36/08/21


تحمیل

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الكلمة التوجيهية بمناسبة نهاية العام الحالي
ختاما للبحث نذكّر بأمور تفيد الطلبة وتفيد الناس:
الاول : أنّ مسؤولية جميع طبقات المجتمع من العالية إلى الدانية أمام الله تعالى ونبيه الأكرم صلى الله تعلى عليه وأله وأمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وأمام إمام العصر عليه السلام، وأمام العلماء الماضيين الذين جاهدوا وتحمّلوا التضحيات والانتهاكات والمضايقات من قبل حكومة الوقت للحفاظ على مكانة هذه الحوزة العلمية الغريقة والعميقة، فمسؤولية الجميع الحفاظ على دراسة هذه الحوزة العلمية وعلى الأفكار العميقة فيها، لأنّ حوزة النجف المقدّس تمتاز عن سائر الحوزات بعمقها الفكري، فإنّ من مدرسة النجف تخرّج الرجال المفكّرين في جميع أنحاء العالم والعلماء البارزين، ولم يتخرّج من سائر المدارس الفقهية الجعفرية مثل ما تخرّج من مدرسة النجف الأشرف، وهذه الناحية تمتاز بها مدرسة النجف الأشرف عن غيرها، فعلينّا الحفاظ على هذه المدرسة، لأنّ هذه المدرسة بأفكارها العالية والعميقة تحافظ على سلامة المذهب من الأفكار المتطرّفة والمنحرفة وتحافظ على اعتداله، فإنّ الاعتدال طريقة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وأئمة أهل البيت(عليه السلام)، ونحن تابعون لهم، ومن هنا يتعامل النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) مع أعدائه من المشركين بالاعتدال حتى نزل في حقه (وإنّك لعلى خلق عظيم )[1]، وكذا سائر الأئمة الأطهار (عليه السلام) ومنهم أمير المؤمنين(عليه السلام) رغم أنّه غُصب حقّه وأُحرق بابه وأُسقط جنين حريمه ومع ذلك يتعامل معهم بالاعتدال، فلا بدّ أن تكون هذه طريقتنا وهي التعامل مع الجميع بالاعتدال وبابتسامة الوجه والكلام الحسن والطيب، فهذا يورث المودّة والمحبّة، فهذه وظيفتنا.
الثاني : أن الدراسة المهمة في هذه المدرسة هي دراسة علمي الأصول والفقه، لأن جميع أفعال ووظائف الناس من قبل الله تعالى تبتني على هذين العلمين، إذ هما طريقة بيان وظيفة الناس، وأما سائر العلوم فلا، أما علم الفلسفة فهو تضييع للوقت ولا أثر له أصلاً، وأما العرفان فلا أصل له، بل العرفان الحقيقي هو فقه الأئمة (عليه السلام)، وتوسعة علم الأصول إنما هي بتوسعة علم الفقه باعتبار أنهما علمان مترابطان في جميع الأدوار، لأنّ المدرسة الفقهية تتولّد من المدرسة الأصولية، لأنّ الفقه ليس علما مستقلاً، بل يتولّد من الأصول، ولهذا فهو مرتبط بعلم الأصول، والفقه بما أنّه يتوسّع وقتاً بعد وقت وقرناً بعد قرن من جهة حدوث الحوادث في العالم، فكلما حدثت الحوادث في العالم يتوسّع الفقه، وتوسّع الفقه يقتضي توسّع الأصول أيضاً، لأنّهما علمان مترابطان في طول التأريخ وفي جميع الأدوار، ومن هنا لا يقاس الفقه بعلم الطبّ، لأنّ علم الطبّ في موضوع خاصّ وكذلك علم الهندسة وما شاكل ذلك من سائر العلوم، وأما علم الفقه فهو يعمّ جميع الأشياء ولا يكون في موضوع خاصّ، ولهذا لا بدّ من التعب وبذل الجهد في سبيل تحصيل علمي الفقه والأصول.
