37/04/19


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.

المورد السادس: _من موارد وجوب القضاء دون الكفارة _(الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر أو لعدم العلم بصدقه)[1]

المفروض في هذه المسألة عدم اعتماد الصائم على كلام المخبر إما لأعتقاده بانه هازل أو لأنه لا يعلم صدقه, فأكل ثم تبين الخلاف, فحكم عليه بأنه من موارد وجوب القضاء دون الكفارة.

أما عدم وجوب الكفارة فلأن موضوع الكفارة هو الافطار العمدي الحاصل ما بين طلوع الفجر إلى الغروب, وهو غير متحقق في محل الكلام, الا اذا ثبت طلوع الفجر للصائم وجداناً أو بحجة معتبرة, وهو غير حاصل في فرض المسألة حتى لو كان المخبر ثقة وكلامه حجة لأن الصائم يعتقد أن المخبر ليس جاداً وليس في مقام بيان الواقع لأنه يعتقد أنه هازل فلا يكون كلامه حجة لأن قول الثقة إنما يكون حجة عندما يكون في مقام بيان الواقع والمخاطب يعتقد ذلك لا في مقام الهزل والسخرية, أو أن المخاطب يعتقد بأن هذا هازل, ولا يمكن الاعتماد على اصالة الجد في المقام لأنها تجري عند الشك في كون المتكلم جاداً والمفروض أن المخاطب لا يشك بذلك وإنما يعتقد بأن المتكلم هازل, وحينئذ لا يثبت عند الصائم طلوع الفجر لا بعلم ولا بحجة معتبرة فلا يصدق على اكله أنه افطار عمدي فلا تجب الكفارة, وهذا الكلام مبني على تفسير (زعم) بالاعتقاد أما على فرض تفسيرها بغير الاعتقاد كما لو فسرناها بالشك أو الاحتمال فأن اصالة الجد تجري وتثبت حجية كلامه اذا كان ثقة وتجب الكفارة لكن الظاهر أن المقصود بزعم الاعتقاد لا الشك أو الاحتمال فلا تجري اصالة الجد في المقام ولا تجب الكفارة. هذا الفرض الاول في عدم الاعتماد.

الفرض الثاني: في عدم الاعتماد (لعدم العلم بصدقه) قد يُظن لأول وهلة بكفاية كون المخبر ثقة وان لم يحصل العلم بصدقه فيحصل الافطار العمدي فتجب الكفارة, لكن العلم بالصدق تارة تفسر بعدم الوثوق أي بعدم ثبوت وثاقة المخبر عند المخاطب وحينئذ لا يكون خبره حجة عند المخاطب لعدم ثبوت وثاقة المخبر عنده, فلا يتحقق الافطار العمدي ولا تجب الكفارة , وتارة اخرى تفسر بعدم العلم بصدقه ويبقى الكلام على ظاهره, لكن يكون كلامه حجة اذا كان المخبر ثقة, وحينئذ لابد من اضافة عنصر آخر وهو أن نقول اذا كان المخبر واحداً وكان ثقة لكننا كبروياً لا نلتزم بحجية الخبر الثقة الواحد في الموضوعات, نعم يكون حجة في الاحكام, فلا يثبت عنده طلوع الفجر بحجة معتبرة فلا يجب عليه الكفارة, ويمكن تفسير العبارة بأحد هذين التفسيرين.

فالنتيجة هي أنه مع قيام الحجة على طلوع الفجر تجب الكفارة, لكن المفروض في المسألة عدم قيامها, وان خبر المخبر ليس حجة, وكيفية عدم الحجية له هي ما ذكرنا من التفصيل.

وهذا الكلام اذا فسرنا عبارة السيد الماتن الثانية(لعدم العلم بصدقه) بما تقدم (من عدم ثبوت الوثاقة ونحو ذلك) مما يوجب عدم الحجية, أما اذا جمدنا على حاق اللفظ (لعدم العلم بصدقه) فأن عدم العلم بالصدق ليس مبرراً لسقوط خبر المخبر عن الحجية اذا كان ثقة, فخبر الثقة _ كما صرحوا_ يكون حجة ولا يشترط فيه العلم بالصدق بل ولا الظن بالصدق بل صرحوا بأنه يكون حجة حتى مع الظن بالخلاف.

قد يستدل على عدم وجوب الكفارة مضافاً إلى ما تقدم بصحيحة عيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم أنه قد طلع الفجر فكف بعض وظن بعض أنه يسخر فأكل ؟ فقال : يتم ويقضي )

بدعوى أن مقتضى اطلاقها المقامي عدم وجوب الكفارة لأن هذه الصحيحة تعرضت لمسألتنا وصرحت بوجوب الاتمام ووجوب القضاء وسكتت عن وجوب الكفارة فيكون مقتضى الاطلاق المقامي لهذه الصحيحة على فرض كون الامام عليه السلام في مقام بيان ما يجب على المكلف هو عدم وجوب الكفارة وسنتعرض لذلك في البحث الثاني.

