33/06/13


تحمیل
  (بحث يوم السبت 13 جمادى الثانية 1433 هـ 126)
 الموضوع :- تكملة المسألة السادسة عشر / إعادة للطرح الأول والثاني للمسألة وذكر دعوى الانصراف وردّها والشروع في المسألة السابعة عشر / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في المسألة السادسة عشر وقلنا إن في هذه المسألة يوجد تعميمان :
 الأول : تعميم الحكم لما إذا كان المدّعي يدّعي الحق لغيره كموكّله أو مورّثه أو من هو مولّى عليه فضلاً عمّا إذا ادّعاه لنفسه .
 وقد تبيّن مما تقدّم أن هذه المسألة لها طرحان :
 الأول : وهو الطرح المتعارف وحاصله محاسبة التعميم الأول وفق ما دلّت عليه النصوص [1] فيقال إنها إن كانت تختص بمدّعي الحق لنفسه فاللازم حينئذ الرجوع إلى مقتضى القاعدة وهو الاكتفاء بالبيّنة وعدم الحاجة إلى ضم اليمين ، وإن كانت شاملة لمدّعي الحقّ لغيره فلا بد حينئذ من الالتزام بضرورة انضمام اليمين إلى البيّنة مطلقاً سواء كان يدّعي الحق لنفسه أو كان يدّعيه لغيره .
 والصحيح من الأمرين هو التعميم [2] وذلك للنكات التي ذُكرت في مدخل البحث وهي ثلاثة :
 الأولى : إطلاق العنوان المأخوذ في الرواية وهو قوله : (في الرجل يدّعي قِبَل الرجل الحقّ) فإنه ليس فيه ما يشير إلى الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه .
 الثانية : إنه لا يُفهم من الرواية أن الاستثناء لخصوصية في المدّعي من حيث كونه يدّعي لنفسه أو لغيره وإنما المفهوم منها أنه لخصوصية في المُدّعى عليه من حيث كونه ميتاً وهذه الخصوصية موجودة في محلّ الكلام .
 الثالثة : عموم التعليل في رواية البصري المعتبرة سنداً عندنا فإن مقتضاه عدم الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه لأن العلة - كما تقدّم - هي عبارة عن احتمال الوفاء مع عدم التمكن من ادّعائه وإثباته [3] وهذا الأمر كما هو موجود في مدّعي الحق لنفسه موجود في مدّعي الحق لغيره أيضاً فينبغي التعميم لهما فالرواية بهذه القرائن يمكن التمسّك بإطلاقها لإثبات أن الاستثناء كما هو ثابت في مدّعي الحق لنفسه ثابت أيضاً في مدّعي الحق لغيره ، وليس في قبال ذلك إلا ما تقدّمت الإشارة إليه من بعض العبائر الواردة في الرواية كقوله : " وإن حقّه لعليه " وقوله : " فلا حقّ له " فكأنه يظهر منها أن الحق حقّ للمدّعي لا أنه حقّ لغيره .
 ولكن الظاهر أن هذه ليست قرائن تامة :
 أولاً : لإمكان حملها على المثالية [4] بعد أظهرية عموم التعليل .
 وثانياً : لإمكان ادّعاء أن الوصي والولي والوارث يصدق على كل منهم أن حقّه لعليه أو لا حقّ له لاسيما الأخيرين [5] فإن لهما أن يقولا إن حقّنا لعلى الميت .
 فالصحيح على هذا الطرح هو التعميم وعدم الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه كما اختاره السيد الماتن (قده) .
 الطرح الثاني : وهو أن يقال إن مدّعي الدين على الميت والذي دلّت الروايات على أنه لا يُكتفى منه بالبيّنة بل لا بد من ضم اليمين إليها لو فُرض أنه عجز عن اليمين فلم يتمكن من الحلف فهل يُصَرّ على شرطية انضمام اليمين ويُلتزم بسقوط الحق لأن ثبوته مشروط بالانضمام أم يقال باختصاص الاشتراط بالقدرة ففي حالة العجز ترتفع الشرطية فيمكن إثبات الحق حينئذ بالبيّنة بلا حاجة إلى ضمّ اليمين .
 وقد تقدّم ذكر وجوه ثلاثة كان أضعفها ثالثها فدار الأمر بين الوجهين الآخَرَين وقد كان أولهما الالتزام بسقوط الحق عملاً بالشرطية وكان الثاني الالتزام بإمكان إثبات الحق استناداً إلى البيّنة فقط .. كما تقدّم بيان أن اختيار أحد الوجهين يرتبط بتحقيق كون الشرطية مطلقة أو هي مقيّدة بالقدرة فعلى الأول يتعين اختيار الوجه الأول وهو سقوط الحق عند العجز فلا يمكن إثبات الحق للمدّعي بالبيّنة وحدها لأن ثبوته له على الميت مشروط بالبيّنة واليمين فمع عدم قدرة المدّعي على اليمين فلا يمكنه إثبات حقّه ، وأما على الثاني [6] فيتعين اختيار الوجه الثاني وهو عدم سقوط الحق وإمكان إثباته استناداً إلى البيّنة وحدها .
