37/06/20


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر - مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

الأمر الثالث:- يقول(قده) إذا فرض أنّ الضرر لا يلحق المكره - والمكره في موردنا هو الوالي - ولا بأقاربه وإنما يلحق بأشخاصٍ أجانب بأن يقول السلطان الجائر للوالي انهب مال فلان - والمفروض أن فلان أجنبياً عن الوالي وليس من أقاربه - وإن لم تنهبه فأنا سوف أنهب مال مؤمن آخر أجنبي ، فكلاهما أجنبي ، ففي مثل هذه الحالة هل يجوز للوالي نهب مال المؤمن الأوّل بحجة الاكراه ؟

يقول(قده):- اتضح من خلال ما ذكرناه أنه لا يمكن تطبيق حديث نفي الاكراه ، لأن الطرف قد فرضناه أجنبياً وليس من الاقارب ، وإذا كان أجنبياً فقد قلنا لا يصدق الضرر ، وهل يمكن تطبيق قاعدة نفي الحرج ؟ كلا لا يمكن تطبيقها؛ إذ لا حرج في حرمة نهب مال المؤمن الأوّل - يعني إذا حكم الشرع بأنّ هذا حرام فلا يجوز لك أيها الوالي فهل سوف يلزم عليه الحرج - ؟ فهنا قد يقفّي الذهن ويقول:- نعم يلزم الحرج فإنه لو لم أمتثل سوف يزجّني في السجن ، فالذهن قد يقفّي هكذا ويرتّب آثاراً وفي بعض المرات نقع في الاشتباه ، ولكن نقول:- نحن لم نفترض هذا الشيء بل افترضنا أنه لو لم يمتثل فسوف لا يزجّه في السجن وإنما ينهب مال مؤمنٍ آخر ، فإذن الوالي لا يلزم الحرج عليه ، فتطبيق قاعدة نفي الحرج لا وجه له.

ثم يصعد اللهجة فيقول:- بل الحكم بجواز نهب مال المؤمن الأوّل في سبيل نجاة الثاني من النهب قبيح عقلاً ولا يصدر من الحكيم ، كما أنّ أحاديث التقية مثل حديث الاحتجاج المتقدّم هي تريد أن تحافظ على جميع المؤمنين ولا تقول أدخل الضرر على بعض المؤمنين في سبيل حفظ المؤمن الآخر من الضرر ، فهذا كالفرار من المطر إلى الميزاب ، وهو قبيح عقلاً ، فإذن لا حديث نفي الاكراه يشمله لأنّه في هذا المورد المفروض أنّ من يلحق به الضرر هو الأجنبي ، ولا حديث نفي الحرج؛ إذ لا يلزم عليه الحرج لأنه لم يقل له إذا لم تمتثل فسوف أزجّك في السجن أو أضربك ، فلا يمكن هذا ولا يمكن ذاك ن بل الحكم بجواز نهب مال المؤمن الأوّل قبيحٌ عقلاً في سبيل نجاة المؤمن الثاني ، ومخالف لأدلة التقية التي دلت على أنّ التقية شرّعت لحفظ المؤمنين جميعاً لا لحفظ مؤمن مع إدخال المؤمن الآخر في الضرر ، ونصّ عبارته:- ( لكن لا يخفى أنه لا يباح بهذا النحو من التقية[1] الاضرار بالغير[2] لعدم شمول أدلة الاكراه لهذا لما عرفت من عدم تحققه مع[3] عدم لحوق ضرر بالمكره ولا بمن يتعلق به ، وعدم جريان أدلة نفي الحرج إذ لا حرج على المأمور لأن المفروض تساوي من أمر بالإضرار به[4] ومن يتضرر بهذا الامر[5] من حيث النسبة إلى المأمور[6] مثلاً لو أمر الشخصَ بنهب مال مؤمن ولا يترتب على مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر فلا حرج حينئذٍ في تحريم نهب مال الأوّل بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة[7] من الغرض في التقية خصوصاً مع كون المال المنهوب للأوّل أعظم فإنه يشبّه بمن فرّ عن المطر إلى الميزاب بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمنٍ ولو لدفع الضرر الأعظم عن غيره )[8] .

