37/12/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 21 ) القيافة - المكاسب المحرمة.

إن قلت:- نحن قد ذكرنا في مبحث العلم الاجمالي وهكذا في باب الاستصحاب أنه لو كان عندنا إناءان نعلم أنّ أحدهما قد تنجس جزماً فهناك بحث بين الأصوليين والفقهاء أنّه هل يمكن أن يجري أصل الطهارة في كليهما - أو استصحاب الطهارة - أو لا ؟ ، وهكذا إذا كنّا نعلم بحرمة أحدهما فأصل الحلّية هل يجري في كليهما أو لا ؟ ، وهذا قد تعرضوا إليه في الكفاية والرسائل وقد أشرنا إليه في البحث الخارج من علم الأصول ، وقال جماعة من الأصوليون أو الفقهاء إنّه لا يمكن ذلك لأنه يلزم من ذلك الترخيص في المعصية ، لأنه إذا جرى كلا الأصلين فسوف يلزم من ذلك جواز شربهما وبالتالي قد شربت النجس حتماً فالمولى يلزم منه الترخيص في المعصية والترخيص في المعصية قبيح ، هذا ما قاله الشيخ النائيني(قده) ، وربما يظهر ذلك من الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل ، فعلى هذا الأساس لا يجري كلا الأصلين.

ونحن في هذا الموضع ذكرنا أنه لا محذور في أن يجري كلا الأصلين ، لأجل أنّ حكم العقل بقبح المعصية موقوفٌ على أنّ لا يرخّص الشارع لمصلحةٍ من لمصالح ، أما إذا رخّص لمصلحةٍ لا نعرفها فلا محذور حينذاك ، ولكن رغم هذا نحن منعنا من جريان الأصلين معاً ولكن لمحذورٍ اثباتي وليس لمحذورٍ ثبوتي ، فالشيخ النائيني والأنصاري وغيرهما يظهر منهم أنّ المحذور ثبوتي هو الترخيص في المعصية ، ونحن قلنا إنَّ المحذور الثبوتي ليس موجوداً لأنّ حكم العقل بقبح المعصية حكمٌ معلّقٌ وليس حكماً تنجيزياً وإنما المحذور اثباتي ، بمعنى أنّ العقلاء لا يتقبّلون الترخيص في ارتكاب شيءٍ يعلم بأنّ أحدهما نجس أو حرام - فالقضية عقلائية وليست عقلية ، وقصدي من العقلاء هنا الناس فالإنسان لا يتقبّل هذا الشيء بذوقه العرفي العقلائي لا أنّ الحيثية حيثية عقل - ، فهذا الشعور بالتنافي وارتكاز التنافي يصير سبباً لانصراف دليل أصل الحلّ ودليل أصل الطهارة ودليل الاستصحاب إلى حالات الشك البدوي دون الشبهة المحصورة . إذن هذه الأدلة - دليل الاستصحاب وأصل الطهارة وأصل الحلّية - لا يشمل كلا الطرفين اللذين نعلم بأنّ أحدهما حرام أو نجس للمحذور الاثباتي وهو أنّ العقلاء يتقبّلون وعدم تقبلهم يصير سبباً لانصراف الدليل ، يعني أشبه بالقرينة المتصلة بالدليل فتمنع من شمول الدليل لمثل هذ الحالة.

بناءً على ما ذكرناه ربّ قائل يقول:- نحن في مقامنا قلنا نستصحب جواز النظر من حالة الصِغَر نستصحب في نفس الوقت عدم استحقاق الإرث ، فنحن أجرينا استصحابين والحال على أنّنا نعلم ببطلان أحدهما ، ومع العلم ببطلان أحد الاستصحابين تأتي تلك النكتة التي أشرنا إليها وهي أنّ العقلاء لا يتقبّلون شمول دليل الاستصحاب لكلا الطرفين فيحصل انصراف في مثل هذا المورد بسبب الشعور بالتنافي بين جريان الاستصحاب في كليهما وبين العلم بعدم ثبوت أحد الحكمين ، فتلك النكتة التي ذكرناها تسري هنا ، فبالتالي لا يجري الاستصحابان.