البحث الثاني : وجوب القضاء ويستدل عليه بدليلين:-

الاول: أنه مقتضى القاعدة فالقاعدة والاصل يقتضي فساد الصوم في كل حالة يتناول الصائم فيها المفطر ما بين طلوع الفجر إلى الغروب الا اذا دل الدليل الخاص على عدم الفساد وعدم وجوب القضاء, والمفروض في مسألتنا تبين الخلاف أي تبين أنه اكل بعد طلوع الفجر, إذن هو لم يأتي بالصوم الكامل المطلوب شرعاً, ومقتضى القاعدة بطلان هذا الصوم ووجوب القضاء.

الثاني: صحيحة عيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم أنه قد طلع الفجر فكف بعض وظن بعض أنه يسخر فأكل ؟ فقال : يتم ويقضي )[2] .

فالرواية تعرضت إلى التطبيق الاول (لزعمه سخرية المخبر) ويستدل بها على وجوب القضاء في محل الكلام حيث قال الامام عليه السلام (يتم ويقضي) مع أن الآكل كان يزعم أن المخبر يسخر, والاستدلال بها على وجوب القضاء موجود في كثير من الكتب الاستدلالية حيث استدلوا بها في محل الكلام مضافاً إلى مقتضى القاعدة, ولا كلام في أن مقتضى القاعدة لو وصلت النوبة إلى الشك هو وجوب القضاء وإنما هناك كلام يذكر في دلالة الصحيحة على وجوب القضاء في محل الكلام, ويمكن بيان الاشكال في دلالة الرواية بهذا الشكل:

عندما نتكلم عن وجوب القضاء لابد أن نتكلم عن وجوب القضاء في نفس المورد الذي نفينا عنه وجوب الكفارة, والفرض الذي نفينا عنه الكفارة هو أن المخبر لم يكن كلامه حجة _ لأي سبب من الاسباب المتقدمة_ والا لو كان كلامه حجة لوجبت الكفارة, والكلام يقع في أنه هل يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة على وجوب القضاء في هذا الفرض (فرض عدم كون اخبار المخبر حجة)؟؟

لا اشكال أن الرواية يستفاد منها امور:

الاول: أن الحكم بوجوب القضاء والاتمام يختص بمن اكل بزعم أن المخبر يسخر دون من كف عن تناول الطعام, فالرواية ظاهرة في عدم وجوب القضاء عليه(من كف عن تناول الطعام).

الثاني: أن مقتضى الاطلاق المقامي للرواية هو عدم وجوب الكفارة.

الثالث: هل أن الذي اخبرهم بطلوع الفجر مورد اعتماد لهم؟؟ قد يقال بأنه مورد اعتماد ووثوق لكلا الطرفين, أما الذي كف فواضح لأنه رتب اثراً على كلامه, وأما الذي لم يكف فلأن ظاهر الرواية أن هذا اكل لزعمه أن المخبر يسخر وهذا يفهم منه أنه لو كان عالماً بجديته وانه لا يسخر لكف عن الاكل اعتماداً على كلامه.

الرابع: أن تبين الخلاف مفروض في هذا الرواية لأنها تقول (فناداهم أنه قد طلع الفجر) والذي يفهم من هذه العبارة أنه يريد أن يقول لهم أن اكلكم كان بعد طلوع الفجر لا أنه يريد أن يقول أن الفجر طلع في هذه اللحظة.

والاشكال هو أن الامام عليه السلام لم يوجب القضاء على الفرقة الاولى التي امتنعت عن الاكل, والسؤال هو لماذا لم يوجب القضاء عليهم مع تبين الخلاف؟؟ مع أن كل من يأكل بعد طلوع الفجر يجب عليه القضاء الا في صورة المراعاة, لكن الرواية لم تفترض المراعاة.

والرواية من جهة ظاهرة في الاعتماد على خبر المخبر فيكون موضوع الكلام هنا غير موضوع الكلام في نفي وجوب الكفارة, فموضوع الكلام في نفي وجوب الكفارة _ من جهة اخرى_ هو عدم الاعتماد على خبر المخبر فلا تجب الكفارة, وفي مورد وجوب القضاء افترضنا الاعتماد على خبر المخبر, إذن قد يقال بعدم صحة الاستدلال بالرواية لأنها ناظرة إلى فرض آخر غير الفرض الذي نتكلم عنه والذي نريد أن نبحث عن وجوب القضاء فيه (وهو فرض عدم الاعتماد على خبر المخبر).