37/01/19


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 19.

أما الرواية السادسة: رواية علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فان لم يجد فليستغفر الله.)[1]

اشرنا إلى المشكلة السندية في هذه الرواية وفي الروايات التي ينقلها صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر مباشرة, وعلى فرض تمامية السند أو بناءً على رأي من يرى ذلك فحينئذ تكون منافية للروايات السابقة لأنها تجعل الاستغفار في عرض البدائل الاخرى (الصوم ثمانية عشر يوماً والتصدق بما يطيق) ومقتضى الجمع العرفي بينهما هو التخيير على تقدير وحدة الموضوع.

وذهب السيد الخوئي (قد) إلى الجمع بينهما وضم الاستغفار إلى التصدق بما يطيق, وذهب المشهور إلى جعل الاستغفار في طول التصدق بما يطيق وهو صحيح بناءً على صحيحة ابي بصير المتقدمة لكن استفادة ذلك من رواية علي بن جعفر من الصعوبة بمكان لأنه يحتاج إلى تقييد الرواية بالعجز عن التصدق بما يطيق وكأن الرواية تقول بعد ذكر الخصال الثلاث فأن لم يجد فليستغفر ولكن بقيد العجز عن بدل الخصال الثلاث (أي العجز عن التصدق بما يطيق), وهذا التقييد من الصعب الالتزام به في هذه الرواية خصوصاً أن هذه الرواية تعرضت للترتيب_ بين الخصال الثلاث_ وان لم يكن واجباً, فمن البعيد جداً أن تهمل الرواية ترتيباً واجباً _ بناءً على رأي المشهور_ وتعرضها إلى ترتيب الخصال الثلاث وهو مستحب.

والنتيجة في المقام هي أن الأمر يدور بين التخيير عند الاعتماد على رواية علي بن جعفر أو صحيحة ابي بصير مع فرض انها تجعل الاستغفار في عرض التصدق بما يطيق, وبين الالتزام بفتوى المشهور بناءً على أن رواية علي بن جعفر غير تامة سنداً وصحيحة ابي بصير تدل على وجوب الاستغفار في طول بدل الخصال (أي في طول التصدق بما يطيق) فتثبت فتوى المشهور.

والثاني هو الاقرب, لما عرفت من أن رواية علي بن جعفر غير تامة سنداً وصحيحة ابي بصير يمكن أن يستفاد منها أن الكفارة التي اخذ العجز عنها موضوعاً في وجوب الاستغفار هي الكفارة الاعم التي تشمل كل كفارة يعتبرها الشارع من صوم أو صدقة أو غير ذلك, وهو كما يشمل الخصال الثلاث يشمل التصدق بما يطيق, فيكون الاستغفار في طول التصدق بما يطيق.

قال الماتن

(ولو عجز أتى بالممكن منهما)[2]

ضمير التثنية في (منهما) يعود إلى وجوب الصيام ثمانية عشر يوماً والتصدق بما يطيق, وقد وقع خلاف في تفسير هذه العبارة وذكرت احتمالات في ذلك.

فالظاهر _الاحتمال الاول_ لها هو ( اذا عجز عن الصيام ثمانية عشر يوماً اتي بالممكن منه ثلاثة ايام أو اربعة أو غير ذلك واذا عجز عن التصدق بما يطيق اتى بالممكن منه) ولكن هذا لا يمكن تطبيقه على التصدق بما يطيق كما ذكر ذلك في المستمسك, فالتصدق بما يطيق يعني التصدق بما يمكن فكيف تفسر العبارة بأنه اذا عجز عن التصدق بما يمكن يجب عليه التصدق بما يمكن, ومن هنا طرحت احتمالات اخرى في تفسير العبارة فالسيد الحكيم (قد) _الاحتمال الثاني _ذكر في المستمسك (اللهم إلا أن يكون المراد من الصدقة بما يطيق : الصدقة على ستين مسكينا بما يطيق وإن لم يكن مدا ، وحينئذ فالبدل في حال العجز عنه هو ما يمكنه لكنه - مع أنه غير ظاهر من العبارة - غير ظاهر من الدليل)[3]

والاحتمال الثالث عكس الاحتمال المتقدم وهو التصدق بمد وان لم يكن على ستين مسكيناً بل على ما يمكن منهم, فأن عجز اتي بالممكن منه (أي من المقدار).

