37/03/29


تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.
الكلام في المورد الرابع من موارد وجوب القضاء دون الكفارة في (من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثم ظهر سبق طلوعه....) والكلام في المقام يقع اولاً في تحديد مقتضى القاعدة في المقام وثانياً بلحاظ النصوص الخاصة:-
اولاً: في تحديد مقتضى القاعدة وهل تقتضي الاجزاء وعدم وجوب القضاء أو تقتضي عدم الاجزاء ووجوب القضاء.
وتأسيس القاعدة ضروري في كل مسألة لكي نرجع اليها عند عدم الدليل أو عند وجود الدليل لكنه لا يشمل بعض الحالات, فعندما يكون الدليل على خلاف القاعدة يقتصر فيه على القدر المتيقن, وحينئذ يرجع في ما لا يشمله الدليل إلى مقتضى القاعدة.
وقد يقال أن مقتضى القاعدة في المقام (عند تناول المفطر ثم تبين أن ذلك بعد طلوع الفجر بأعتبار عدم المراعاة) هو وجوب القضاء, وذلك لأن القضاء تابع لصدق الفوت (فوت الواجب على المكلف) والمفروض في المقام أن فريضة الصوم فاتت على المكلف, لأن فريضة الصوم هي عبارة عن الامساك عن المفطرات المخصوصة في الوقت الممتد من الفجر إلى الغروب, والمفروض أن هذا فات المكلف لأنه تناول المفطر في جزء من هذا الوقت, وحينئذ يكون حسب القاعدة أنه لم يأتي بالواجب فلا يكون ما جاء به مجزياً, نعم يكون معذوراً في اكله هذا بأعتبار أنه استند إلى مجوز عند تناوله المفطر ولو كان المجوز هو استصحاب بقاء الليل أو أنه قطع ببقاء الليل, لكن كونه معذوراً في الاكل لا يعني عدم وجوب القضاء.
وفي المقابل قد يقال بأن مقتضى القاعدة هو عدم وجوب القضاء ويكتفي بما حصل منه من الصوم وان اكل بجزء من النهار وذلك تمسكاً بالأصل حيث اننا نشك في أنه هل يجب على المكلف القضاء أو لا؟؟ فيجاب بأن الاصل عدم القضاء, كما عن المشهور حيث تمسك بالأصل لنفي القضاء عن العاجز _ غير القادر على المراعاة كالأعمى والمحبوس كما سيأتي _ والذي يظهر من ذلك أنه لولا النصوص الخاصة الواردة في محل الكلام (حالة القدرة) لكان مقتضى القاعدة في محل الكلام هو الاصل أي عدم وجوب القضاء, وكأن المشهور يريد أن يقول إنما تمسكنا بوجوب القضاء في حالة القدرة بأعتبار هذه النصوص ولكون هذا النصوص لا تشمل العاجز نرجع فيه إلى الاصل.
لكن المشكلة أن التمسك بالأصل في محل الكلام لنفي القضاء _بقطع النظر عن الروايات الخاصة _ يبدو أنه لا وجه له ولا يمكن المصير إليه وذلك بأعتبار ما تقدم في تقريب مقتضى القاعدة على الرأي الاخر من أن القضاء تابع للفوت والفوت متحقق في المقام, فهذا التقريب مرجعه إلى التمسك بدليل اجتهادي واذا صح هذا وكان هناك دليل اجتهادي يدل على وجوب القضاء كيف نرجع للأصل لنفي وجوب القضاء؟؟!! فمع الدليل الاجتهادي كيف تصل النوبة إلى الاصل؟؟!!
والدليل الاجتهادي المدّعى هو دليل المفطرية أي الدليل الذي يقول بأن الاكل مبطل للصوم.
