37/05/12


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
الوجه الخامس:- روايات قضاء الحاجة، فإنه توجد عندنا روايات كثيرة تدل على رجحان قضاء حاجة المؤمن وأنّ من مشى في قضاء حاجة أخيه المؤمن كان له كذا وكذا من الثواب، بل ورد جواز قطع الطواف الواجب إذا كان لقضاء حاجة المؤمن.
وإذا تمّ هذا نقول:- إنّ هذه الروايات تكون طرفاً للمعارضة مع ما دلّ على حرمة التولّي عن الجائر، ومورد المعارضة هو ما إذا كان قضاء الحاجة موقوفاً على التولي عن الجائر ن فيتعارضان ويساقطان وبذلك نرجع إلى أصل البراءة.
إذن ثبت جواز التولي ولكن من خلال إيقاع المعارضة بين الطائفتين من الروايات والرجوع إلى الاصل بعد ذلك وهذا طريقٌ فنّي علميٌّ لا بأس به.
وفيه:- إن هذا تامّ لو فرض أنّ للروايات قضاء الحاجة إطلاقاً من هذه الناحية، يعني هي تدل على الرجحان حتى إذا توقف ذلك على التولي من قبل الجائر، والحال أنه يمكن أن يقال إنها ناظرة إلى حيثية قضاء الحاجة وأنّ قضاء الحاجة يشتمل على كذا ثواب أمّا أنّ هذا الرجحان ثابت حتى لو استلزم ذلك التولي من قبل الجائر فهي ليست في مقام البيان من حيث الوسائل التي يمكن من خلالها قضاء الحاجة، ومعه فلا تتحقق المعارضة المذكورة، خصوصا إذا التفتنا إلى أنّ روايات قطع الطواف هي أجنبية عن المقام باعتبار أنّ الطواف له بدل - وبدله هو أن يأتي به بعد ذلك -، فصحيحٌ أنّ قطعه حرام ولكن له بدل، فمادام له بدل فيمكن أن يقال يقدم قضاء الحاجة على قطع الطواف فيكون أرجح فيقطع الطواف لقضاء الحاجة، وهذا بخلافه في مقامنا فإنّ التولي ليس له بدل، فلو ارتكبه فليس له بدل، فقياس موردنا على باب قطع الطواف لقضاء الحاجة قياسٌ مع الفارق.
مضافاً إلى أنّه مورد خاصّ قد دلّ الدليل عليه، فالتعدي منه إلى سائر الموارد يكون بلا وجهٍ بقطع النظر عن تلك النكتة التي أشرنا إليها - وهي أنه له بدل -.
إذن التشبيه بقطع الطواف ليس بوجيهٍ من ناحيتين.
الدليل السادس:- الروايات الدالة على المطلوب - يعني جواز التولي لمصالح العباد -، وهي كثيرة ن ولعلّ في أسناد بعضها ضعفاً، إلا أنّ الضعف المذكور لا يؤثر فيما إذا كانت الدلالة تامّة؛ إذ بعضها يجبر البعض الآخر بعد تمامية الدلالة، فإنّ ضمّ ضعيف السند إلى ضعيف السند يمكن أن يحصّل الاطمئنان بالمفهوم ويحصّل الانجبار بلحاظ المضمون، وهي:-
الرواية الأولى:- صحيحة زيد الشحام قال:- ( سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول:- من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة )[1].
ودلالتها واضحة حيث إنها قالت:- ( من تولى أمراً فعدل وفتح بابه ورفع ستره كان حقاً على الله أن يؤمن روعته ) وهو يصدق على من يتولى عن الجائر، فإذن هذا معناه أنّ دخوله في الولاية وقبولها من قبل الجائر شيءٌ جائزٌ، بلّ لعله يستفاد منها الرجحان.