وقد يشكل على ما أفاده(قده):- بأنه ذكرنا في التنبيه الأوّل أنّ ملازمات الولاية هل يجوز ارتكابها أو لا فإنّ من ملازِماتها ضرب هذا وسجن ذاك ونهب الآخر ،؟ والشيخ فصّل بين القتل فهو لا يجوز - ( إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء .... )[9] - ، أمّا الملازِمات غير القتل فقد ذكر ثلاثة وجوه للجواز أوّلها حديث نفي الاكراه حيث قال إنّ السلطان الجائر أراد ابتداءً أن أضرب هذا أو أسجن ذاك ، فحينئذٍ الضرب أو السجن يكون جائزاً بمقتضى حديث نفي الاكراه ، فما عدى مما بدى ؟!! أي الشيخ الاعظم(قده) لم يجوّز هذا الشيء هنا ، فلنقل في موردنا أيضاً يجوز ذلك باعتبار أنّ الجائر قال له انهب مال هذا ، فكما جوّزنا النهب أو الضرب أو السجن هناك باعتبار أنّ المكرِه هو الذي أراد هذا الشيء ، فهنا أيضاً فلنقل إنّ المكرِه هو الذي أراد هذا ، فلماذا هناك طبق الشيخ حديث نفي الاكراه وقال إنّ الجائر هو الذي أراد هذا فأكون أنا الوالي مكرِهاً وهنا لم يطبّقه ؟

والجواب قد اتضح:- فإنه هناك إذا لم أفعل أنا الوالي فالمفروض أن الضرر سوف يحلقني ، بينما الضرر هنا سوف يلحق بالأجنبي ، فلا يُشكَل على الشيخ من هذه الناحية.

نعم هناك إشكال جانبي يرد على الشيخ:- وهو أنه قال إنّ حديث نفي الاكراه لا يمكن تطبيقه لأنه لا يلزم الضرر على الوالي ولا على أقاربه لو لم ينفّذ الأمر من السلطان بل يلزم الضرر على الأجنبي ، ثم قال:- وهكذا تطبيق قاعدة نفي الحرج هو لا يجوز ، بل صعّد اللهجة وقال:- إنَّ الحكم بجواز نهب الأوّل قبيح عقلاً.

والذي نريد أن نقوله:- إنّ الشيخ(قده) يظهر منه سبب عدم تطبيق حديث نفي الاكراه ، هو أنّ الضرر سوف لا يلحقني أنا الوالي بل يلحق الأجنبي فلا يوجد إكراه ، فهو جعل النكتة هي هذه ، وعلى مبناه لا بأس بهذا وإن كنّا لا نرتضي هذه النكتة على بيانٍ تقدم ، ولكن كان من المناسب أن ينبّه على شيءٍ ، وهو أنه حتى لو قطعنا النظر عن هذه النكتة كما إذا بنينا على مبنانا حيث قلنا إنّ الضرر حتى إذا كان يلحق بالأجنبي فيكمن أن يصدق الاكراه إذا فرض أنّ ذلك الأجنبي كان صديقاً لي أنا الوالي بحيث يكون ضرره ضرري وتألمه تألمي ، فعلى رأينا يمكن تطبيقه حديث الاكراه ، ولكن رغم ذلك لا نقول بتطبيقه لنكتةٍ أخرى كان من المناسب للشيخ أن يشير إليها ن ونحن نأخذها من كلامه وهي أن نقول:- إنه مع ذلك لا يمكن تطبيق حديث نفي الاكراه لحكم العقل بالقبح ، فإنّ الحكم بجواز نهب المؤمن الأول في سبيل الحفاظ على المؤمن الثاني قبيحٌ ، فإن حديث نفي الاكراه جاء امتنانياً ولا امتنان هنا ، بل من القبيح تجويز نهب الأوّل في سبيل نجاة الثاني.

