33/04/17


تحمیل
  (بحث يوم الأحد 17 ربيع الثاني 1433 هـ 93)
 الموضوع :- المسألة العاشرة / الصورة الثالثة : سكوت المدعى عليه / فروع متعلقة بقضية لزوم كون إحلاف الحاكم للمنكر بموافقة المدّعي وطلبه / الفرع الثاني / في الاحتياج إلى حكم الحاكم في ترتب الآثار على يمين المنكر الجامع للشرائط المعتبرة / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في مسألة الاحتياج إلى حكم الحاكم في ترتب الآثار على يمين المنكر الجامع للشرائط المعتبرة وذكرنا كلمات بعض فقهائنا (رض) مما يتبيّن وقوع الخلط في هذه المسألة بين مقامين تقدّمت الإشارة إليهما ، والصحيح في هذه المسألة أن يقال :
 إن قضية الاحتياج إلى حكم الحاكم يمكن فرضها على وجهين :
 الأول : الاحتياج إلى حكم الحاكم بالإضافة إلى البيّنة والإقرار .
 الثاني : الاحتياج إلى حكم الحاكم بالإضافة إلى اليمين .
 وفي الوجه الأول ذكرنا أنهم قد اختلفوا فيه فهناك من ساوى بين البيّنة والإقرار وهناك من فرّق بينهما، والصحيح هنا أن يقال إنه تارة يقع الكلام في ثبوت الحقّ بالبيّنة والإقرار بقطع النظر عن مقام المخاصمة وأخرى في ثبوت الحقّ بهما في مقام المخاصمة .
 وبعبارة أخرى : إن الكلام يقع في صورتين رئيستين :
 الأولى : في أن البيّنة هل يمكن العمل بها لغير الحاكم ومن دون فرض حكم الحاكم في غير باب الخصومة .
 والثانية : في إمكان العمل بالبيّنة لغير الحاكم ومن دون فرض حكم الحاكم في مقام الخصومة .
 والصورة الأولى لا تدخل في محل الكلام إذ لا إشكال في أن البيّنة يصح العمل بها في غير مقام الخصومة بل هو مورد اتّفاق بينهم حيث يعملون بها في باب الطهارة والنجاسة وفي الأمور الوضعية كالزوجية والملكية وفي باب الاعتداد وغير ذلك فلا يُشترط في العمل بالبيّنة في تلك الموارد حكم الحاكم ، وهذا الاتفاق يكشف عن أن أدلة حجية البيّنة عامة ليست مختصة بخصوص باب المخاصمة فالبيّنة حجة مطلقاً وهذا ليس هو محل الكلام والنزاع ، وإنما الكلام يقع في الصورة الثانية أي في إمكان الاعتماد على البيّنة لغير الحاكم في مقام الخصومة ، ويمكن أن يُتصوَّر لهذه الصورة أنحاء ثلاثة :
 النحو الأول : أن يُفترض كون العمل بالبيّنة في مقام الخصومة لأجل ترتيب أثر شرعي لا علاقة له بباب الخصومة كما لو فرضنا أنه تخاصم زيد وعمرو على دار وكانت الدار بيد عمرو وشهدت البيّنة أنها لزيد وجاء شخص ثالث يريد أن يصلي في الدار وأذن له زيد - الذي شهدت البيّنة على أن الدار له - فهل يمكن لهذا الشخص أن يعمل بهذه البيّنة ويرتب الأثر عليها بحيث يثبت له إباحة المكان وجواز الصلاة فيه ؟
 الظاهر أنه لا خلاف بينهم في جوازه لعدم كونه مشمولاً للأدلة المانعة من العمل بالبيّنة لغير الحاكم فينبغي إلحاق هذا النحو بالصورة الأولى التي هي خارجة عن محل الكلام .
 النحو الثاني : أن يُفترض كون العمل بالبيّنة في مقام الخصومة لأجل الحكم وفصل الدعوى بالمعنى المطروح في باب القضاء [1] .
 والظاهر أنه لا إشكال في عدم جوازه إلا للحاكم ، وهذا خارج أيضاً عن محلّ الكلام .