وقد يشكل على هذه الرواية بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنها ناظرة إلى مدح من يتصدّى للولاية ويقوم بما ذكر فإنّ هذا شخصٌ ممدوحٌ، أمّا أنّ الولاية ممّن نالها فهل نالها من العادل أو نالها من الظالم فهذه قضية مسكوت عنها وليست الرواية في مقام البيان من ناحيتها، بل هي في مقام البيان بهذا المقدار لا أكثر، يعني متى ما نلت المنصب وحصل منك العدل ورفع الستر وغير ذلك فهذا له كذا من الثواب، أمّا أنك ممّن نلتها ومن أيّ طريقٍ فهي ليست في مقام البيان من ناحيته.
وعليه فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لإثبات جواز الولاية من الجائر، بل ينبغي الاقتصار على القدر المتيقّن وهو ما إذا نيلت الولاية من قبل العادل.
ويردّه:- إنه في تلك الفترة التي صدر فيها هذا النصّ لم تكن السلطة آنذاك للإمام العادل إلا في زمان أمير المؤمنين والامام الحسن عليهما السلام، أما في زمان الامام الصادق عليه السلام الذي هو صاحب هذه الرواية وما بعده من الأزمنة لم تتحقق الحكومة للسلطان العادل فلابد وأن يكون النظر ولو لهذه القرينة الخارجية إلى الولاية من قبل السلطان الجائر.
فصحيحٌ أنَّ الرواية ليست في مقام البيان من ناحية ممّن نيلت وأخذت منه السلطة ولكن لأجل أنّ السلطة في تلك الفترة الزمنيّة كانت كلّها للجائر فبهذه القرينة الخارجية نقول إنَّ الرواية ناظرة إلى هذه الحالة المتعارفة - وهي نيل الولاية من قبل الجائر -.
الاشكال الثاني:- لعلّ الرواية ليست ناظرة إلى تولي الولاية بل هي أجنبية عن ذلك بالكلية بأن تكون ناظرة إلى رئيس العشيرة مثلاً فإنه له نحو من التولي، فهي تخاطب مثل هذا وتقول له إذا كانت لك رئاسة للعشيرة أو رئاسة للمرجعية أو من هذا القبيل الذي هو غير التولي والولاية وقمت بما أشارت إليه الرواية فلك كذا ثواب، فهي أجنبية عن مسالة التولي من قبل السلطان الأعم من كونه عادلاً أو جائراً.
فرق هذا الاشكال عن السابق:- هو أنّ الاشكال السابق كان يقول إنّ التولي هو من قبل السلطان أمّا أنّ هذا السلطان عادل أو جائر فهي قضية مسكوت عنها فيقتصر على القدر المتيقن وهو العادل، أمّا هذا الاشكال فهو يقول لعلها ليست ناظرة إلى مسألة التولي والولاية، وإنما هي ناظرة إلى قضيّة أخرى كما في رئيس العشيرة والمرجع وما شاكل ذلك.
ويردّه:-
أوّلاً:- إنَّ ما ذكر شيء وجيه ولكن هذا لا يوجب اختصاص الرواية بما ذكر، فلنعمل بإطلاقها بحيث تشمل من يتولى السلطة، فهي ذات إطلاقٍ ولا بأس بإطلاقها وهي تقول ( من تولى أمراً من أمور الناس ) فهي بإطلاقها كما تشمل رئيس العشيرة والمرجع تشمل أيضاً من تولى السلطة، فنعمل بالإطلاق ولا موجب لتخصيصها بما ذكر، نعم ما ذكر مشمولٌ كما أنَّ غيره مشمول أيضاً، فالجميع يكون مشمولاً تمسّكاً بالإطلاق، وهذا أمرٌ جائز.
ثانياً:- إنّ التعابير المذكورة في الصحيحة لعلّها تتناسب مع تولي السلطة إذ ورد فيها ( وفتح بابه ورفع ستره ) وهذه التعابير تتلاءم مع من يتولى السلطة فإنّ له باباً يغلقها وله حرس وغير ذلك، أمّا رئيس العشيرة وغيره فهذه الامور عادةً ليست بموجودة عنده، ولا أقل هذا أنسب مع المتولي للسلطة.
