36/11/23


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 11.

الرواية الثانية: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : أيما رجل كان له مال حال عليه الحول فانه يزكيه ، قلت له : فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم ؟ قال : ليس عليه شيء أبدا . قال : وقال زرارة عنه أنه قال : إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه ، وقال : إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر ، إنما لا يمنع الحال عليه ، فأما ما لا يحل فله منعه . . الحديث)[1]

 

والاستدلال بها بأعتبار أن الامام عليه السلام يقول (إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه) وقوله عليه السلام (إنما هذا) اشارة إلى ما ذكر في صدر الرواية (أيما رجل كان له مال حال عليه الحول فانه يزكيه) أي ثم يهبه فأنه يزكيه وعبارة (ثم يهبه) أو ما في معناها غير موجود في الرواية, وقال بعضهم كالمحقق الكاشاني أن عبارة (ثم يهبه) محذوفة من صدر الجملة ويحتمل انها سقت من ا لنساخ) أي أن الرواية بهذا الفرض تكون بهذا الشكل (أيما رجل كان له مال حال عليه الحول (ثم يهبه) فانه يزكيه) ويحتمل أنها لم تسقط وإنما لم تُذكر لدلالة ذيل الرواية عليها, فالهبة كأنها مفروضة في ما سبق ولهذا سأل السائل مرة اخرى بفرض أن الهبة التي تحققت بعد الحول في الفرض الاول, قد تحققت قبل الحول في الفرض الثاني, فقال (فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم ؟)

ومن هنا يظهر أن قوله عليه السلام بعد ذلك (إنما هذا) اشارة إلى الفرض الاول(الرجل الذي حال على ماله الحول ثم وهبه والذي تجب عليه الزكاة) فالإمام يقول(إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه) فهذا السفر _الذي يقع بعد الافطار_ لا يوجب سقوط الكفارة كما أن الهبة في الفرض الاول_ التي تحصل بعد ما حال الحول_ لا توجب سقوط الزكاة.

نعم الهبة قبل أن يحول الحول تسقط الزكاة كما أن الافطار بعد السفر يوجب سقوط الكفارة.

فالاستدلال بالرواية يكون على هذا الاساس.

بل مقتضى التنزيل والتشبيه أن يكون عدم سقوط الكفارة في محل كلامنا اوضح عند السائل من مسألة الزكاة لأنه مثل للزكاة بمسألة الكفارة.

ويلاحظ على الرواية

أن الذي ورد فيها (إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ، ثم يخرج في آخر النهار في سفر) واخر النهار يعني بعد الزوال, وقد تقدم أن السفر بعد الزوال خارج عن محل الكلام ولا اشكال في أنه لا يوجب سقوط الكفارة, ولا يمكن الاستدلال به على عدم سقوط الكفارة في محل الكلام (السفر قبل الزوال).

وقد احتمل بعضهم غفلة الراوي بسبب النقل في المعنى ونقل (في آخر النهار) مع انها غير موجودة في الرواية, وان الكلام عن السفر قبل الزوال, ولكن هذا يبقى مجرد احتمال.

والذي يمكن أن يقال هو أن الرواية وان ذكرت السفر آخر النهار لكن ليس المراد بها خصوص ذلك, بل يستفاد منها مطلق السفر, ويستفاد ذلك_ الغاء خصوصية آخر النهار_ من امور:

كأن الرواية تريد أن تقول أن التكليف بالزكاة والكفارة بعد تحققهما وتحقق شرائطهما وارتفاع موانعهما لا يزول بعروض المانع أو ارتفاع الشرط بعد ذلك, فالزكاة التي وجبت على المكلف بعد أن حال الحول ووجد النصاب وكل الشرائط, لا يوجب سقوطها ارتفاع الشرط أو عروض المانع بعد ذلك, وفي محل الكلام بعد أن وجبت الكفارة بالإفطار العمدي فعروض المانع (السفر من فرق بينما اذا كان قبل السفر أو بعده) بعد ذلك لا يوجب سقوط الكفارة, وهذا الدعوى يمكن تجميع قرائن عليها من داخل الرواية وهي كالاتي:

القرينة الاولى: أن المفروض في الرواية السفر لغرض الفرار من الكفارة بعد أن افطر, وهذا الشيء إنما يتحقق في المورد الذي يمكن أن يكون السفر فيه محققاً للفرار من الكفارة, وهذا ينطبق على السفر قبل الزوال لأن السفر بعد الزوال لا يوجد توهم بأن يحصل فيه فرار من الكفارة اذ لا اشكال في وجوب اتمام الصوم فيه ولا يجوز فيه الافطار ولا شكال في وجوب الكفارة على من افطر فيه.