والذي يمكن أن يقال هو أن المشهور لعله لا يرى تمامية ما ذكرنا ولعله ملتفت إلى دليل مفطرية الاكل وان متقضى ذلك أنه افطر وبطل صومه وما جاء به ناقص ولا يجزي فيجب عليه القضاء, لكن يمكن أن يكون نظر المشهور إلى التشكيك في شمول دليل المفطرية لمثل المقام, فعندنا في محل الكلام جاهل بالموضوع أي جاهل بأن اكله واقع في النهار, وعالم بالحكم ويعلم بأن الاكل بعد الفجر غير جائز, ولعل المشهور يشكك في شمول دليل المفطرية للجاهل بالموضوع, وبناءً على هذا التشكيك أو الجزم بأنه لا يشمل الجاهل بالموضوع يكون مقتضى هذا الدليل عدم شموله محل الكلام, لأن مفاد الدليل يكون حينئذ حيث لا تكون جاهلاً بالموضوع يكون الاكل مفطراً أما اذا كنت جاهلاً بالموضوع واكلت فأن الاكل لا يكون مفطراً, وبناءً على هذا الكلام لا يتم التقريب الذي ذُكر لكون القاعدة هي وجوب القضاء لأن هذا التقريب يبتني على افتراض أن ما حصل للمكلف هو تفويت للواجب وان المكلف لم يأتي بالفرد الواجب فهو مبني على شمول دليل المفطرية لحالة الجهل بالموضوع.
واذا لم يتم دليل اجتهادي على مفطرية الاكل في مثل هذه الحالة يمكن الرجوع إلى الاصل, ولعل المشهور التزم بالرجوع إلى الاصل في محل الكلام من هذه الجهة.
لكن هذا الكلام لا يمكن قبوله لما تقدم سابقاً من أن عدم شمول دليل المفطرية للجاهل على تقدير تسليمه _مع أنه غير مسلم لأن دليل المفطرية يشمل العالم والجاهل, القاصر و المقصر, الجاهل بالحكم و الجاهل بالموضوع_ يختص بالجاهل بالحكم(للروايات الخاصة التي يظهر منها أن الجاهل بالحكم اذا ارتكب المفطر لا يبطل صومه) وأما الجاهل بالموضوع فقد فرغنا من شمول الدليل له, وعلى هذا يمكن أن نقول بأن دليل المفطرية كما يشمل العالم بالموضوع يشمل الجاهل به ومحل كلامنا (الجاهل بالموضوع) هو مشمول لدليل المفطرية فيفوته الواجب والقضاء تابع للفوت فيصح التقريب الاول لمقتضى القاعدة, والظاهر أن هذا هو الصحيح في محل الكلام ومن هنا نستطيع أن نقول أن متقضى القاعدة هو وجوب القضاء في محل الكلام, نعم قد يقال بإمكان اثبات الاجزاء وعدم وجوب القضاء في محل الكلام وذلك فيما اذا فرغنا أن المكلف استند في جواز الاكل إلى استصحاب بقاء الليل وكنا نقول تبعاً لصاحب الكفاية بأن الاستصحاب له خصوصية وهي أن الاستصحاب يقتضي التوسعة في ادلة الشرطية فأستصحاب الطهارة يقتضي أن تكون ادلة شرطية الطهارة مثلاً في الصلاة هي الاعم وتتوسع على نوع من التصويب الواقعي أي أن الدليل والامارة تغير الواقع بمعنى أن الشرط في صحة الصلاة كان عبارة عن الطهارة الواقعية اصبح ببركة استصحاب الطهارة الاعمَ من الطهارة الواقعية والطهارة المستصحبة فالشرط الواقع يتغير ويتوسع فمن يصلي بطهارة مستصحبة يكون قد جاء بشرط واقعي فلا يتصور فيه التخلف أو القضاء أو الاعادة حتى لو تبين بعد ذلك أن ما استصحبه ليس له واقع لأنه جاء بطهارة مستصحبة والشرط الواقعي للصلاة هو الاعم من الطهارة الواقعية والطهارة المستصحبة, اذا امنا بهذه الفكرة وامكنا تطبيقها في محل الكلام يقال بالاجزاء في المقام, لأنه يقال بأن هذا استصحب بقاء الليل واكل استناداً لهذا الاستصحاب فكأن صومه يكون واجداً لما هو الشرط الواقعي فيه ببركة الاستصحاب لأنه يفيد التوسعة للشروط الواقعية إلى ما هو اعم من الشرط الواقعي والشرط الذي يثبت بالاستصحاب فكأن صومه واجداً للشرط الواقعي واذا كان كذلك فلا معنى لوجوب القضاء.
