34/07/10


تحمیل
 
 كان الكلام في ما استدل به على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب ، وذكرنا صحيحة معاوية بن وهب وكيفية الاستدلال بها ، وقلنا ان السيد الماتن (قده) كأنّه اقر بظهور الرواية في نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب ولكنّه ردّها لانّها معارضة برواية اخرى لمعاوية بن وهب تتحث عن نفس الموضوع وظاهرها ان مثل هذه الشهادة ليست مقبولة ، فتسقط الرواية التي استدل بها لنفوذ الشهادة عن الاعتبار، فلا يصح الاستدلال بها ، وحينئذٍ لا يبقى لنا دليلٌ على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب .
 هذا ولكن الرواية التي ادعي معارضتها ، فيها كلام من جهة السند ،لان الكليني يرويها عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن اسماعيل بن مرار عن يونس عن معاوية بن وهب ،وهذا السند (عن اسماعيل بن مرار عن يونس عن معاوية بن وهب ) كثيرٌ ما يتكرر والمشكلة هي من جهة اسماعيل بن مرار ، فأنّه لم يوثّق ، والسيد الماتن بنى على وثاقته لوقوعه في اسانيد تفسير علي ابن ابراهيم القمي ، ولذا اعتبر الرواية تامة سندا ، ومعارضةً للرواية الاولى .
 ولكنّنا لانبني على وثاقة كل من وقع في اسانيد تفسير علي ابن ابراهيم القمي ، والمستظهر من عبارته وثاقة مشايخه المباشرين ، واسماعيل بن مرار ليس كذلك ،لانّ علي بن ابراهيم يروي عنه مع الواسطة .
 هذا ، ولكنّ الظاهر انّ الرجل ثقةٌ استنادا الى شيء اخر ،وهو ان الشيخ في الفهرس قال: ((وقال أبو جعفر بن بابويه : سمعت ابن الوليد رحمه الله يقول : كتب يونس بن عبد الرحمان التي هي بالروايات كلها صحيحة يعتمد عليها ، الا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه غيره ، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتي به )). وهذا القول نسبته الى بن الوليد صحيحة ،لانّ الشيخ الطوسي هو الذي ينقل عن الصدوق ان استاذه ابن الوليد قال هذا ، وهذا النقل من قبل الشيخ الطوسي بهذا العنوان انه قال الصدوق سمعت شيخي محمد بن الحسن ابن الوليد يقول كذا وكذا معتبر لان الشيخ لاينقل ذلك الا اذا كان قد وصله هذا القول من الصدوق بطريق معتبر والظاهر ان رأي بن الوليد هذا معروف ٌوثابت،لان الشيخ نقله في الفهرست .ولا اشكال ان اسماعيل بن مرار احد رواة كتب يونس بن عبد الرحمن ،وذلك بطريقين :
 الاول :وهو العمدة ،الاعتماد على ماذكره الشيخ الطوسي في الفهرست عندما ذكر طرقه الى كتب يونس ، ولديه اكثر من طريق ، واكثر من واحد من هذه الطرق ينتهي الى اسماعيل بن مرار عن يونس ، وهذا يعتبر دليل واضح على ان اسماعيل بن مرار احد رواة كتب يونس .
 الثاني :وقد ذكره السيد الماتن (قده) من ان كثرة روايات اسماعيل بن مرار عن يونس وقد بلغت اكثر من مائتي رواية في الكتب الاربعة يعتبر في حد نفسه قرينة واضحة على ان اسماعيل ابن مرار احد رواة كتب يونس .
 طبعا لعله كان يقصد مع ضم ضميمة وهي استبعاد ان تكون جميع هذه الروايات الكثيرة التي يرويها ابن مرار عن يونس كلها مروية شفاهاً ، بل نحتمل ان بعضها على الاقل منقول من كتب يونس ،فيكون هو احد رواة كتب يونس .