إذن هذه نكتة ثانية ، فحتى لو قلنا إن حديث نفي الاكراه قابل للتطبيق ولكن مع ذلك لا يمكن تطبيقه لنفس النكتة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) من القبح العقلي فإنها تأتي حينئذٍ ، فإذن هناك نكتتان لعدم إمكان تطبيق حديث الرفع لا فقط مسالة أنّ الضرر هنا لا يلحق بالوالي المكرَه ، وإنما من باب القبح العقلي كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، فهذا قبيحٌ عقلاً وأحاديث التقيّة جاءت للحفاظ على كلّ المؤمنين ولم تأتِ على إدخال ضررٍ على مؤمنٍ في سبيل التحفّظ على المؤمن الآخر ، وهذه قضية جانبية ليست بمهمّة ولكنها علمية ظريفة.

ونقول شيئاً آخر:- وهو أننا لم نعرف ماذا يصنع الوالي المكرَه فإنه لا يمكنه تطبيق نفي الاكراه ، كما لا يمكنه تطبيق قاعدة نفي الحرج ، فماذا يصنع - والشيخ(قده) لم يذكر ماذا يصنع الوالي بالصراحة - ؟

والجواب:- قد يأتي إلى الذهن أن المورد من باب التزاحم ، فنطبق قواعد باب التزاحم ، فإن نهب مال كلّ مؤمن حرام ، فتوجد حرمتان حرمة نهب مال الأول وحرمة نهب مال الثاني ، فيصير بينهما تزاحم لأنه لا يمكن امتثالهما معاً فيقدّم الأهم.

ولكن نقول:- هذا ليس بصحيح ، فإنّ نهب مال الأوّل الذي أمَرَه به الجائر صحيحٌ أنه حرام - والمفروض أنّ حديث نفي الاكراه لا يمكن تطبيقه فهو حرام - ولكن أين الحرام الثاني في حقّ الوالي المكره ؟ إنّه لا يوجد حرام ثاني ، بل غاية ما يلزم هو أنّ السلطان الجائر هو الذي سوف ينهب مال المؤمن الثاني وهذه ليست حرمة على الوالي المكره وإنما هي حرمة على السلطان ، والتحفظ على أموال المؤمنين ليس بواجب ، نعم لو فرض أنه لو لم أنهب مال الأول فيقول لي سوف أقتل الثاني ففي مثل هذه الحالة يكون الحفاظ على دم المؤمن لازماً ، فتصير هنا مزاحمة بين حرمة نهب مال المؤمن الأوّل وبين وجوب التحفّظ على دم المؤمن الثاني فيقدّم الأهم منهما وهو التحفظ على دم المؤمن ، ولكن مفروضنا ليس التهديد بقتل المؤمن الثاني بل نهب مال المؤمن الثاني وهذا ليس بحرامٍ على الوالي المكره ، بل هو حرامٌ على السلطان الجائر ، فلا يوجد تزاحم في البين ، فإذن ماذا أصنع أنا الوالي ؟

نقول له:- ليس عليك شيء ، لأنّ المفروض أنه إذا لم تفعل شيئاً فسوف يُنهب مال المؤمن الثاني ولكن والحفاظ عليه ليس بلازم ، وعلى هذا الأساس لا يجب التحفّظ على مال المؤمن الثاني ، وليس من البعيد أنّ هذا يستفاد من كلام الشيخ الأعظم(قده) ولكن لم يبيّنه بصورةٍ صريحة ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.


[1] يعني التي دل عليها حديث الاحتجاج وأنه يجوز الاتقاء حفظاً للمؤمنين.
[2] وقصده من الغير هو المؤمن الثاني.
[3] فكلمة مع هنا بمعنى بعد.
[4] أي المؤمن الاول.
[5] اي المؤمن الثاني.
[6] والمفروض ان السلطان لم يقل للوالي المكره لو لم تنهب فأنا سوف أزجك في السجن، بل قال له إذا لم تنهب مال هذا الشخص فأنا سوف أنهب مال شخص آخر.
[7] أي رواية الاحتجاج.