10-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 388 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا ولكن الشيخ النائيني(قده) [1] بنى على جريان قاعدة الفراغ بشكل مطلق من دون اشتراط احتمال الالتفات واستند في ذلك الى الاطلاق يعني أن الموثقة السابقة التي تقول:- ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) هي مطلقة ولم تقيّد بما اذا احتمل الالتفات فنعمل بمقتضى اطلاقها.
 وأما بالنسبة الى الأذكرية أو الأقربية فأجاب عن ذلك بأن هاتين ذُكِرتا من باب الحكمة دون العلّة ومعه فلا تقيّدان ذلك الاطلاق السابق وإنما تقيدانه لو ذكرتا من باب العليّة دون الحكمة .
 هكذا ذكر(قده) ولأجل هذا بنى على العمل بالقاعدة مطلقاً.
 وأجاب السيد الخوئي(قد) في مصباح الاصول [2] وقال:- أما تمسكك بإطلاق الموثقة التي قالت:- ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) فكما ذكرنا هي ليست قاعدة تعبديّة حتى يتمسك بالإطلاق وإنما هي ارتكازية عقلائية فتتحدّد بحدود الارتكاز ولا إشكال في أن العقلاء يعملون بها من باب الأمارية والأمارية لا تتحقق في حالة الغفلة التامّة . وأما بالنسبة الى ما ذكرته من أن الأذكرية والأقربية هما حكمة وليسا علّة فمن أين لك هذا ؟ إن الميزان في تشخيص أن هذا علّة أو هذا حكمة هو الرجوع الى العرف فإذا فرض أن العرف كان يرى أن الحكم في هذا المورد يدور مدار هذه النكتة التي ذكرت - وهي الأذكرية - بحيث يثبت عند ثبوتها وينتفي عند انتفائها فهذا معناه أنه علّة وإذا لم يفهم الدوران إثباتاً ونفياً ففي مثل هذه الحالة نقول إن هذا حكمة وحيث إن العرف في مقامنا يفهم الدوران على الأذكرية فحينئذ تطبّق قاعدة ( لا يُعتنى بالشك ) وإذا لم توجد هناك أذكرية فلا تطبّق القاعدة وهذا معناه أنها علّة وليست حكمة . هذا توضيح ما جرى بين الأعلام في هذه المسألة.
 وفي هذا المجال نقول:- إننا نرى أن الحق مع الشيخ النائيني(قده) - يعني نتمسك بإطلاق الموثقة التي قالت ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) - .
 وأما ما ذكره العلمان من أن هذه القاعدة ليست تعبديّة وإنما هي ارتكازية عقلائية فتتحدّد بحدود الارتكاز فيمكن أن نقول:- إن انعقاد البناء والارتكاز العقلائي على هذه القاعدة هو أوّل الكلام فمن قال إن العقلاء قد ثبت عندهم هذا المضمون - وهو أن من جاء بالعمل وشك بعد ذلك لا يعتني لشكه - والعقلاء ببابك ، ولذا ترى أن من شك في العقد أو الطلاق الذي صدر منه سابقاً أو أي عملٍ من الأعمال فيأتي ويسأل هل أني أتيت بستة أشواطٍ أو لا ؟ توضأت أو لا ؟ لا أنهم يبنون على الاتيان والصحة مادام العمل قد أتِيَ به فاذا فرض أن هذه القاعدة كانت عقلائية واضحة فلا داعي الى التشكيك والسؤال . نعم هنا شيء نعترف به وهو أن هذه القاعدة نصف عقلائية - إن صح التعبير - بمعنى أن العقلاء لا يأبونها ولا يرفضونها بل لو طرحت عليهم لتقبّلوها ولم يرفضوها لا أنه انعقد بناؤهم بالفعل عليها وشتّان ما بين المطلبين نظير ( أكرم هذا الانسان لأنه عالم ) فهنا نقول إن هذا التعليل هو تعليلٌ بأمر عقلائي خلافاً لما قلنا ( أكرمه لأنه طويل أو قصير أو من العشيرة الفلانية ) فإن هذا يأباه العقلاء أما إذا عُلّل بأنه عالم أو مؤمن فهذا لا يأباه العقلاء لكن هذا لا يعني أنه انعقدت السيرة والبناء العقلائي بالفعل على وجوب إكرام كل عالم كلا أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل فحينما نقول هذا تعليل وأمر عقلائي يعني أنه لا يأباه العقل والعقلاء لا أن السيرة انعقدت عليه بالفعل وموردنا يمكن أن يكون من هذا القبيل ، يعني إذا علل بأنك بعد الشك لا تعتن بشكك لأن العمل قد فرغت منه فهذا يمكن أن نقول بأنه لا يأباه العقلاء ولا يرون فيه غرابة أما أنه قد انعقدت عليه السيرة بالفعل فليس الأمر كذلك . وعلى هذا الأساس يترتب أن المانع من انعقاد الاطلاق هو انعقاد السيرة والبناء العقلائي بالفعل لأن ذاك هو الذي يشكل قرينة متصلة تمنع من انعقاد الاطلاق وأما إذا فرض أنه لم ينعقد بناءٌ عقلائي بالفعل وإنما المطلب لا يأباه العقلاء فحينئذ لا تكون لدينا قرينة متصلة مانعة من انعقاد الاطلاق بل يعود التمسك بالإطلاق بلا مانع . إذن التمسك بهذا الاطلاق شيء وجيه كما أفاد الشيخ النائيني(قده).
