33/01/17


تحمیل
  (بحث يوم الثلاثاء 17 محرم الحرام 1433 ه 43)
 الكلام في سند رواية الأصبغ بن نباتة المروية في الوسائل نقلاً عن كتاب (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال) فقد رواها الشيخ الصدوق عن أبيه عن أحمد بن إدريس (القمي) عن محمد بن أحمد (بن يحيى) عن موسى بن عمر (أو عمران) عن ابن سنان عن أبي الجارود عن سعد الإسكاف عن الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) [1] .
 وهذا السند لا يختلف عما هو المذكور في الوسائل إلا في موسى الراوي عن ابن سنان فإن الموجود في (ثواب الأعمال) موسى بن عمران في حين أن الموجود في الوسائل موسى بن عمر ولكن لا يبعد صحة ما في الوسائل وذلك لأن محمد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) يروي عن موسى بن عمر بهذا العنوان كما يروي عن موسى بن عمرو بن يزيد ولا توجد له رواية عن موسى بن عمران على ما ذكره المحققون وهذه قرينة يمكن التعويل عليها للقول بصحة ما في الوسائل دون ما في (ثواب الأعمال) ، وموسى بن عمر وإن كان مشتركاً بين جماعة لكن الذي يظهر بقرينة رواية صاحب نوادر الحكمة عنه أن المراد به هو موسى بن عمر بن يزيد الصيقل وهو ممّن لم يرد فيه توثيق لا موسى بن عمر بن بزيع المنصوص على وثاقته ، نعم .. بالاعتماد على كبرى وثاقة كل من روى عنه صاحب نوادر الحكمة ولم يستثنه محمد بن الحسن بن الوليد فيمكن حينئذ توثيقه بناء على أن دخول الراوي في المستثنى منه توثيق له من قبل محمد بن أحمد بن يحيى وهذا التوثيق مقبول عند ابن الوليد بدلالة عدم استثنائه من قبله .
 وتبرز عندنا في سند الرواية المذكورة مشكلتان :
 الأولى : إنه قد تقدّم في بحث سابق أن هذا التوثيق مختصّ بمن يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى في خصوص نوادر الحكمة إذ لم يثبت هذا الأمر لكل من يروي عنه في غيره ، ومن الواضح أنه لا يروي عنه هذه الرواية في هذا الكتاب .
 ومستند هذا الكلام ما تقدّم ذكره من أن الشيخ الطوسي (قده) عندما يبتدئ باسم صاحب كتاب في أول السند فهو يأخذ الرواية من كتابه ولكن هذا الأمر غير حاصل في هذه الرواية بالنسبة إلى محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر بن يزيد فإن الشيخ (قده) لا يذكرها في كتبه لكي نستفيد من ذلك أنه أخذها من كتاب نوادر الحكمة في ما لو ابتدأ بسندها عنه ونطبّق كبرى ذلك التوثيق [2] ونخرج بوثاقة الرجل وإنما الموجود هو ذكرها في كتاب (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال) للشيخ الصدوق (قده) وهذا ما لا يُجدي في ما نحن فيه .
 ولكن يمكن التغلّب على هذه المشكلة والالتزام بوثاقة هذا الرجل تمسّكاً بتلك الكبرى في ما إذا فرضنا أن محمد بن أحمد بن يحيى يروي عن موسى بن عمر بن يزيد في نوادر الحكمة ولو في غير هذه الرواية ، والظاهر أن الأمر كذلك فإن هناك موارد [3] ابتدأ فيها الشيخ (قده) بمحمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر بن يزيد فيثبت بذلك أن موسى بن عمر بن يزيد هو من رجال نوادر الحكمة وهذا المقدار يكفي بعد ضميمة عدم استثناء ابن الوليد له ، ولا خصوصية في المقام لخصوص تلك الرواية .
 المشكلة الثانية : إن ابن سنان الذي يروي عنه موسى بن عمر مردّد بين عبد الله بن سنان الذي لا إشكال في وثاقته ومحمد بن سنان الذي فيه كلام معروف .
 ولكن الظاهر أن هذا الإشكال مندفع وأن المراد به محمد بن سنان وذلك لقرائن :
 أولاً : إن موسى بن عمر بهذا العنوان وكذلك بعنوان موسى بن عمر بن يزيد إنما يروي عن محمد بن سنان ولا يروي عن عبد الله بن سنان .
