فبها ولكن لا يوجد مثل هذا، وعلى هذا الأساس كيف تتمسّك بالإطلاق فالإطلاق لا مجال له ؟!
وأمّا بالنسبة إلى البيان الثاني - وهو التمسّك بعدم الاستفصال فنقول صحيحٌ أنّه لا يوجد مفهومٌ وسيعٌ شاملٌ لجميع هذه الأفراد ولكن بالتالي الإمام لم يستفصل فنتمسّك بعدم الاستفصال، يعني لم يقل له هل تقصد الصنع أو تقصد الاقتناء أو تقصد المواجهة في الصلاة أو غير ذلك فعدم استفصاله نستفيد منه التعميم، وهذا أوجه من دعوى الاطلاق - ولكن نقول:- هذا يتمّ لو فرض أنّه لا يوجد شيءٌ معهودٌ بين الامام وبين السائل، أمّا إذا فرضنا أنّه كان يوجد معهودٌ في مقام السؤال فلا تصل النوبة إلى عدم الاستفصال، ونحن نقول:- من المناسيب وجود شيءٍ معهودٍ وإلا فمثل هذا السؤال هو سؤالٌ مستهجن عرفاً - بأن يأتي شخص ويسأل عن شيء مجملٍ مبهمٍ وغير معيّنٍ من قبيل أن يأتي شخص ويسأل ويقول أسألك عن الحائض، وأسألك عن السماء، وأسألك عن الأرض - فإذا لم يكن هناك شيئاً معهوداً فلا معنى لهذا السؤال . إذن لابدّ من وجود شيءٍ معهودٍ والإمام لعلّه اعتمد على ذلك الشيء المعهود فلذلك أجابه بما ذكر من جواب.
إذن فكرة ترك الاستفصال لا يمكن التمسّك بها أيضاً، وهذا شيءٌ ظريفٌ ينبغي الالتفات إليه.
التقريب الثاني:- أن يدّعى أنّ المراد إمّا الجامع، أو فردٌ من هذه الأفراد غير الصنع، أو أنّ المراد هو الصنع فالاحتمالات ثلاثة.
والاوّل باطلٌ إذ لا جامع يمكن السؤال عنه، فلا يحتمل إرادة هذا . وأمّا السؤال عن أحدٍ معيّن غير الصنع فذاك لا مثبت له . فيتعيّن إرادة الصنع باعتبار أنّه مّما يحتمل أن يكون حراماً أو حلالاً، فتقول السؤال هو عن ذلك فالشيء الصالح لأنّ يتّصف بالحلّية والحرمة وأن يقع مورداً للسؤال هو الصنع فنقول السؤال هو عن الصنع وبذلك يثبت المطلوب.
وفيه:- إنّ الذي يصلح السؤال عنه لا يتعيّن أن يكون هو الصنع، فالتزويق - يعني وضع التماثيل في البيوت - شيءٌ يصلح السؤال عنه كما ورد في بعض الروايات، أو المواجهة أثناء الصلاة هو شيءٌ يصلح السؤال عنه وأنّه حلالٌ أو حرام، فالذي يصلح السؤال عن حلّيته وحرمته ويحتمل أن يتوجّه إليه ذهن السائل كما هو الصنع يمكن أن يكون غير ذلك، فالذي يحتمل حرمته لا ينحصر بالصنع حتى يتمّ هذا الكلام.
التقريب الثالث:- أن يقال إنّ المقدّر إمّا الصنع أو الاقتناء، فإن كان المقدّر هو الصنع فهذا هو مطلوبنا، وإن كان المقدّر هو الاقتناء بحيث يكون الاقتناء هو المحرّم ولكن الصنع جائز فهو احتمالٌ ضعيف في حدّ نفسه، والوجه في ضعفه هو أنّه إذا كان الصنع جائزاً لكن الاقتناء محرّماً يلزم محذور اللغويّة إذ يخاطب آنذاك الشخص ويقال له ( لا بأس وأن تصنع هذا التمثال ولكن بمجرد أن يتمّ صنعه يكون اقتناؤه وبقاؤه محرّمٌ فلابد من إتلافه بسرعة )، إنّ هذا لغوٌ، فإذا كان هذا باطلاً ويلزم منه محذور اللغويّة فيتعيّن أن يكون السؤال عن الصنع ويثبت بذلك حرمة صنع تماثيل الحيوان.
وفيه:- إنّ هذا وجيهٌ لو دار أمر المقدّر بين هذين، والحال أنّه توجد احتمالات أخرى بأن يكون المقدّر هو تزويق البيت به أو وجوده أثناء الصلاة أو ما شاكل ذلك . إذن ما ذكر يتمّ لو دار الأمر بين الاقتناء وبين الصنع، أمّا إذا أدخلنا فرداً ثالثاً كوجوده أثناء الصلاة والمواجهة اثناءها بأن يكون السؤال سؤالاً عن المواجهة أثناء الصلاة ووجوده اثنائها فلا يأتي كلّ هذا الكلام.