فعلى الطلبة أن يهتمّوا بهاذين العلمين، فيصرفوا الوقت في المطالعة والمباحثة والدروس، فلا يضيّعوا الوقت إلا في الضروريات والواجبات حتى يصلوا إلى مرتبة من هذه العلوم.
الثالث : نسمع في هذه الأوقات أنّ بعض الطلاب يميل إلى نظام المؤسسات.
ونقول هنا : إنّ المؤسسات في داخل الحوزة تضرّ بالحوزة وتحدّدها، والطالب لا بدّ أن يكون حرّاً في درسه وانتخاب أستاذه، فكل مَن أراد تأسيس مؤسسات فهو مسؤول أمام الله تعالى وأمام النبي الأكرم وأمام علي بن أبي طالب وأمام إمام العصر (سلام الله عليهم) وأمام العلماء الماضين(قدهم)، فعلينا الحفاظ على عظمة هذه الحوزة واستقلاليتها وعدم ارتباطها بالدولة ولا بأيّ مؤسسة أخرى لا دينية ولا مدنية، فلا بدّ أن تكون الحوزة مستقلة في نظامها التعليمي ونظامها السياسي ونظامها الاقتصادي، فلا تقبل من الدولة درهماً ولا ديناراً.
تحمّلوا الجوع والفقر – كما تحمّل علماؤنا في السابق الجوع والفقر- ولم يقبلوا من الدولة ديناراً لأجل حفظ مكانة هذه المدرسة وهذه الحوزة المقدسة، فإنّ عظمة هذه الحوزة إنّما هي باستقلاليّتها وعدم ارتباطها بالدولة، فلا يكون الطلبة موظفين لدى الدولة، بل هم موظفون عند إمام العصر (ع) ووظيفتهم خدمة الدين وخدمة المذهب.
الرابع : أنّ التعطيل الصيفي فرصة ذهبية للطلبة لمراجعة دروسهم وكتاباتهم في أي وقت من الأوقات، لا سيما في شهر رمضان وهو شهر البركة وشهر الإرشاد وشهر بيان الأحكام الشرعية، فعلى الطلبة في بلادهم ومحافظاتهم وخصوصاّ في ليالي شهر رمضان، بل في كل مجلس بيان الأحكام الشرعية، فإنّ جهل شعب العراق بالأحكام الشرعية لا حدود له، وهذا تقصير من العلماء ومن الطلبة ومن الوعّاظ والخطباء، فعليهم بيان الأحكام الشرعية ووظائف الناس الشرعية من الطهارة إلى الصلاة والصوم وهكذا، ثم بيان الآداب والأخلاق للناس وفضائل الرسول الأكرم(ص) وفضائل الأئمة الأطهار(ع) ومصائبهم وأحوالهم، فلا بدّ من أن يكون الاهتمام الأول ببيان الأحكام الشرعية، فإنّه من وجباتنا في كل مجلس، وإذا كان الطالب يصلي الجماعة فعليه أن يبيّن الأحكام بين الصلاتين، ومَن كان خطيباً فليبيّن الأحكام الشرعية في المجلس.
وأيضاً وظيفة الطلبة دعوة الناس إلى الاعتدال ووحدة الكلمة والصف والتلاحم والتوافق والاجتناب عن النفاق، فإن النفاق يضرّ في ديننا ودنيانا، ودعوة الناس إلى مساعدة الفقراء والضعفاء والأيتام والأرامل والمرضى، وأيضاً على الطلبة أن يطلبوا من الناس مطالبة الحكومةــــ بطرق سلمية ــــ بتوفير الخدمات الأولية من الكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والسكن للناس، هذه هي وظيفتنا ووظيفتكم.
وفي الختام نلتمس الدعاء من الجميع والدعاء من الله تعالى بطلب الفرج ودفع البلاء وشرّ هؤلاء المجرمين عن البلد وحفظ شبابنا بحق أمير المؤمنين(ع).