 نعم السيد الماتن اعترض على استفادة الوثاقة من هذه العبارة ، بان تصحيح القدماء للرواية لايدل على الوثاقة اذ قد يكون مبتنيا على اصالة العدالة .
 ولكن هذا الكلام (أي كون القدماء يبنون في التوثيق على اصالة العدالة بمعنى انهم يكتفون في توثيق الشخص بمجرد عدم ثبوت ضعفه وان لم تثبت وثاقته) ، ليس كما ينبغي ، لان الظاهر _ بقطع النظر عن بعض الجزئيات _ انهم كانوا يهتمون بنقل التوثيقات التي وصلت الينا عن طرقهم والاستدلال بهذه التوثيقات كما هو ظاهر لمن يراجع كتب الرجال القديمة لاينسجم مع افتراض انهم يبنون في التوثيق على اصالة العدالة ولا اقل من ان يكون هذا قرينة على خلاف ذلك ، مضافا الى ان البناء على اصالة العدالة يقتضي من الباحث ان يكون تركيزه على الجرح والتضعيف لا على التوثيق كما هو واضح .
 بل نستطيع ان نقول انهم اتفقوا على عدم حجية مجهول الحال ، ولذا قسموا الاخبار الى المجهول والمهمل والمنصوص والمعنون ..الخ ، فمجهول الحال وان كان اماميا لايعتبرون قوله حجة ، وهذا معناه ان بناءهم لم يكن على اصالة العدالة ، كما انه توجد عبارات مستفادة من كلام النجاشي والطوسي من البناء في التوثيق على احراز وثبوت الوثاقة وليس على مجرد عدم ثبوت الضعف .
 اذن البناء من قبل القدماء في تصحيح الرواية على اصالة العدالة مستبعد جداً ، نعم هناك مسالة اخرى يتم طرحها لعلها هي المقصود الحقيقي للسيد الماتن (قده) وهي مسالة ان تصحيح القدماء للرواية قد يكون مبتنياً على قرائن اخرى غير الوثاقة ، فان الصحة عند المتاخرين تعني الوثاقة بينما الصحة عند القدماء اعم من الوثاقة ،اذ قد تنشأ عندهم من وجود قرائن على الحكم بصحة الرواية وقد ذكروا نماذجا من هذه القرائن في كلماتهم ، من قبيل وجود الرواية في اصل من الاصول او من قبيل وجود الرواية في اصل عرض على الامام (ع) وغير ذلك من القرائن التي ذكروا بانها توجب الحكم بصحة الرواية وان لم يكن الراوي ثقةً ، ولعل هذا هو مقصود السيد الماتن أي حكم تصحيح القدماء للرواية لايدل على توثيق الراوي لان الصحة عندهم اعم من الوثاقة ، وفي محل الكلام تصحيح ابن الوليد لكتب يونس ليس فيه دلالة على توثيق اسماعيل بن مرار .
 هذا الاعتراض يكون له وجاهة بهذا الشكل ، ولكن بالرغم من ذلك فان هذا الكلام قد يصح في رواية او روايتين، واما ان يبنى على ذلك في روايات كثيرة فلايمكن قبول ذلك فان يونس بن عبد الرحمن له اكثر من ثلاثين كتاب لان النجاشي يقول هي على غرار كتب الحسين بن سعيد ثم يضيف كتب اخرى له ،هذه الكتب ياتي ابن الوليد ويقول كلها صحيحة يعتمد عليها ، فمن المستبعد جداً ان يكون منشأ تصحيح هذه الكتب القرائن لان معنى هذا ان ابن الوليد لاحظ كل رواية من هذه الروايات على حدة ومن باب الصدفة لاحظ ان هناك قرائن غير وثاقة الراوي تدل على صحة الرواية وهو احتمال بعيد بحسب الظاهر بخلاف ما لو كان مبنى التصيحيح هو وثاقة الراوي فانه لايحتاج الى ماذكر، بل يكتفي بملاحظة رواة كتب يونس وهم معدودين كاسماعيل بن مرار ومحمد بن عيسى بن عبيد وامثالهما فان وجدهم ثقات يستطيع الحكم بان روايات يونس كلها صحيحة ومعتبرة .
