38/01/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة مسألة ( 24 ) النجش ، مسألة ( 25 ) التنجيم - المكاسب المحرمة.

ثم لا يخفى أن السيد الخوئي(قده) هو لم يرتض سند الروايتين ، فهو قد ضعّف الروايتين من حيث السند وقال إذا كان سند الروايتين ضعيفاً والمفروض أنّ أصل الاجماع المنقول - من قبل جامع المقاصد والمنتهى - لم تثبت حجيته وضمّ غير الحجة إلى غير الحجة لا ينتج الحجّة.

فإذن المناسب الحرمة ليست ثابتة عنده والفتوى بالحرمة شيء غير ممكن ، وكان المناسب أن ينتقل إلى الاحتياط الوجوبي ولكنه في المتن يظهر منه الفتوى بالحرمة ، وهذا تهافتٌ بين ما انتهى إليه من عدم تماميّة مدرك التحريم وبين ما هو المثبت في متن المنهاج.

نقاط ثلاث:-

النقطة الأولى:- بناءً على حرمة النجش هل يشترط في حرمته التواطؤ بين الطرفين أن يكفي الناجش أن يزيد ولو من دون تواطؤ مع البائع ؟

ربما يقال باشتراط ذلك ، يعني الحرمة ثابتة في حالة التواطؤ بين الطرفين والوجه في ذلك هو أنّ الرواية الأولى قالت ( الناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد ) ومن الواضح أنّ اللعن للبائع إذا لم يكن قد توطأ مع ذلك الناجش لا وجه فنفس إثبات اللعن في حقه قرينة عرفية على أنه هناك اتفاق بينه وبين ذلك الطرف أي البائع فالحرمة تختصّ بحالة التواطؤ بين الطرفين.

لا يقال:- هذا صحيح وارد في الرواية الأولى ، بيد أن الرواية الثانية لم يرد فيها هذه القرينة فنتمسّك حينئذٍ بإطلاقها والرواية الثانية كانت تقول ( لا تناجشوا ولا تدابروا ) بناء على تمامية دلالتها فهذه فيها إطلاق من هذه الناحية.

فإنه يقال:- إثبات اللعن في الرواية الأولى هو قرينة على الاختصاص فتكون الرواية الأولى التي ذكرت اللعن بمثابة المخصص أو المقيد لإطلاق الرواية الثانية فبالتالي الحرمة تختص بحالة المواطاة ، هكذا ذكر غير واحد من الأعلام.

بيد أنه يمكن أن يقال يكفي لوجاهة التعبير باللعن أنّ لبائع حينما يسمع هذا الناجش يزيد في السلعة هو يرتاح نفسياً ويسكت عنه ولا يقول له لا تفعلنَّ ذلك فسكوته هو إمضاء لفعل الناجش من هذه الناحية يكون مستحقاً للّعن ، فلعلّ اللعن جاء من هذه الناحية أي من ناحية أنه رضي عمّا يصدر من انحراف من قبل الناجش ، بهذا الاعتبار صحّ توجه اللعن إليه ، فإذن التعبير باللعن لازم أعمّ من تحقق المواطاة فعلى هذا الأساس يبقى اطلاق الرواية الثانية على حاله من هذه الناحية.

والخلاصة التي انتهينا بناءً على حرمة النجش المناسب تعميم الحرمة لحالة المواطاة وعدمها.

النقطة الثانية:- إنه بناءً على حرمة النجش هل يحكم ببطلان البيع أو لا بل هو مجرّد فعل حرام من دون أن يكون البيع باطلا ؟

المناسب بمقتضى القاعدة عدم البطلان وذلك لوجهين:-

الأوّل:- إنَّ النهي الذكور تكليفي وقد قرأنا في الأصول أنَّ النهي التكليفي عن المعاملة لا يدلّ فسادها فإذن على هذا الأساس لا موجب للحكم بالفساد لأنّ النهي تكليفي وهو لا يقتضي الفساد في باب المعاملة وإنما يقتضي الفساد في باب العبادة هذا مطلب قرر في الأصول من دون كلام.

ثانياً:- لو سلّمنا وتنزلنا وقلنا إنَّ النهي التكليفي في باب المعاملة أيضاً يقتضي الفساد ولكن فيما إذا كان النهي عن نفس المعاملة ، أما إذا كان النهي عن شيء أجنبي عن المعاملة وخارج عنها فلا موجب لبطلانها آنذاك ، والأمر في المقام كذلك ، يعني أنَّ النهي ليس عن نفس البيع ، النهي إنما هو عن عمل الزيادة الصادرة قبل البيع فعملية النجش تحقق قبل البيع فهذه الزيادة حرام والروايات لم تقل البيع حرام بل قالت هذه الزيادة من قبل الناجش هو حرام ، فإذن لا معنى لتصوّر بطلان المعاملة.