لكن هذا غير تام كما يُذكر في محله ومنه يظهر أن مقتضى القاعدة في المقام هو وجوب القضاء, وبناءً على هذا نقول بالالتزام بوجوب القضاء في محل الكلام حتى لو لم تكن هناك نصوص خاصة, كما أنه يمكن الالتزام بمقتضى القاعدة واثبات وجوب القضاء في الموارد التي لا تشملها النصوص الخاصة.
الكلام بلحاظ النصوص
فهناك ثلاثة نصوص كلها معتبرة سنداً وهي عبارة عن:-
الرواية الاولى: صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين ؟ قال : يتم صومه ذلك ثم ليقضه . . . الحديث)[1]
دلالة الرواية على وجوب القضاء واضحة وموضوعها هو (رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين) فهي مطلقة من حيث المراعاة وعدمها, لكن يمكن تقييدها بالرواية الثانية.
الرواية الثانية: موثقة سماعة بن مهران (قال : سألته عن رجلأكل أو شرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان ؟ قال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقضي يوما آخر، لآنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة)[2]
وهذه الرواية تفصّل بين النظر قبل الاكل وبين النظر بعد الاكل أي بين المراعاة وبين عدم المراعاة فإذا اكل ولم يراع يجب عليه القضاء الذي هو محل كلامنا واذا اكل بعد المراعاة لا يجب عليه القضاء, ثم أن الرواية تعلل وجوب القضاء في الحالة الاولى فتقول (لآنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة) أي كل من اكل قبل المراعاة اذا تبين أنه اكل بعد الفجر يجب عليه القضاء, وكل من اكل بعد الفجر اذا تبين ذلك بعد النظر والمراعاة لا يجب عليه القضاء وصومه صحيح, وهذه الرواية المفصلة تصلح لتقييد صحيحة الحلبي المطلقة, فمقتضى اطلاق صحيحة الحلبي وجوب القضاء مطلقاً أي سواء راعى أو لم يراعِ, وهذه الرواية تقول اذا راعى لا يجب عليه القضاء فتكون هذه الرواية اخص مطلقاً من صحيحة الحلبي فتخصصها, فنحمل صحيحة الحلبي على عدم المراعاة.
الرواية الثالثة : صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : آمر الجارية ( أن تنظر طلع الفجر أم لا) فتقول : لم يطلع بعد، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال : اقضه، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء)[3]
والاستدلال بالرواية في محل الكلام هو أنه اذا كان المراعاة بهذا الشكل (مراعاة بواسطة الجارية) ومع ذلك يجب عليه القضاء اذا تبين أنه اكل بعد طلوع الفجر فهذا يُثبت وجوب القضاء في صورة عدم المراعاة بالمرة من باب اولى.
هذه هي عمدة الروايات التي يمكن الاستدلال بها في محل الكلام.
الكلام _في الجزئيات_ يقع في عدة امور:-
بعد الفراغ من دلالة هذه الروايات على وجوب القضاء مع عدم المراعاة لكن القدر المتقن منها في صورة القدرة على المراعاة, لأن نفس التفصيل الموجود في موثقة سماعة والذي نحمل الاخبار عليه يدل على افتراض التمكن من المراعاة, والا فلا معنى لهذا التفصيل في حالة العجز عن المراعاة.
الأمر الاول: صورة عدم المراعاة مع العجز عنها كما في الاعمى والمحبوس.