 ثانياً : إن من المعروف عند الرجاليين أن محمد بن سنان يروي عن أبي الجارود كثيراً بهذا العنوان [4] وبعنوان زياد بن المنذر [5] حتى إن الغضائري قال في ترجمته : " وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرجني " ، والنجاشي في ترجمته أيضاً ذكر رواية بسنده [6] عن محمد بن سنان قال فيها : " قال لي أبي الجارود : وُلدت أعمى ما رأيت الدنيا قطّ " ، وهذا يُثبت أن محمد بن سنان كان من أصحاب أبي الجارود ويروي عنه .
 ثالثاً : إن عبد الله بن سنان لا توجد له إلا رواية واحدة عن أبي الجارود وبالتحديد في أحد الكتب الأربعة [7] ، نعم .. له في غيرها روايات عنه لكنها روايات نادرة [8] .
 إذاً فابن سنان على الاحتمال الأقوى هو محمد بن سنان وفيه كلام .. وسيأتي البحث في تحقيق وثاقته .
 وأما أبو الجارود فهو زياد بن المنذر كوفي زيدي له أصل أعمى وله كتاب التفسير روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وتغيّر لمّا خرج زيد [9] ، ليس له توثيق صريح إلا من قبل الشيخ المفيد (قده) في الرسالة العددية التي ردّ فيها على الرأي الذي تبنّاه الشيخ الصدوق وغيره من أن هلال شهر رمضان لا يختلف باختلاف الشهور فهو تام دائماً [10] ولا ينقص فقد ذكر في رسالته جملة من الأشخاص قال إنهم رووا أن شهر رمضان حاله حال سائر الشهور يزيد وينقص وأن هؤلاء الذين رووا هذا المعنى هم من الرواة الأعلام الذين يُؤخذ عنهم الحلال والحرام والفُتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم ، وعدّ أبا الجارود واحداً منهم فيكون هذا توثيقاً صريحاً للرجل .
 هذا هو المدرك الوحيد لإثبات وثاقة الرجل ، نعم .. يمكن أن يُستفاد من عبارة الغضائري المتقدّمة الاعتماد عليه لأنه قال : (وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرجني) حيث يُفهم منها الاعتماد على روايات الرجل وإن كان برواية الأرجني عنه .
 ولكن في المقابل نقل الكشي عدة روايات في ذمّ أبي الجارود وفي بعضها كونه كذّاباً .. لكن الظاهر أن كل الروايات التي نقلها الكشي ضعيفة السند يصعب التعويل عليها لإثبات ضعف الرجل ، ونقل ابن النديم في الفهرست عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه لعن أبا الجارود وقال إنه أعمى القلب أعمى البصر .
 هذا .. والعمدة توثيق الشيخ المفيد فإذا ثبت ثبت بموجبه وثاقة الرجل وإلا كان الحاكم فيه روايات التضعيف ، ومن هنا لا بد من بسط الكلام على توثيق الشيخ المفيد فأقول :
 إن هناك ملاحظات على توثيقاته الذي ذكرها في رسالته [11] وفي الإرشاد ففي الرسالة بلغ مجموع من وثّقهم وذكر لهم روايات على أن شهر رمضان يزيد وينقص أربعة وعشرين شخصاً وقد عبّر عنهم بأنهم يُؤخذ عنهم الحلال والحرام .. إلخ ومنهم أبو الجارود ، ثم ذكر في الرسالة نفسها أسماء ثلاثة وعشرين آخرين رووا هذا المعنى [12] لكن لم يذكر نصّ رواياتهم معللاً ذلك بأنه قد اختصر ذكر المتون والأسانيد ، وأما في الإرشاد فقد ذكر في فصل النصّ على إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) [13] سبعة من الرواة وقال إنهم : " من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رضي الله عنهم " ، وفي فصل النصّ على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) ذكر اثني عشر راوياً وذكر أنهم : " من خاصة أبيه وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته " فالشيخ المفيد لديه توثيقات لجماعة من الرواة في الرسالة العددية ولديه توثيقات أخرى لجماعة في الإرشاد ، والبحث في توثيقاته عام يشمل كلا الموردين وإن كان ما يخصّنا هنا توثيقه لأبي الجارود في الرسالة العددية .
 إذا عرفت هذا فاعلم أن هناك خلافاً بين المحققين الرجاليين في تقييم توثيقات الشيخ المفيد لاسيّما في الإرشاد فمنهم من أخذ بتوثيقاته على القاعدة واستند إليها :
 ومن أهمّ الآخذين بها الشيخ الوحيد في فوائده [14] ويُستفاد من عبارته الاعتماد على ذلك كما يُستفاد من عبائر أخرى له فإن الشيخ الوحيد وإن تأمّل في استفادة العدالة بالمعنى الاصطلاحي منها [15] إلا أنه ذكر أنه يُستفاد منها الوثاقة والاعتماد وقد جرى في جملة من الرواة كذلك معتمداً عليهم استناداً إلى توثيق المفيد وصرّح بذلك كما سيأتي .