 ثم إني استدرك وأقول:- إنّا حينما رفضنا البناء العقلائي بالفعل نقصد أنه حالة الشك لم يثبت بناءٌ عقلائيٌّ على عدم الاعتناء له بعد الفراغ . نعم قد يحصل ظنّ قويّ أو اطمئنان بتحقق الأجزاء والشرائط فآنذاك يبنون على الصحة أما إذا لم يحصل هذه الاطمئنان ولا الظن القوي بل كان هناك شك فمن قال إن العقلاء في مثل هذه الحالة يبنون على الصحة ؟! فالبناء العقلائي ثابت في مجال الظنّ القويّ أو الاطمئنان أما في مجال الشك فانعقاد البناء هو أوّل الكلام ، ومعه يكون التمسك بالإطلاق بلا مانع.
 نأتي الآن الى الوجه الثاني للسيد الخوئي(قده) حيث ذكر وجهان ففي الوجه الأول قال لا يوجد اطلاق بلا حاجة الى أن تصل النوبة الى الأذكرية والاقربية وأنا ناقشت هذا المقدار ، والأن أأتي الى كلامه الثاني حيث قال - ( لو تنزلنا على أن الاطلاق موجود ولكن التعليل بالأذكرية والأقربية يكونان بمثابة المخصّص ) -.
 وفي مقام الجواب نقول:- إن الأذكرية وإن تمسك بها الامام عليه السلام وهكذا الأقربية ولكن من المحتمل أن يكون المقصود منهما الأذكرية والأقربية النوعيّة دون الشخصية الفعليّة كما هو الحال في باب حجيّة الظهور فإنهم قالوا هناك إن نكتة حجيته هي الكاشفية النوعيّة بمعنى أن أفراد الظهور في الغالب هي مطابقة لما تدلّ عليه فباعتبار هذه الغلبة صار العقلاء على حجية الظهور ولكن لا يلزم أن تكون هناك كاشفيّة فعليّة وشخصيّة يعني بحيث إن هذا الظهور في هذه الرواية أظن أو اطمئن بأنه مطابق للواقع ومرادٌ للمتكلم كلا لا يلزم حصول هذا الظن الفعلي بالوفاق - أي وفاق الظهور - بل حتى لو حصل الظن بالخلاف - هكذا صرحوا - وهذا معناه أن الكاشفية النوعية هي النكتة عند العقلاء لحجية الظهور دون الكاشفية الشخصية وفي مقامنا نقول لعل الامام عليه السلام عندما علل بالأذكرية والأقربية فإنه يقصد بهما هذا المعنى - يعني الأقربية والأذكرية النوعية - يعني أن الغالب في العاقل أنه يأتي بالعمل كاملاً لا ناقصاً فلو فرض أنا أو أنت فالغالب في اعمالنا أن يكون 90% منها نأتي به كاملاً لا ناقصاً وهذه الغلبة يعبّر عنها بالغلبة النوعيّة فلعل الامام عليه السلام يشير بالأذكرية والأقربية الى هذه الأقربية والأذكرية النوعيّة لا الأقربية الشخصيّة بحيث يلزم في المورد أن تكون هناك أقربية أو أذكرية بالفعل.
 بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- لو كان المدار على الأقربية الفعلية الشخصية دون النوعيّة فاحتمال الالتفات حينئذ لا يكفي لأن احتمال الالتفات أقصى ما يولّد هو احتمال الأذكريّة لا الجزم بها فنحتاج الى الظن بالالتفات بل الى الجزم به فيلزم أن أجزم بأني ملتفت الى العمل والى الأجزاء والشرائط ولكن أحتمل أنه فاتتني بعض الأجزاء في الأثناء رغم أني كنت على التفات ومواظبة على أن اات بالعمل كاملاً كمن يذهب الى الحج وهو مواظب على أن يأتي به كاملاً ولكن يحتمل في الأثناء أنه فاته شوطٌ أو نسى بعض الأفعال رغم أن حالة المواظبة موجودة عنده ويجزم هنا بتحقق الأذكرية فلو كان المدار على الأذكريّة الفعليّة الشخصيّة لكان المناسب عدم الاكتفاء باحتمال الالتفات بل لابد من الظن بالالتفات بل لابد من الجزم بالالتفات والحال أنه لا يحتمل أحدٌ ذلك ، ولعل هذا هو مقصود الشيخ النائيني(قده) حينما قال هذا حكمة وليس علّة فلعله يقصد بذلك أن المدار في الأقربية ليس على الأقربية الفعليّة بل على الأقربية النوعية وهي موجودة دائماً حتى في حالة الجزم بالفغلة لأن الغالب في أفعالي أن أكون ملتفتاً وآتياً بكامل الأجزاء والشرائط حين العمل.
 ومن خلال هذا كله يتضح أن البناء على اطلاق هذه القاعدة شيءٌ وجيهٌ ، وعلى أي حال تحقيق هذه المسألة من الأمور المهمة لأنها من المسائل الابتلائية فقاعدة الفراغ كثيراً ما نحتاجها في أعمالنا فاذا ألغينا هذا القيد فسوف يعطينا شيئاً من المرونة والسعة.


[1] فوائد الاصول، النائيني، ج4، ص650 ، وهكذا في اجود التقريرات، ج4، ص293.
[2] مصباح الاصول، الخوئي، ج3، ص306 ، و في الطبعة الجديدة ، تستسل48، ص367.