وذكر السيد الخوئي (قد)_الاحتمال الرابع_ (في العبارة مسامحة ظاهرة ، إذ لا معنى للإتيان بالممكن من الصدقة لدى العجز عن التصدق بما يطيق، ويريد بذلك_ والله العالم - أنه لدى العجز أتى بالممكن منهما ، أي من مجموع الأمرين من الصوم ثمانية عشر يوما ، ومن التصدق بما يطيق ، والممكن من هذا المجموع هو الصوم دون هذا العدد بمقدار ما يتيسر ولو يوما واحدا . فقوله ( قده ) منهما ، أي من المجموع لا من الجميع وكل واحد من الأمرين ليتوجه الاشكال المزبور . نعم العبارة قاصرة عن إفادة ذلك ، ولأجله قلنا أن فيها مسامحة)[4]

ويمكن أن يقال _الاحتمال الخامس_ بأن السيد الماتن بعد أن خير بين الصيام ثمانية عشر يوماً وبين التصدق بما يطيق صار كل واحد منهما فرد من افراد التخيير فهما عدلان للتخيير, والسيد الماتن يريد القول بأن من عجز عن احدهما يجب عليه الاتيان بالآخر وهو ما تقتضيه القاعدة في باب التخيير.

وبعض هذه التفسيرات لا تخلو من مخالفة للظهور خصوصاً الاخير لأن الظاهر من العبارة العجز عن كلا الطرفين لا العجز عن طرف واحد كما يذكره التفسير الاخير.

أما التفسير الذي ذكره السيد الخوئي فهو ايضاً خلاف الظاهر فالعبارة ظاهرة في العجز عن كل منهما فليس المراد العجز عن المجموع كما ذكر (قد) وإنما الظاهر العجز عن كل منهما.

والامر يدور بين الاحتمالين الثاني ( ما ذكره السيد الحكيم (قد) ) والثالث ولعل الثالث هو الاقرب بأعتبار أن المذكور في المبدل هو اطعام ستين مسكيناً ولم يذكر المقدار فيه وان كان الصحيح هو وجوب اطعام مد لكل فقير, وحينئذ يقول اذا عجز عن اطعام ستين مسكيناً يتصدق بما يطيق ولا يبعد أن يكون لهذا ظهور في العدد أي يتصدق بما يطيق من العدد لأنه هو المذكور في البدل, أي يجب عليه التصدق على ستين مسكيناً فأن لم يتمكن فمما يطيقه ولا يبعد أن هذا له ظهور في أنه المراد ما يطيقه من الستين من العدد فعبارة الماتن تأتي وتقول فأن عجز عن هذا ايضاً يتجه الامكان إلى المقدار أي يتصدق على ما يمكنه من العدد بما يمكنه من المقدار.

وبعض هذه الوجوه _ في تفسير عبارة الماتن_ اذا تمت لا تحتاج إلى دليل اذا كان هو المقصود من قبيل أن هذا احد فردي التخيير واذا عجز عنه يجب عليه الاتيان بالفرد الاخر .