 والصحيح في المقام هو إطلاق الشرطية بمعنى أن اشتراط انضمام اليمين إلى البيّنة عند دعوى الدين على الميت غير مقيد بحال التمكن والقدرة .
 وليس في قبال ذلك كما تقدّم - إلا إحدى دعويين :
 الأولى : دعوى أن الشرطية واردة بلسان التكليف وهو مختص بالقادر .
 وقد تمّت مناقشة هذه الدعوى وردّها .
 الثانية [7] : دعوى الانصراف بأن يقال إن الشرطية [8] في الروايات وإن كانت مطلقة لكنها تنصرف إلى خصوص حالة القدرة ، ويؤيّد هذا الانصراف ما نُقل عن الشيخ صاحب الجواهر (قده) من استبعاد سقوط الحق مع وجود البيّنة حتى لو كان المدّعي عاجزاً عن إثبات حقّه باليمين حيث يقول إن هذا على خلاف المذاق الفقهي فالالتزام بسقوط الحق ضعيف جداً كما يؤيّده أيضاً ما تقدّم من القرائن بقطع النظر عن المناقشة فيها - من قبيل قوله (عليه السلام) : (أن حقه لعليه) و(فلا حقّ له) فهذه وإن دلّت على الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه وليست دالة على الاختصاص بالقادر الذي هو محلّ الكلام لكن هناك تلازماً - ولو كان تلازماً صورياً ظاهرياً - بين مدّعي الحق لنفسه وبين القدرة والتمكن على اليمين فإن من يدّعي الحقّ لنفسه يتمكن من أن يحلف وأما من يدّعي الحقّ لغيره فلا يمكنه ذلك فهذه القرائن لو تمّت على اختصاص الرواية بمدّعي الحق لنفسه الذي يلازم القدرة والتمكن من اليمين تكون بالتالي قرائن على الاختصاص بالقادر وعدم إطلاق الروايات لتشمل صورة العجز وعدم التمكن فيمكن أن يكون هذا مؤيداً لدعوى الانصراف .
 ولكن دعوى الانصراف غير واضحة وعهدتها على مدّعيها ، والقرائن المذكورة غير ناهضة بعد عموم التعليل فهي لا تصلح قرينة على الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه حتى يقال بوجود ملازمة بينه وبين القادر فتدل بالتالي على الاختصاص بالقادر ، وأما ما ذكره الشيخ صاحب الجواهر (قده) من أن هذا خلاف المذاق الفقهي ففهمه موكول إليه فالصحيح في المقام هو إطلاق الشرطية فلا بد في ثبوت الحق من انضمام اليمين إلى البيّنة فإذا لم يقدر عليه يسقط الحق كما لو لم يكن قادراً على البيّنة نفسها .
 هذا .. وقد تبيّن مما تقدّم وحدة النتيجة بناء على كلا الطرحين من أن مقتضى الإطلاق شمولها لمدّعي الحق لغيره فلا تثبت دعوى الحق إذا كان المدّعي عاجزاً عن اليمين فالاستثناء إذاً لا يختص بمدّعي الحق لنفسه أو قل لا يختص بالقادر بل يشمل القادر وغيره .
 هذا ما يرتبط بالتعميم الأول في المسألة .
 التعميم الثاني [9] : هو تعميم المدّعي لنفسه لما إذا كان أجنبياً أو وارثاً أو وصياً .
 ولا إشكال في كون هذا التعميم هو مقتضى الإطلاق في الأدلة ، ولا مجال هنا لطرح مسألة العجز عن اليمين وعدم التمكن منها لأن الحق في هذا الفرض يدّعيه الشخص لنفسه غاية الأمر أنه قد يكون أجنبياً أو وارثاً أو وصياً وإنما تُطرح هذه المسألة عندما يدّعي الحق لغيره فإنه قد يقال حينئذ إنه لا يتمكن في الغالب من أن يحلف على بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه .
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة .
 قال (قده) في المسألة السابعة عشر :
 " لو ثبت دين الميت بغير بينة كما إذا اعترف الورثة بذلك [10] أو ثبت ذلك بعلم الحاكم أو بشياع مفيد للعلم واحتُمل أن الميت قد أوفى دينه فهل يُحتاج في مثل ذلك إلى ضم اليمين أم لا ؟ وجهان : الأقرب هو الثاني [11] " .