النقطة الثالثة:- إنه بعد البناء على صحة البيع نسأل هل يثبت الخيار للمشتري بعد أن يتضح له الحال وأنَّ هذا البائع متواطئ مع الناجش في الزيادة فيثبت له الخيار أو لا ؟

والجواب:- إذا فرض تحقّق الغبن وأنَّ سعر هذا المبيع أقل بكثير مما اشتراه به فيصدق عنوان الغبن حينئذٍ فلا بأس بثبوت الخيار من باب الغبن ، وكذلك الحكم لو كان يوجد عيب في المبيع ، أما لو فرض أنه لا يوجد غبن ولا عيب وإنما مجرّد كان الثمن مرتفعاً قليلاً عن الثمن المناسب ففي مثل هذه الحالة ثبوت الخيار لا معنى له إذ لا دليل علية ، نعم اللهم إلا إذا كان هناك اشتراط ضمني ، ولكن الاشتراط الضمني فيما إذا فرض أن التفاوت كان كبيراً ، أما إذا كان التفاوت يسيراً فثبوت الخيار لا مجال له.

 

مسألة( 25 ):- التنجيم حرام . وهو الإخبار عن الحوادث مثل الرخص والغلاء والحرّ والبرد ونحوها استناداً إلى الحركات الفلكية والطوارئ الطارئة على الكواكب من الاتصال بينها أو الانفصال أو الاقتران أن نحو ذلك باعتقاد تأثيرها في الحادث على وجه ينافي الاعتقاد بالدين.[1]

..........................................................................................................

وردت روايات متعدّدة في التنجيم ومن بعضها لا يظهر الذمّ ، بل لعلّه يظهر أنّ التنجيم له أساس ولكن المشكلة أنّ قليله لا ينفع في استكشاف ما يراد وكثيره الذي ينفع يصعب الوصول إليه فهو فوق طاقة البشر ، ومن بعضٍ آخر يظهر أنّ التنجيم مذمومٌ بل لعلّه مثلاً يظهر التحريم كما سوف نرى ، هذه صورة مسبقة عن الروايات.

وقد ذكر صاحب الوسائل(قده) هذه الروايات في موردين ، المورد الأوّل في كتاب التجارة وهو المناسب لأجل أنه توجد أبواب في التجارة وهي أبواب ما يحرم المتاجرة والتكسب به وأحدها التنجيم ، يعني أن يصير شخص منجّماً ويتكسب من خلال التنجيم فهذا من الأشياء التي يحتمل حرمتها ، فذِكْره هذه الأخبار في كتاب التجارة في أبواب ما يكتسب به شيء وجيه.

ويوجد بابٌ ثانٍ ذكر فيه قسماً من الروايات وهو كتاب الحج في أبواب آداب السفر من كتاب الحج ، والمهم من هذه الروايات:-

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إنّ الناس يقولون إنّ النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها ؟ فقال:- ليس كما يقولون لا تضرّ بدينك ، ثم قال:- إنكم تنظرون في شيء كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به )[2] .

وهي كما ترى لا تدلّ على حرمة التنجيم ، بل يستفاد منها أنّ له أساساً من الصحّة.

أما سندها:- فالمشكلة إذا كانت موجودة فهي في الحسن بن اسباط فإنه مجهول ، وعبد الرحمن بن سيابة أيضاًً ليس في حقة توثيق إلا اللهم إذا بنينا على وروده في كامل الزيارات أو تفسير القمّي ، فإذا بنينا على هذه الكبرى فهذا شيء آخر ، وأما إذا لم نبنِ على ذلك كما هو الصحيح فهذا الرجل لا دليل على وثاقته.

ورب قائل يقول:- إنّ قولك بأنَّ هذا الرجل لا يمكن أن نوثّقه شيء مقبول ، ولكن يمكن توثقه من خلال هذه الرواية لأنها تدلّ على أنه رجلٌ ملتزم حيث قال فيها:- ( فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها ) ، وهذا يدلّ على أنّ هذا الرجل ملتزم فحينئذٍ هي تدلّ على وثاقته.

والجواب:-

أوّلاً:- إنّ الناقل هو نفسه ، فيجوز أنه يريد أن يظهِر نفسه على درجةٍ عالية من الالتزام.

ثانياً:- إنَّ الحسن بن أسباط موجود في السند ، فلعلّ الرواية موضوعةٌ من هذه الناحية.

إذن من جهتين لا يمكن الاعتماد على هذا الكلام ، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على الرواية ولو في مجال أثبات صحّة التنجيم.

الرواية الثانية:- الكليني عن أحمد بن محمد وعن عليّ بن محمد جميعاً عن علي بن الحسن التيمي عن محمد بن الخطّاب الواسطي عن يونس بن عبد الرحمن عن أحمد بن عمر الحلبي عن حمّاد الأسدي عن هشام الخفاف قال:- ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- كيف بصرك بالنجوم ؟ قال:- قلت:- ما خلّفت بالعرق ابصر بالنجوم مني ، قال:- كيف دوران الفلك عندكم ......... ، ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النجوم ؟! قال:- قلت:- لا والله لا أعلم ذلك ، قال:- فقال:- صدقت إنّ أصل الحساب حقٌّ ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلّهم )[3] .