 ومنهم أيضاً الفاضل الجزائري في ترجمة داوود بن زُربي [16] فقد صرّح باعتماده على توثيقات المفيد بل يظهر من العلامة في الخلاصة كفاية التوثيق من عبارة المفيد حيث نقل في ترجمة محمد بن سنان توثيق المفيد له مع أنه ليس للمفيد عبارة في توثيقه سوى ما ذكره في الإرشاد من أنه ممن نصّ على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) وساق العبارة المذكورة [17] فيظهر أنه يستفيد من عبارته التوثيق له وظاهره الأخذ بذلك .
 ومنهم أيضاً السيد الخوئي (قده) حيث بنى على وثاقة أبي الجارود معتمداً على توثيقات الشيخ المفيد في الرسالة العددية ووجوده في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي .
 وفي المقابل من شكّك في الأخذ بهذه التوثيقات وأهمهم المحقق الشيخ محمد بن الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني كما نقل عنه الشيخ الوحيد [18] ذاكراً أنه علّله بتحققها بالنسبة إلى جماعة اختصّ بهم [19] من دون كتب الرجال بل وقع التصريح بضعفهم من غيره على وجه يقرب الاتفاق على ضعفهم ، ثم ذكر الشيخ الوحيد أنه : " لعل مراده من التوثيق شيء آخر وإلا فمن الصعب جداً الالتزام بتوثيق جماعة يختص بتوثيقهم من دون كتب الرجال بل بعضهم اتفقوا على ضعفه) .
 ويمكن أن نضيف إلى هذا التشكيك أن المفيد نفسه قال في حقّ محمد بن سنان في الرسالة العددية معلّقاً على حديثٍ : (طريقه محمد بن سنان وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه) في حين أنه ذكره في الإرشاد ضمن من نصّ على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) من ثقاة الإمام وخواصّه وأهل الورع والعلم [20] بل استدلّ في الرسالة نفسها على مدّعاه من أن شهر رمضان كباقي الشهور يزيد وينقص وبعد عدة صفحات من كلامه المتقدّم في حقّ محمد بن سنان [21] برواية يرويها محمد بن سنان عن أبي الجارود .. وهذا أشبه بالتهافت [22] ، ومن الواضح أنه من الصعوبة أن نجمع بين كون ابن سنان من خواص الإمام (عليه السلام) وثقاته وأهل العلم والورع .. إلخ وبين أنه قد اتفقت العصابة على اتهامه وضعفه .. إلخ .


[1] " قال : أيّما والٍ احتجب من حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ، وإن أخذ هدية كان غلولاً، وإن أخذ الرشوة فهو مشرك " الوسائل مج17 ص94 الباب الخامس من أبواب ما يُكتسب به الحديث العاشر .
[2] يعني وثاقة كل من روى عنه صاحب نوادر الحكمة ولم يستثنه محمد بن الحسن بن الوليد .
[3] يُلاحظ التهذيب مج2 ص87 ، ومج6 ص47 و240 و396 ، ومج8 ص225 ، وقد يجد المتتبّع غيرها .
[4] يعني أبي الجارود .
[5] وهو اسم أبي الجارود .
[6] أي بسند النجاشي نفسه .
[7] وهي ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي الجارود قال : " قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ... إلخ الرواية " الكافي مج1 ص60 .
[8] لم أعثر إلا على الرواية المتقدمة عن الكافي ذكرها في المحاسن ص269 .
[9] رجال النجاشي ص170 .
[10] أي ثلاثون يوماً .
[11] أي الرسالة العددية .
[12] أي من أن شهر رمضان يزيد وينقص .
[13] الإرشاد مج2 ص16 .
[14] في الفائدة الثالثة .
[15] أي من عبارات الشيخ المفيد .
[16] الحاوي مج1 ص361 المطبوع حديثاً .
[17] أي من أنهم من خاصة أبيه وثقاته وأهل الورع .. إلخ .
[18] والمظنون أنه أخذه من كتاب المحقق الشيخ محمد المعروف باستقصاء الاعتبار .
[19] أي الشيخ المفيد (رض) .
[20] يُلاحظ الإرشاد ص20 .
[21] من كونه مطعوناً فيه .. إلخ .
[22] أي بين ما ذكره في الإرشاد وما ذكره في الرسالة العددية .