إذن لابد أن تكون الرواية ناظرة إلى السفر قبل الزوال أو لا اقل من القول بأنها ناظرة للأعم.

القرنية الثانية: أن الرواية تعرضت لفرضين في الزكاة ( الهبة قبل الحول والهبة بعده) وشبهت الهبة بعد الحول بالسفر بعد الافطار في عدم سقوط الزكاة والكفارة, وشبهت الهبة قبل الحول بالإفطار بعد السفر في سقوط الزكاة والكفارة.

والمدّعى هو أن السفر في الموردين يراد به معنىً واحد, وحيث أن السفر في احد التشبهين(الثاني) هو السفر قبل الزوال فيكون السفر في محل الكلام (التشبيه الاول) يكون قبل الزوال ايضاً.

هذا غاية ما يمكن أن يقال لدفع هذا الاشكال_ عدم امكان الاستدلال بالرواية في محل الكلام(السفر قبل الزوال) لأن الرواية ذكرت السفر بعد الزوال وهو خارج عن محل الكلام_ ويمكن أن يقال على اقل التقادير بأن الرواية عامة.

وأما اذا ناقشنا في هذه القرائن وقلنا بأن الرواية تتحدث عن السفر في آخر النهار فأنه لا يمكن الاستدلال بها في محل الكلام, وقد بنى على ذلك جملة من المحققين منهم السيد الحكيم (قد) في المستمسك حيث اسقطها عن امكانية الاستدلال بها.

هناك دليل آخر ذكر في كلمات صاحب المستند وغيره وحاصله:

اننا في المقام بإمكاننا أن نتمسك بالروايات الدالة على ترتب الكفارة على بعض الافعال بعنوانها كالجماع والبقاء على الجنابة, فيدّعى التمسك بأطلاقها ومقتضى اطلاقها هو أن كل من جامع في شهر رمضان تجب عليه الكفارة حتى وان لم يجب عليه الصوم, لكن لا يمكن الاخذ بهذا الاطلاق فيخرج منه من لم يجب عليه الصوم واقعاً ولا ظاهراً, فيبقى الباقي مشمولاً لهذا الاطلاق, والباقي هو من يجب عليه الصوم ظاهراً أو واقعاً, و المفروض في محل الكلام أن المكلف يجب عليه الصوم ظاهراً, وحينئذ يمكن التمسك بأطلاق هذه الادلة لأثبات وجوب الكفارة عليه.

ويمكن جعل هذا الدليل دليلاً ثالثاً بالإضافة إلى مقتضى القاعدة والروايات المتقدمة, ولكننا لا نقبله لما تقدم منا حيث اننا نرى بأن الكفارة التي تترتب على الجماع لا بعنوانه الخاص وإنما بما هو مفطر, ومن الواضح أن كون الجماع مفطراً _في محل الكلام_ هو اول الكلام وهو محل النزاع, لأن من يقول بالكشف يقول بأن الجماع في محل الكلام ليس مفطراً, لأنه افطر في صوم ليس مشروعاً, لأن عروض المانع كشف عن أن هذا الصوم ليس بواجب, فلا افطار تترتب عليه الكفارة في المقام, فهو يناقش في صدق الافطار في المقام وهو اول الكلام, ولذا لم يستدل صاحب المستند بالروايات التي تقول (من افطر فعليه كفارة) وإنما استدل بروايات من جامع, لكننا قلنا بأن هذه الافعال توجب الكفارة بأعتبار كونها مفطرة.

مضافاً إلى أن هذا الاستدلال لو تم فإنما يتم في مثل الجماع والاستمناء مما ورد في الدليل ترتب الكفارة عليه بعنوانه, ولا يتم في مثل الارتماس أو الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه واله لعدم وجود دليل يقول بأن من ارتمس يجب عليه عتق رقبة مثلاً لكي نتمسك بأطلاقه وإنما لابد من ادخاله في باب المفطرات.