37/04/07


تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.
الرواية الثالثة: رواية علي بن أبي حمزة (عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل شرب بعدما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان ؟ قال : يصوم يومه ذلك ويقضي يوما آخر، وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي)[1]
ويمكن تصحيحها سنداً بأعتبار امكان الاعتماد على علي بن ابي حمزة كما تقدم مراراً, وكذلك تحدثنا عن القاسم بن محمد وانه الجوهري وقد نص الشيخ الطوسي على إنه واقفي, وهذا يورد احتمال روايته عن علي بن ابي حمزة بعد انحرافه, وقد عالجنا هذه القضية سابقاً والظاهر أنه لم يكن هذا مانعاً من العمل بالرواية.
والرواية تدل بأطلاقها على وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان اذا تبين الخلاف حتى مع المراعاة خلافاً لصوم شهر رمضان.
فالرواية في صدرها تدل على وجوب القضاء في صوم شهر رمضان وذيلها يدل على وجوب القضاء في غير شهر رمضان ايضاً, فالقضاء في كل منهما غاية الأمر أن شهر رمضان فيه امساك تأدبي ولا يوجد ذلك في غير شهر رمضان, وحينئذ يقال في مقام الاستدلال اننا نتمسك بأطلاق الذيل حيث يقول (فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي) ومقتضى هذا الاطلاق يجب القضاء في صوم غير شهر رمضان سواء راعى أو لم يراعِ.
ويرد عليها التقريب الاول الذي اورد على صحيحة الحلبي بنفس البيان حيث أن صدر هذه الرواية يتكلم عن شهر رمضان ويحكم بوجوب القضاء وهو مطلق فيشمل المراعاة وعدمها وحينئذ تقيد بموثقة سماعة فيحمل الصدر على صورة عدم المراعاة ويقال بأن هذا يمنع من اطلاق الذيل الذي يتحدث عن صوم غير شهر رمضان فلا يصح التمسك بأطلاقها لأثبات وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة.
بل يمكن أن يقال بأن التقريب الثاني للإشكال والاختصاص في صحيحة الحلبي يأتي في هذه الرواية ايضاً الذي قلنا في مقام بيانه أن السائل يكون حريصاً على ذكر الخصوصيات التي يعلم أو يحتمل دخولها في الحكم الشرعي ولو كان قد راعى حينما شرب بعد الفجر لذكر ذلك فكأنه يُستكشف من عدم ذكره ذلك أنه لم يراعِ فتكون الرواية مختصة صدراً وذيلاً بعدم المراعاة فلا يصح الاستدلال بها.
الرواية الرابعة: صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : آمر الجارية ( أن تنظر طلع الفجر أم لا) فتقول : لم يطلع بعد، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال : اقضه، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء)[2]
ويستدل بهذه الرواية على عكس الرأي الاول, أي يستدل بها على عدم وجوب القضاء مع المراعاة في صوم غير شهر رمضان, فيكون حكمها في ذلك حكم صوم شهر رمضان ويستدل بها على ذلك بأعتبار أن هذه الصحيحة ليس فيها ما يشير إلى الاختصاص بشهر رمضان, لأن قوله (أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء) مطلق يشمل صوم شهر رمضان وصوم غير شهر رمضان, فيستدل بها على القول الاخر (الحاق صوم القضاء على الاقل الذي هو مورد الرواية بصوم شهر رمضان ).
ويخدش بهذا الاستدلال بأن يقال أن الرواية بهذا الشكل على ما نقله الشيخ الصدوق ونقلها عنه الشيخ صاحب الوسائل كذلك, لكن الشيخ الكليني ينقلها مع اضافةٍ مهمةٍ ومؤثرةٍ في محل الكلام وهي معاوية بن عمار (قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول : لم يطلع فآكل ثم أنظره فأجده قد طلع حين نظرت ؟ قال : تتم يومك ثم تقضيه أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه)[3]
وقوله عليه السلام (تتم يومك ثم تقضيه) فيه اشارة إلى الامساك التأدبي ونحن نعرف من الخارج أن الامساك التأدبي لا يكون الا في شهر رمضان, وهذا يعني أن الصدر ناظر إلى شهر رمضان, وحينئذ يأتي التقريب المتقدم وهو اذا قيدنا صدر الرواية بقيد فأن القيد يمنع الاطلاق في ذيل الرواية فتصير عبارة (أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه)ناظرة إلى صوم شهر رمضان فلا يصح الاستدلال بها على صوم غير شهر رمضان .
