37/06/06

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد, المورد التاسع.

هناك كلام في الحل الثاني حيث يقال _كما ذكر ذلك المحقق الهمداني_ بأن القرائن صحيحة وفي محلها لكنه لا يمنع من اطلاق الجملة الاولى _ قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ؟ قال : ليس عليه شيء إذا لم يتعمد ذلك _ في الرواية حتى وان اختصت الجملة الثانية والثالثة في المضمضة للوضوء.

فالفقرة الاولى في الرواية لا داعي لتقييدها بالمضمضة للوضوء, فتكون الرواية بلحاظ الجملة الاولى شاملة لمحل الكلام وتكون معارضة لنصوص الباب لأنها تدل على عدم وجوب القضاء ونصوص الباب تدل على وجوبه.

ويؤكد المحقق الهمداني هذا الكلام ويذكر مؤيداً له وهو أن الامام عليه السلام ترك الاستفصال في جوابه عن السؤال الاول, فلم يستفصل عن تمضمضه وهل كان للطهارة أو للتبرد, وترك الاستفصال يؤيد اطلاق الجملة الاولى حتى على فرض كون الجملة الثانية والجملة الثالثة مقيدتين.

ناقش معظم من تأخر عن المحقق الهمداني في هذا الكلام وخلاصة ما ناقشوا فيه انهم قالوا أن هذا الكلام غير مقبول لأنه اذا امنا بأن القرائن توجب حمل الكلام على المورد الخاص (المضمضة للطهارة) فأن هذا بنفسه أن لم يكن قرينة على حمل المضمضة في السؤال الاول على ذلك فعلى الاقل من أنه يمنع من اطلاق الجملة الاولى لمحل الكلام فيوجب الاجمال من هذه الناحية وعلى كلا التقديرين لا يمكن القول بأن رواية عمار مطلقة تشمل محل الكلام حتى نحتاج إلى الاستعانة بالجواب الاول لدفع الاعتراض.

هكذا اجابوا, لكن لعل المتأمل في المسألة يجد الحق إلى جانب المحقق الهمداني بأعتبار أن هذا الكلام (القرائن) اذا سلمنا بها لا توجب ظهور الجملة الاولى في الاختصاص في المورد الخاص(المضمضة للطهارة) بل لا توجب حتى الاجمال وإنما تبقى على اطلاقها لأن هذه القرائن وان كانت قرائن على الاختصاص بالمورد الخاص لكنها كذلك من حين صدورها وسماعها, وكلامنا قبل ذلك أي قبل طرح السؤال الثاني, فالسؤال الاول مطلق وليس فيه قرائن على الاختصاص وقد اجاب الامام بعدم وجوب القضاء ولم يستفصل من السائل عن المضمضة وهل هي للتبرد أو للطهارة وهذا يعني أن جواب الامام عليه السلام كان على طبق الاطلاق الذي يفهم من كلام السائل_ مع فرض عدم مدخلية علم الغيب في الكلام_, نعم اضاف السائل قرينة بعد ذلك على أن مرادي هو المورد الخاص وهذا وان كان صحيحاً, لكن الاستدلال بجواب الامام عليه السلام الذي وقع من دون استفصال حيث أن هذا يعني أن الامام عليه السلام يحكم بعدم وجوب القضاء مطلقاً, فكلام المحقق الهمداني لا يخلو من وجاهة, غاية الأمر أن الابتلاء بمثل هذا الأمر يحصل نادراً في الروايات, وحينئذ لابد من الرجوع في رفع التعارض بين روايات الباب وموثقة عمار إلى الجواب الاول أو الجواب الثاني أو كل منهما.

وهذا بالنسبة إلى الفرع الاول وتبين أنه لا ينبغي الاشكال في وجوب القضاء في محل الكلام, وقلنا بأن الظاهر الاتفاق على هذه المسألة ولذا يقع العجب في نسبة حمل روايات الباب على الاستحباب لبعض العلماء مع انهم يصرحون بأن المسألة متفق عليها.

الفرع الثاني: عدم وجوب الكفارة وقد ذهب إليه المشهور واستدل لقول المشهور:-

اولاً: بالأصل (البراءة), وهي تجري عند عدم امكان الرجوع إلى عمومات الكفارة وهو الصحيح, لأن عمومات الكفارة مختصة بصورة العمد والاختيار والمفروض في المقام عدم العمد وعدم الاختيار.

ثانياً: ما ذكرناه مراراً من أنه يفهم من ادلة الباب عندما تتعرض للقضاء وتسكت عن الكفارة اشعارٌ بعدم وجوب الكفارة, لأن الظاهر من هذه الروايات انها في مقام بيان ما يجب على من تمضمض للتبرد وسبقه الماء إلى جوفه وهو صائم.

خالف الشيخ الطوسي ذلك في التهذيب والتزم بوجوب الكفارة واستدل برواية سليمان بن حفص المروزي (قال: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه أو حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين.......)[1]

واستدلاله بهذه الرواية لابد أن يكون مبنياً على أن قوله (فدخل في أنفه أو حلقه) غير مختص بمسألة الكنس بل ناظرة إلى ما قبلها من قوله عليه السلام (تمضمض الصائم) والامام عليه السلام يقول عليه صيام شهرين متتابعين, لكنه تقدم الحديث عن هذه الرواية مفصلاً في مفطرية الغبار الغليظ وقلنا أن فيها مشكلة سندية فسليمان بن حفص المروزي لم تثبت وثاقته لا بشكل خاص ولا بشكل عام وفيها مشكلة الاضمار ايضاً, فالإضمار وان لم يكن فيه مشكلة فيما لو كان الذي اضمر سماعة أو زرارة ومثالهما لكنه بالنسبة إلى سليمان بن حفص المروزي يعد مشكلاً لأن الرجل لم يكن ملازماً لجماعتنا ويحتمل أن يروي عن غير الامام عليه السلام.

هذا من حيث السند ومن حيث الدلالة يوجد احتمال كبير في الاعراض عن الرواية بأعتبار انها تتضمن امور لم يلتزم بها احد, فظاهر الرواية أن المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الكريهة_ مطلقاً وان لم يدخل جوفه شيء_ يوجب القضاء والكفارة, وهذا لا يلتزم به احد, ومن هنا يظهر أنه لا مجال لما ذكره الشيخ الطوسي (قد) وإنما الصحيح في المقام هو عدم وجوب الكفارة لا اقل أن ذلك مقتضى الاصل, وهذا غير ما تقدم مراراً من أن الكفارة تناسب العقوبة (ذنب) ولا ذنب في المقام.

الفرع الثالث: ما اذا ادخل الماء في فمه عبثاً, وقد ذهب جماعة من الاصحاب إلى أن هذا من موارد وجوب القضاء دون الكفارة, ونسب ذلك في نجاة العباد إلى الشيخ صاحب الجواهر وذهب إلى ذلك السيد الماتن ايضاً ولذا عطف مسألة العبث على مسألة المضمضة للتبرد, وفي قبال هؤلاء ذهب جماعة _منهم المحقق في الشرائع_ إلى عدم وجوب القضاء عملاً بالقاعدة الثانوية التي تقول لا يبطل الصوم مع عدم العمد وعدم الاختيار.