 هذا مضافا الى قرينة اخرى في نفس عبارة ابن الوليد تؤيد ما ذكرناه من ان مبنى التصحيح في كلام بن الوليد هو الوثاقة لا القرائن وهو استثناء ما رواه محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ،فان هذا الاستثناء واضح فيه ان النظر في التوثيق الى الوثاقة وعدمها لاننا نعلم ان رأي بن الوليد في محمد بن عيسى بن عبيد انه ليس ثقة ،
 فاذن المسألة في الاعتماد على الراوي ، لا ان المسألة ان الرواية موجودة في اصل من الاصول ونحوه من القرائن .
 وعليه نستفيد من العبارة المذكورة آنفاً ان اسماعيل بن مرار ثقة ويمكن التعويل عليه .
 ومن هنا تتعارض الروايتان ويبنى على تساقطهما فلا يسلم لنا دليل على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب وهذا هو الذي رامه السيد الماتن (قده) .
  لكن هذا الكلام كله مبني على افتراض ان الرواية الاولى _التي هي صحيحة السند بلا اشكال _دالة على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب بالتقريب المذكور ، لكنه قد يعترض على دلالة الرواية الاولى على ذلك ،وذلك باعتبار ان الاستدلال بها مبني على ان ظاهر الرواية هو ان شهادة الشاهدين على ان الغلام ملكاً له لانهما كانا يعلمان بذلك وهذا هو معنى الاستصحاب ،ولكن يمكن ان يقال ان الرواية ليست ناظرة الى ذلك اذ الظاهر انها ناظرة الى باب التداعي والمرافعة عند القاضي ولذا ذكرت فيها كلمة القضاة ، والمرافعة عند القاضي تحتاج الى طرف في الخصومة ، وطرف الخصومة لهذا الرجل امام القاضي هو العبد نفسه اذ الامر منحصر به ، والخصومة بين الرجل الذي يدعي ملكية العبد وبين العبد يمكن تصورها بنحوين فتارةً العبد يعترض على انه ملكا للرجل مع انه يعترف بانه كان مملوكاً للرجل، بمعنى انه يدعي العتق ونحوه ، وهذه الخصومة بهذا النحو يجب استبعادها لانها تقتضي ان يطلب القاضي البينة من العبد لانه هو المدعي والرجل منكرا لذلك ، بينما الرواية تفترض طلب البينة من الرجل ، وتارة تكون الخصومة في اصل الملكية أي العبد ينكر اصل الملكية وفي هذه الحالة ان الذي يدعي الملكية هو الرجل والعبد ينكر ذلك فالبينة على هذا تطلب من الرجل وهذا هو الذي تفترضه الرواية فيأتي الشاهدان ويشهدان على مايدعيه الرجل وهو اصل الملكية ، وعليه فشهادتهما باصل الملكية ليست مستندة الى الاستصحاب حتى نفهم من الرواية قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب ، بل هما يشهدان بالملكية السابقة استنادا الى مايحسّان به .
 والامام (ع) بحسب ظاهر الرواية ما اجازه لهما هو ان يشهدا بما طلبه القاضي منهما ، والقاضي طلب منهما الشهادة على عدم البيع وعدم الهبة ونحوهما أي الملكية الفعلية لا انه طلب منهما الشهادة على الملكية السابقة .
 وربما يعترض على ذلك بان هذا لعله من باب استنقاذ الحق والموافقة الظاهرية للقاضي الذي الذي يصر على ان تكون الشهادة بهذ الشكل _لان مقتضى الموازين ان تكون الشهادة على الملكية السابقة _الامام سمح لهما من باب استنقاذ الحق لامن باب ان الشهادة المستندة الى الاستصحاب معتبرة بنظره حتى يستدل به على نفوذ هكذا شهادة .وسيأتي مزيد كلام في ذلك