ولتميم المناقشة نقول أن امنا بما قالوا من أن نقل الشيخ الكليني اضبط وجريان اصالة عدم الزيادة في الرواية, وان ذلك كافٍ في أن نعيّن نقل الشيخ الكليني في قبال نقل الشيخ الصدوق واذا لم نصل إلى هذه النتيجة فعلى الاقل من القول بأننا لا نحرز نقل الشيخ الصدوق لتعارضه مع نقل الشيخ الكليني وعدم ترجيح احدهما على الاخر, وحينئذ لا يمكن الاستدلال بأطلاق الرواية على عدم وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة, وعدم امكان الاستدلال حاصل على كلا التقديرين (على تقدير تقديم كلام الشيخ الكليني أو على تقدير توقفنا) مع أنه لا يوجد احتمال لتقديم كلام الشيخ الصدوق على كلام الشيخ الكليني.
السيد الخوئي (قد) يتعرض إلى روايتين متقدمتين (صحيحة الحلبي وصحيحة معاوية بن عمار) والذي يبدو _ لكن سيتضح غير ذلك_ أن كلامه فيهما متهافت ففي صحيحة الحلبي ذكر أن اطلاق صدر الرواية محمول على صورة عدم المراعاة _ كما ذكرنا_ لكنه يقول أن هذا التقييد لا يمنع من الاطلاق في الذيل أي إلى الجملة التي تتحدث عن صوم غير شهر رمضان وتحكم بالقضاء فيه, وهذا خلاف التقريب السابق الذي يقول بأن التقييد يمنع من الاطلاق فيمنع من الاستدلال بذيل صحيحة الحلبي على وجوب القضاء في صوم غير شهر مضان مع المراعاة, وذلك لأن الصدر مختص بصورة عدم المراعاة وهذا التقييد يمنع من الاطلاق في الذيل فيختص بصورة عدم المراعاة ايضاً, لكن السيد الخوئي (قد) يبني على عدم منع التقييد إلى الذيل وصرح بأن الجملة الثانية تبقى على اطلاقها وتدل على وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مطلقاً ( مع المراعاة ومع عدمها) أي يصح الاستدلال بها على وجوب القضاء حتى مع المراعاة (القول الاول في المسألة).
لكنه (السيد الخوئي (قد)) يبدو منه منع الاطلاق في صحيحة معاوية بن عمار حيث قال بأن صدر صحيحة معاوية بن عمار لابد من أن تقيد بصوم شهر رمضان لأن الرواية في نقل الشيخ الكليني فيها (تتم يومك ثم تقضيه) أي يجب عليك الامساك التأدبي وهو مختص بشهر رمضان ,وهذه الجملة عبارة عن قرينة متصلة تمنع من الاطلاق, والتخصيص بالقرينة المتصلة يمنع من اطلاق الجملة الثانية (أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه) فقال أن هذا الجملة ناظرة إلى صوم شهر رمضان ايضاً, فتكون الرواية صدراً وذيلاً تتحدث عن شهر رمضان وتفصل بين الاعتماد على نظر الجارية فيجب القضاء وبين أن يتصدى بنفسه فلا يجب القضاء, وحينئذ لا يمكن الاستدلال بالذيل على عدم وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة لأن الاستدلال مبني على اطلاق الذيل لصوم شهر رمضان وصوم غيره.
إذن هو (قد) اطلق الذيل في صحيحة الحلبي ومنع _ كما يبدو _الاطلاق في صحيحة معاوية بن عمار.
تلخيص ما تقدم
عمدة النصوص التي ترتبط بمسألتنا هي هذه النصوص الاربعة وقلنا أن النصوص الثلاثة الاولى استدل بها على عدم الحاق صوم غير شهر رمضان بصوم شهر رمضان, فلا يجب القضاء في صوم شهر رمضان مع المراعاة لكنه يجب في صوم غيره, وتقدمت المناقشات في هذا الاستدلال, والرواية الرابعة _صحيحة معاوية بن عمار_ استدل بها على عكس ذلك أي استدل بها على الحاقه بصوم شهر رمضان في عدم وجوب القضاء مع المراعاة, وتقدمت المناقشة في هذا الاستدلال ايضاً.