 المدرك للاستثناء الموجب لضم اليمين إما أن يكون صحيحة الصفار المتقدّمة أو رواية البصري فإن كان هو الصحيحة فلا بد حينئذ من الالتزام بعدم الحاجة إلى ضم اليمين بل يُكتفى في ثبوت الحق بالمثبت من الإقرار أو علم الحاكم أو الشياع المفيد للعلم ذلك لأن مورد هذه الصحيحة ما إذا ثبت الحق بالبيّنة فيُقتصر في الحكم بالاستثناء عليه وأما في غيره [12] فلا حاجة إلى ضم اليمين إذ لا يمكننا التعدّي عن مورد الصحيحة كما لا دليل عليه فيُرجع حينئذ إلى المطلقات الدالة على حجية ذلك المثبت كالإقرار - مثلاً - في مقام الإثبات القضائي .
 
 وقد يُشكل في المقام بأن الفرض في أصل المسألة هو ما إذا احتُمل الوفاء وهو يعني أن المثبت كالإقرار - مثلاً لم يقم على نفي هذا الاحتمال من رأس فيُحتمل معه عدم بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه فكيف يُعتمد على مثل الإقرار القائم على أصل الدين في إثبات بقاء الحقّ إلى حين الموت ويُكتفى به مع أنه في باب البيّنة التي تقوم على أصل الدين يُحتاج معها إلى مكمّل وهو يمين المدّعي على بقاء الحق إلى حين الموت .
 والحاصل أنه لا بد في هذه الحالة من مثبت لبقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه ولا يصح الاكتفاء بما يُثبت أصل الحقّ لإثبات بقائه .
 ولكن يُجاب عن هذا الإشكال بأن إثبات بقاء الحق إلى حين الموت يكون بالاستصحاب إذ أنه مع احتمال الوفاء يُشكّ في بقاء الحق إلى حين الموت فيُستصحب وهكذا يقال في علم الحاكم وفي الشياع المفيد للعلم .
 وهذا لا ينافي أن يقوم الإقرار - مثلاً على بقاء الحق إلى حين الموت إلا أنه غير مفروض المسألة فإن المفروض فيها أنه يقوم على أصل الدين كما هو قضية احتمال الوفاء وإلا فلو كان الإقرار قد قام على بقاء الحق إلى حين الموت لما كان الوفاء حينئذ محتملاً بل كان متيقّناً .
 وأما إذا كان المدرك رواية البصري فيتعين حينئذ اختيار الثاني وهو الاحتياج إلى ضم اليمين وذلك من جهة التعليل المذكور في هذه الرواية من أن اليمين إنما يُحتاج إليه لنفي احتمال الوفاء وهذا الاحتمال كما هو موجود في البيّنة موجود في الإقرار أيضاً لأن فرض المسألة هو احتمال الوفاء من قبل الميت ومفاد الرواية أنه كلما كان احتمال الوفاء قائماً فيُحتاج إلى نفيه باليمين وهذا الاحتياج كما هو ثابت عند ثبوت الدين بالبيّنة هو ثابت أيضاً عند ثبوته بالإقرار ونحوه من علم الحاكم أو الشياع فعموم التعليل في الرواية يقتضي الحاجة إلى ضم اليمين إلى كل ما يثبت أصل الدين سواء كان هو البيّنة أو الاقرار ونحوه .
 هذا .. ولكنه (قده) يرى ضعف رواية البصري سنداً ويعوّل على صحيحة الصفار فيلتزم بعدم الحاجة إلى ضم اليمين .
 وتتمة الكلام تأتي إن شاء الله تعالى .


[1] أي الدالة على الاستثناء والحاجة إلى ضم اليمين .
[2] أي عدم الاختصاص بمدّعي الحق لنفسه .
[3] لكون المطلوب منه إثبات الوفاء - وهو المُدّعى عليه - ميتاً كما هو مفروض المسألة .
[4] أي كونها قد سيقت من باب المثال .
[5] أي الولي والوارث .
[6] وهو كون الشرطية مقيدة بحال التمكن فتسقط في حال العجز .
[7] وهي التي انتهى إليها الكلام في البحث السابق .
[8] يعني شرطية انضمام اليمين إلى البيّنة .
[9] أي لدعوى الحق على الميت .
[10] أي ثبت الدين على الميت بإقرارهم .
[11] أي عدم الحاجة إلى ضم اليمين .
[12] أي في غير مورد الصحيحة وهو ما إذا ثبت الحق بالبيّنة .