والبعض الاخر لا دليل على وجوب الاتيان بما يتمكن منه الا قاعدة الميسور, فهو يجب عليه التصدق بما يطيق فأن عجز عنه يأتي بالمقدار الممكن ودليل ذلك هو قاعدة الميسور, وحينئذ اذا استشكلنا فيها كما تقدم في البحث الاصولي وقلنا بأنها لا تشمل الواجبات الارتباطية كالصلاة وامثالها وإنما تشمل الوجبات الاستقلالية كالدين فمن كان عليه دين مائة دينار وتمكن من ايفاء خمسين ديناراً وعجز عن ايفاء جميع المائة, فأنه يجب عليه ايفاء ما تمكن منه وعجزه عن الخمسين الاخرى لا يسقط التكليف عما تمكن منه لجريان قاعدة الميسور في المقام, وكذلك من عجز عن الحج فأنه لا يسقط عنه وجوب الصوم لأنها وجوبات استقلالية, أما الواجبات الارتباطية كالصلاة وما نحن فيه من وجوب صيام ثمانية عشر يوماً فأنه واجب ارتباطي واذا عجز عن بعضه يحتاج وجوب الباقي إلى دليل ولا تجري قاعدة الميسور, وبناءً على هذا الكلام لا يمكن الاستدلال بقاعدة الميسور على فتوى السيد الماتن من وجوب الاتيان بالممكن منهما, وأما اذا قلنا بجريان قاعدة الميسور وقلنا بعدم اختصاصها بالكلي وإنما تشمل المركب بالأجزاء وتدل على وجوب الاتيان بالباقي عند العجز عن الاتيان بالتام فحينئذ يمكن الاستدلال بها في محل الكلام, ولعل السيد الماتن يبني على تمامية هذه القاعدة.

قال الماتن

(وإن لم يقدر على شيء منهما استغفر الله ولو مرة بدلا عن الكفارة وإن تمكن بعد ذلك منها أتى بها)

بالنسبة للانتقال للاستغفار عند العجز عنهما هو الصحيح ولكننا نكتفي بالانتقال إلى الاستغفار بالعجز عن التصدق بما يطيق لأنه هو الواجب عليه فأن عجز عنه ينتقل إلى الاستغفار حتى وان تمكن من الصيام ثمانية عشر يوماً ويكون الاستغفار كفارة له, وعلى الرأي الاخر الذي يرى بأنه يجب عليه الصيام ثمانية عشر يوماً أو التصدق بما يطيق فالانتقال إلى الاستغفار يتوقف على العجز عن كل منهما كما هو رأي السيد الماتن, وقد اشار السيد الماتن إلى أن الاستغفار بدلاً عن الكفارة بقوله (بدلا عن الكفارة), وفيه اشارة إلى هذا البحث وهو أن الاستغفار في المقام هل يراد به ما يجب من باب التوبة عن الذنب الذي ارتكبه أو إنه كفارة في حد نفسه, فظاهر صحيحة ابي بصير المتقدمة (فالاستغفار له كفارة) أنه كفارة وحاله حال التصدق بما يطيق, وصاحب الجواهر يستشكل في ذلك ويقول (إن لم ينعقد إجماع كما عساه يظهر من المدارك حيث قال : هذا الانتقال مع العجز عن الصوم إلى الاستغفار مقطوع به في كلام الأصحاب بل ظاهرهم أنه موضع وفاق فإن تم وإلا أمكن إرادة سقوط الكفارة من الخبرين ما دام عاجزا والاجتزاء بالتوبة لا على أنها بدل عن الكفارة)[5] .

وتظهر ثمرة هذا الخلاف _ إن الاستغفار من باب الكفارة أو التوبة_ في الفرع الذي ذكره السيد الماتن في ذيل كلامه (وإن تمكن بعد ذلك منها أتى بها) فمع افتراض أن الاستغفار كفارة لا داعي للإتيان بها اذا تمكن من التصدق بما يطيق مثلاً بعد الاستغفار, فيكون حاله كمن تمكن من الخصال الثلاث بعد التصدق بما يطيق فأنه لا تجب عليه احدى الخصال الثلاث, وهذا بخلاف ما اذا قلنا بأن الاستغفار ليس من باب الكفارة وإنما هو من باب التوبة فيكون مجال لقول الماتن (وإن تمكن بعد ذلك منها أتى بها) لأنه لم يأتي بالكفارة فإذا تمكن منها بعد ذلك وجب عليه الاتيان بها.