والذي يبدو مما تقدم أن هناك امرين يؤثران في الوصول إلى النتيجة ( يؤثران في الاستدلال أو في مناقشة الاستدلال) وهما عبارة عن :-
الأمر الاول: مسألة ما اذا كان هناك تقييد بقرينة منفصلة يلحق الجملة الاولى هل يمنع من الاطلاق في الجملة الثانية أو تبقى الجملة الثانية على اطلاقها.
الأمر الثاني: هل يختص الامساك التأدبي بشهر رمضان؟ أو يشمل جميع اقسام الصوم الواجب المعين؟
أما بالنسبة إلى المطلب الاول فالذي يبدو أنه اذا بيّن كبروياً يكون مقنعاً, كما اذا قيل ما علاقة الجملة الثانية بالجملة الاولى فقد قلنا أنه لا مبرر لرفع اليد عن اطلاق الجملة الثانية, فكيف يمكن رفع اليد عن الحجة المعتبرة فيها بلا مبرر؟؟ وهذا الكلام كبروياً مقبول, فكل من الجملتين اللتين جمعهما كلام واحد تعبر عن مطلب, وجاء قيد نتيجة دليل منفصل نضطر إلى الجمع بينه وبين الجملة الاولى بتقييد الجملة الاولى, كما قلنا _ مثلاً_ للمنافاة بين موثقة سماعة واطلاق صدر صحيحة الحلبي وهذه المنافاة غير موجودة بين موثقة سماعة وبين الجملة الثانية, فلماذا نقيد اطلاق الجملة الثانية (ذيل صحيحة الحلبي) !!؟؟ فلا مبرر لهذا التقييد وعليه يبقى الاطلاق على حاله ولا موجب لسريان التقييد من الجملة الاولى إلى الجملة الثانية, فهذا المطلب الكلي عندما يبين يكون له وجه, لكن عندما نأتي إلى تطبيقاته وخصوصاً في محل الكلام قد يستشكل في انطباق هذه الكبرى التي بينت على بعض المواضع, فتطبيقها في بعض المواضع واضح جداً كما طُبقت في مثال اغتسل للجمعة واغتسل للجنابة, حيث دل دليل من الخارج على عدم وجوب غسل الجمعة فرفعنا اليد عن ظهور اغتسل للجمعة في الوجوب وحملناها على خلاف ظاهرها أي على الاستحباب وذلك لقيام الدليل على ذلك, وقالوا أن هذا لا يوجب رفع اليد عن ظهور الجملة الثانية (اغتسل للجنابة) فيبقى على حاله ويعمل به ولا يتأثر بتقييد الجملة الاولى ورفع اليد عن ظهورها عن الوجوب, وهذا التطبيق واضح في هذه المسألة.
أما تطبيق هذه الكبرى على الروايات المطروحة في محل الكلام فأنه قد يقال بأنه ليس واضحاً ولذا رأينا أن السيد الخوئي (قد) منع منه في مورد وقبله في مورد آخر, فيظهر أن الموارد تختلف في امكانية تطبيق هذه الكبرى عليها, فالمورد الذي منع السيد الخوئي (قد) من انطباق هذه الكبرى فيه وهو صحيحة معاوية بن عمار حيث قال أن هذا التقييد يسري إلى الجملة الثانية, ولعل السر في ذلك أن صحيحة معاوية بن عمار لا يمكن أن نعتبر الكلام الذي فيها عبارة عن مطلبين مستقلين لأنه في ذيل الرواية يقول له (أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه) وهذا يعني أنه يتكلم عن نفس ما فُرض في صدر الرواية, فإذا كان المراد بصدر الرواية النظر مع المراعاة فهو المراد في ذيل الرواية ايضاً ولا يوجد تعدد أو اختلاف, أي أنه يتكلم عن موضوع صدر الرواية غاية الأمر بتبديل نظر الجارية بنظر السائل (الصائم), وحينئذ يحق للسيد أن يحكم بسريان القيد لأن المراد بالصدر هو شهر رمضان بقرينة ما رواه الشيخ الكليني (تتم يومك ثم تقضيه) فيكون ذيل الرواية يتحدث عن شهر رمضان ايضاً.