 النحو الثالث : أن يُفترض كون العمل بالبيّنة في مقام الخصومة لأجل حلّ الخصومة ولكن ليس بالمعنى المطروح في باب القضاء كما لو اتّفق المتنازعان في بينهما على الاعتماد على البيّنة لحلّ نزاعهما فهنا يقال هل أن أدلة حجية البيّنة تشمل هذا النحو أم لا ؟
 وهذا هو محل الكلام ، وفيه اتّجاهان :
 الأول : الجواز بدعوى عموم أدلة البيّنة حتى لهذا النحو فلا يتوقف العمل بالبيّنة هاهنا على حكم الحاكم بل هو جائز لغير الحاكم أيضاً ولا ضير في الاعتماد على البيّنة لحلّ النزاع لا بالمعنى المطروح في باب القضاء .
 وهذا النحو نظير النحو الأول المتقدّم - وهو العمل بالبيّنة لغرض ترتيب أثر شرعي - .
 الثاني : عدم الجواز بدعوى دلالة الأدلة على أن العمل بالبيّنة لفصل النزاع وحلّ الخصومات مختص بالحاكم ، فلا يجوز العمل بها في محل الكلام لأنه يراد بها حلّ الخصومة وفضّ النزاع .
 وهذا الرأي الثاني هو الأقرب لأدلة فصل الخصومة فإنها من وظائف الحاكم التي وُضعت له طرق لحلّ الخصومات وإحداها البيّنة فإن المتحصّل من هذه الأدلة أن الاستناد إلى البيّنة لأجل فصل الخصومة أمر مختص بالحاكم ولا يجوز لغيره .
 وبناء على ذلك يمكن حينئذ تصحيح ما تقدّم من التفريق بين البيّنة والإقرار من جهة أن الإقرار - كما تقدّم نقله عن بعض الفقهاء (رض) - هو بنفسه يحلّ الخصومة لا أن العمل به يُنهي النزاع وفرقٌ بين الأمرين ، ولا ضير في انضمام حكم الحاكم إليه لغرض إلزام الأطراف بمضمونه [2] بخلاف ما لو لم ينضمّ إليه فإنه وإن كان قاطعاً للدعوى وحاسماً للنزاع إلا أنه لا ضمان بدون حكم الحاكم من أن يتنصّل المقرّ عن لوازم إقراره ، وأما البيّنة فلأجل قيام الأدلة على أن العمل بها مختصّ بالحاكم فلا تكون بنفسها قاطعةً للدعوى وحاسمة للنزاع من دون حكمه .
 هذا كله في ما يتعلّق بالوجه الأول من الاحتياج إلى حكم الحاكم بالإضافة إلى البيّنة والإقرار.
 وأما في ما يتعلّق بالوجه الثاني وهو محل الكلام من أن يمين المنكر الجامع للشرائط هل يترتب عليه الاثر بمجرده أو أنه يتوقف على حكم الحاكم فقد ذكرنا أن الشيخ صاحب الجواهر (قده) كان مصرّاً على القول بالتوقف وفي مقابله قول بأن العمل باليمين لا يتوقف على حكم الحاكم لأن لليمين خصوصية من جهة أن ظاهر الروايات أن الحقّ يسقط باليمين وأن اليمين تذهب بالدعوى في ما إذا كانت جامعة لشرائطها فلا يتوقف ترتّب الأثر عليها على حكم الحاكم فيتبيّن من هذا أن لليمين خصوصية تختلف بها عن البيّنة .
 وهذا في الحقيقة يحتاج إلى مراجعة تلك الروايات للتأمل في مفادها وسيأتي إن شاء الله تعالى .


[1] وهو أن يكون حكم الحاكم ملزماً لجميع الأطراف ويترتب عليه عدم جواز إقامة الدعوى مجدداً ولو عند حاكم آخر كما لا يجوز لحاكم آخر أن ينظر في هذه الدعوى وإن رُفعت إليه باعتبار أن مفاد أدلة القضاء أن القضاء هو الفيصل في إنهاء الخصومة والنزاع .
[2] أي مضمون الإقرار .