قلت:- نسلّم أنّ كلا الاستصحابين لا يجريان لما ذكرت للعلم ببطلان أحدهما فيكون دليل الاستصحاب منصرفاً عن مثل هذا المورد ، ولكن إذا لم يجرِ الاستصحابان يوجد أصلٌ آخر يجري بلا منازع وهو أصل البراءة ، فبلحاظ جواز النظر يوجد أصل البراءة فيجري أصل البراءة بالنسبة إلى جواز النظر ، ويبقى حينئذٍ الطرف الثاني وهو عدم استحقاق الإرث يجري فيه الاستصحاب حينئذٍ بلا مانع ، فأحد الأصلين هو الاستصحاب والأصل الثاني هو أصل البراءة وذلك المطلب الذي ذكرناه يختصّ بما إذا كان كلا الأصلين من جنسٍ واحد . إذن هذه نكتة جديدة استفدناها وهي أنه إذا فرض أنّ الأصلين اللذين نعلم ببطلان أحدهما كانا من جنس دليل واحد كأن كان كلاهما استصحاب أو كلاهما أصل الطهارة أو كلاهما أصل الحلّية ففي مثل هذه الحالة لا يمكن أن يجري كلاهما لأجل ما أشرنا إليه من الانصراف أما إذا كانا من جنسين فلا مانع من ذلك فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.

وتوجد نكتة أخرى:- وهي أنّا ذكرنا في البداية - في الشبهة المتقدّمة - أنه قد يخطر إلى الذهن أنا لا نحتاج إلى دليل على عدم حجّية القيافة بل يكفينا عدم الدليل لأن ترتيب الأثر هو الذي يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فلا يمكن ترتيب الآثار ، فإذن لا نحتاج إلى دليل على عدم حجية القيافة ، ونحن أجبنا وقلنا بأنّ هذا يتم بناءً على القاعدة النائينية وعلى استصحاب العدم الأزلي ، وهذا فلنعدّه جواباً أوّلاً.

وهنا نذكر جواباً ثانياً:- وهو أنه لو غضضنا النظر عمّا أجبنا به في الجواب الأوّل هناك جواب ثانٍ وذلك بأن نقول:- إنّ هذا يتم فيما إذا فرضنا أنا أردنا أن نرتّب الآثار ، مثلاً القافة قالوا هذا الولد الذي لم يولد في بيتي وإنما قالوا هذا الولد الذي من بيتٍ آخر هو ابنك بالمشابهة ، فالمقصود هو أنه هنا ترتيب الآثار هو الذي يحتاج إلى دليل وهذا مقبول - فإنه يأتي الكلام وهو أن ترتيب الآثار يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فلا يمكن ترتيب الآثار وبالتالي سوف تصير القيافة ليست حجة - ، أما إذا فرض أنّ الولد ولد في بيتي ومن زوجتي وجاء القافة وقالوا هو ليس ابنك ففي مثل هذه الحالة بناءً على ذلك الكلام وتلك الشبهة التي خطرت إلى الذهن - وهو أنّ نفي الآثار لا يحتاج إلى دليل - يلزم أن لا نرتّب الآثار فلا يجوز النظر ولا يستحق الإرث ونتيجة هذا سوف تصير حجية القيافة وليس عدم حجيتها ونحن المفروض في صدد نفي حجيتها بينما هذا الكلام الذي ذكر لازمه حجّية القيافة في بعض الحالات ، فهذا الدليل وهذا الوجه إذن أخصّ من المدّعى ، ولئن نفع في نفي حجّية القيافة فهو ينفع فيما إذا فرض أنّ الولد أتي به من الخارج وأُلحِق بي أما لو فرض بالعكس - يعني ولد في بيتي والقافة أرادوا أن ينفوه - ففي مثل هذه الحالة يلزم أن لا أرتّب الآثار وحينئذٍ هذا يلزم منه حجّية القيافة والمفروض أننا بصدد إثبات عدم حجّية القيافة ، فبالتالي ذلك الكلام الذي ذكر - وهو أنّ نفي الأثر لا يحتاج إلى دليل وإنما الذي يحتاج إلى دليل هو ثبوت الأثر - ينفع في الحالة الأولى يعني إذا فرض أنّ الولد ولد خارج بيتي وأريد إلحاقه بي من خلال القيافة ، أما إذا فرض العكس فيلزم من ذلك نفيه وبالتالي سوف لا نرتّب الآثار فالنتيجة سوف تكون هي حجّية القيافة ، وهذا عكس المقصود لأنّ ما أريد إثباته هو عدم حجّية القيافة لا إثبات حجّية القيافة ، بينهما هنا سوف يلزم إثبات حجّية القيافة في الحالة الثانية.

وبهذا ننهي كلامنا عن هذا التساؤل وهذه الشبهة التي قد تخطر إلى الذهن.