إذن هي من حيث الدلة لا بأس بها.
وأما سندها:- فهو تامٌّ أيضاً، فإن الصدوق(قده) في أماليه رواها عن محمد بن الحسن عن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن النعمان عن عبد الله عن زيد الشحام.
والمقصود من محمد بن الحسن هو محمد بن الحسن بن الوليد القمّي أستاذ الشيخ القمي(قده)، والصفّار هو محمد بن الحسن الصفّار، وأمّا البقية فكلهم ثقاة.
نعم الرواية رواها صاحب الوسائل(قده) عن أمالي الصدوق وطريقه إلى الكتب التي نقل عنها وإن كان صحيحاً ولكنّا أبرزنا فيما سبق احتمال كون هذه الطرق تبرّكية وليست على النسخة الخاصّة، ومادامت تبرّكية فلا تنفع شيئاً، والاحتمال يكفينا لتضعيف الطريق.
ولكن نقول:- هنا توجد خصوصيّة أشرنا إليها أكثر من مرّة، وهي أن الأمالي المطبوع توجد فيه هذه الرواية، والأمالي الموجود عند صاحب الوسائل أيضا يشتمل على هذه الرواية، فاشتمال كلتا النسختين على ذلك قد يورث الاطمئنان للفقيه، فإن حصل له ذلك فبها ونعمت، وإلا فالمجال مفتوح للمناقشة في السند، وأنا أقول لا يبعد حصول الاطمئنان.
الرواية الثانية:- صحيحة علي بن يقطين:- ( قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام:- إنّ لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه )[2].
ودلالتها هو أنّه إذا لم يجز الدخول مع الجائر فلا معنى لهذا المدح، وإنّ هذا المدح يدلّ على جواز الدخول مع الجائر وإلا كيف يكونون أولياءً لله عزّ وجلّ ؟!!
وقد يشكل على هذا بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنّ هذه الصحيحة تبيّن مطلباً كلياً وهو أنه قد يكون هناك أولياء مع السلطان تولّوا السلطة في بعض المساحة ولكن هذا لا يلازم جواز الدخول، ولعلّ الدخول لا يجوز إلا بإذنٍ خاصٍ من الامام عليه السلام كما أذن لابن يقطين، فحينئذ لا يمكن أن يستفاد من ذلك جواز تولي السلطة ولو من دون إذنٍ خاصٍّ من قبل الامام عليه السلام.
إذن لعلّ مفادها ينحصر بهذا المقدار - أي خصوص من دخل في السلطة بإذنٍ خاصٍّ من الامام عليه اللام - فيصدق حينئذٍ ( إنّ لله مع السلطان أولياء ) مادام قد أذن لهم الامام عليه السلام بالخصوص.
فإذن لا يمكن أن يستفاد من الصحيحة جواز الدخول مع السلطان في الولاية.
والجواب:- هذا وجيهٌ إذا قلنا بأنّ الرواية ناظرة إلى عصر حضور الامام عليه السلام ولا تشمل زمن الغيبة، أمّا إذا قلنا بأنها تريد أن تبّين مطلباً كلياً على مدى الخط بحيث تشمل ما بعد زمان الغيبة فعلى هذا الأساس يكون هذا الاحتمال ضعيفاً لأنّ الرواية تبقى في زمن الغيبة بلا مصداق بناءً على هذا الاشكال.
الاشكال الثاني:- هو أن يقال إنّ الرواية قالت:- ( إنّ مع السلطان أولياء ) ولعلّ هؤلاء الأولياء ليسوا بذلك المعنى - يعني الذين تولوا السلطة -، بل بمعنى أنه يمرّ بالسلطان أحياناً كصديقٍ وله به معرفة وفي الأثناء يدافع عن الأولياء، فالرواية تقول إنّ لله مع السلطان أولياء يعني هؤلاء الأصدقاء، فهذه اشارة إلى الاصدقاء والمعاريف لا إلى من يتولى السلطة من قبل الجائر، فتكون أجنبية عن مسالة تولي السلطة.