الوجه الرابع:- أن نتمسّك بفكرة العلم الإجمالي، يعني نقول إنّ المقدر بالتالي هو وأحد من هذه الأمور وحيث لا نشخّص ذلك الواحد فالجميع يحرم، وأحد تلك الأفراد هو الصنع وبذلك يثبت حرمة الصنع، ويكون المورد نظير ما لو كان عندنا إناء واحدٌ بين مجوعة أواني نعلم بحرمته فما دمنا نعلم بأنّ أحدها حرام فالكلّ يصير حراماً من باب منجزيّة العلم الاجمالي والمقدّمة العلمية لترك الحرام، وهنا ايضاً كذلك فالصنع بعنوانه الأوّلي لا يحرم ولكن سوف يحرم من باب العلم الاجمالي، والنتيجة واحدة فهذا لا يؤثر شيئاً فنحن نريد أن نثبت حرمة الصنع.
وفيه:- إنّ هذا وجيهٌ إذ فرض أنّ جميع الأفراد كانت حرمتها أمراً مقبولاً وليس مرفوضاً - يعني على تقدير إرادة الاقتناء يمكن الالتزام بحرمته وعلى تقدير إرادة الصنع يمكن الالتزام بحرمته وعلى تقدير إرادة المواجهة في الصلاة يمكن الالتزام بحرمته -، فإذا كانت كلّ الأفراد من هذا القبيل فحينئذٍ يكون هذا العلم الاجمالي منجزاً ويمكن التمسّك بهذا التقريب، أمّا إذا فرض أنّ أحد هذه الأفراد لا يمكن الالتزام بحرمته فهذا العلم الاجمالي لا يكون منجّزاً إذ سوف يدور بين أفرادٍ يمكن أن تكون حراماً وفردٍ لا يمكن أن يتنجّز ولا يكون حراماً، ومقامنا يمكن أن يقال هو من هذا القبيل لأنّ أحد الأفراد هو المواجهة أثناء الصلاة وقد دلّت بعض الروايات على أنّ المواجهة في الصلاة لا محذور فيها من قبيل صحيحةٍ أخرى لمحمد بن مسلم حيث سأل الامام عليه السلام وقال:- ( سألت أحدهما عليهما السلام عن التماثيل في البيت، فقال:- لا بأس إذا كانت عن يمينك أو عن شمالك أو تحت رجليك وإن كانت في القبلة فالق عليها ثوباً ) . إذن هذه الرواية دلّت على أنّ وجودها أثناء الصلاة شيء جائز، فلعل هذا المقدّر - الذي هو واحدٌ من اطراف العلم الاجمالي - هو هذا، وهذا لا يمكن أن يتنجّز بالعلم الاجمالي لأنّه دلّ الدليل على جوازه وعدم حرمته، فعلى هذا الأساس لا يكون هذا العلم الاجمالي منجّزاً.
إن قلت:- فلنحذف هذا من الحساب وتبقى الأطراف منحصرةً بما عداه، والباقي ما عدى هذا يمكن أن يثبت التنجيز والحرمة في حقّ كلّ واحدٍ منها.
قلت:- المفروض أنّ هذا طرفٌ أو ليس بطرف ؟ المفروض أنّه طرفٌ، فإنّ الرواية حينما قالت:- ( سألته عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال لا بأس ما لم يكن من الحيوان ) فالوجود أثناء الصلاة هو أحد الأفراد المحتملة، فهو طرفٌ وكلّ طرفٍ إذا حذف من أطراف العلم الاجمالي فالباقي لا يوجد فيه علمٌ إجمالي إذ لعلّ المحرّم هو هذا الذي عزلناه، وهنا أيضاً كذلك فإنّ المفروض أنّ الرواية أحد أطرافها هو المواجهة في أثناء الصلاة، فعلى هذا الأساس لا يمكن حذف هذا من الحساب بل لابد من ابقائه، وحينئذٍ إذا ابقيناه لا يكون العلم الاجمالي منجّزاً.
إن قلت:- إنّه لابد من حذفه من الحساب لأنّ المفروض أنّه ثبت من الخارج أنّه جائزٌ إذ لو لم يحذف من الحساب صار محرّماً والمفروض أنّه جائزٌ جزماً للرواية الأخرى الدالة على ذلك، فهو محذوف من الحساب حتماً.
قلت:- أيّ مانعٍ من أن يفترض وجود روايةٍ أخرى تدلّ على الجواز وهذه الرواية تدلّ على الحرمة فيصير عندنا دليلان أحدهما ظاهرٌ في الحرمة والآخر نصّ في الجواز فإنّ هذا شيء لا مانع منه ؟!!
إذن هذه الرواية ذات أطراف متعدّدة وأحد أطرافها هو الوجود أثناء الصلاة، وحيث أنّ الوجود أثناء الصلاة نعلم بجوازه من روايةٍ أخرى فإذن هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً.
والنتيجة النهائية من كلّ هذا:- إنّ التمسّك بهذه الرواية لإثبات حرمة التصوير والتماثيل شيءٌ مشكل.