38/04/25


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:زكاة الفطرة.

ذكرنا أنّ من يملك قوة سنته له ولعائلته فهو غني لا يجوز له أخذ الزكاة لا زكاة المال ولا زكاة الفطرة وتجب عليه زكاة الفطرة ، ولكن بقي هنا شيء وهو انه هل يعتبر في غناه أنْ لا يكون مديوناً بدين حال ومطالب بالفعل به او لا يعتبر ذلك في غناه؟

الجواب:- ذهب جماعة الى أنه يعتبر أن لا يكون مديونا بدين حال ومطالب بالفعل به فانّ الدين من مؤونته وإعطاء هذا الدين من مؤونته ، فاذا لم يكن مالكا ما يفي بهذا الدين فهو فقير ومعناه انه لا يكون مالكا لمؤونة سنته.

ولكن الظاهر أنّ الأمر ليس كذلك فان من يملك قوة سنته من المأكل والمشرب والمسكن وسائر لوازمه وكان مديونا بدين حال فلا يجب عليه أداء هذا الدين كما لا يجوز للدائن مطالبته فلابد أنّ ينتظر الى الميسرة ولا يجب على المديون أنْ يبيع داره لأداء دينه او يبيع وسائل بيته لأداء دينه بل لو كان له بيوت متعددة ولكن كل هذه البيوت مقتضى شانه ومكانته فمع ذلك لا يجب عليه ان يبيع أحد هذه الدور لأداء دينه ولا يجوز للدائن ان يطالب بالدين لأنه مأمور بالنظر الى الميسرة ولا يجب عليه ان يبيع داره او سائر وسائله اللزمة المحتاج اليها ، إذن الدين وان كان حالا ومعجل ومطالبا به بالفعل ولكنه ليس من المؤونة حتى يكون فقيرا اذا لم يكن مالكا لما يفي بدينه ، إذن المناط بالغني هو من يملك قوة سنته فاذا كان مالكا لقوة سنته فهو غني وان كان عليه دين ، وأما إذا لم يكن مالكا لقوة سنته فهو فقير يجوز له أخذ الزكاة زكاة المال او زكاة الفطرة ولا تجب عليه زكاة الفطرة.

ثم ذكر السيد الماتن (قدس الله نفسه): مسألة ( 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مؤنة السنة فتجب وإن لم يكن له الزيادة على الأقوى والأحوط)[1] .

ما ذكره السيد الماتن (رحمه الله) هو المعروف والمشهور بين الاصحاب فمن كان مالكا لمؤونة سنته تجب عليه زكاة الفطرة سواء أكان مالكا لشيء زائد[2] بمقدار زكاة الفطرة او لم يكن مالكا لشيء الزائد ، فاذا كان مالكا لقوة سنته فتجب عليه الفطرة وان لم يكن مالكا لشيء زائد واختاره الماتن (قدس الله نفسه) ايضا.

ولكن ذهب جماعة الى أنه يعتبر في وجوب زكاة الفطرة عليه ان يكون مالكا لشيء زائد على مؤونة سنته حتى يعطي ويدفع ذلك الشيء الزائد بعنوان زكاة الفطرة وممن ذهب الى هذا الشهيد (قدس سره) ومنهم المحقق الثاني (قدس سره) ومنهم شيخنا الانصاري (قدس الله سره) في رسالته العملية.

إستدل على ذلك بانه لو لم يكن مالكا لشيء زائد يفي بزكاة فطرته لزم من وجوب زكاة الفطرة عليه عدم وجوبها ، فانه إذا وجبت عليه زكاة الفطرة صار فقيرا فاذا صار فقيرا لم تجب عليه زكاة الفطرة ، إذن يلزم من وجب زكاة الفطرة عدم وجوبها ، فان إطلاق أدلة وجوب زكاة الفطرة إذا شمل هذا المكلف فبعد الشمول صار فقيرا فاذا صار فقيرا لم يشمل اطلاق تلك الادلة له ، اذن يلزم من شمول إطلاق أدلة وجوب زكاة الفطرة له عدم شمولها له ، وكلما يلزم من وجود شيء عدم وجوده فهو مستحيل ، وفي المقام يلزم من وجوب زكاة الفطرة عدم الوجوب فوجوبها مستحيل ، ويلزم من شمول أدلة زكاة الفطرة لهذا المكلف عدم شمولها فشمولها له مستحيل.

وقد أجاب عن ذلك السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) تارة بالنقض وأخرى بالحل[3] :-

الجواب الاول:- وينقض عليه بأن عدم شمول أدلة زكاة الفطرة لهذا المكلف أيضا يلزم منه شمولها له فكما يلزم من فرض الشمول عدم الشمول أيضا يلزم من فرض عدم الشمول لهذا المكلف شمولها له ، فان أدلة وجوب زكاة الفطرة إذا لم تشمل هذا المكلف فهو غني[4] فاذا كان غنياً فهو مشمول لتلك الادلة ، فيلزم من فرض عدم شمول تلك الادلة شمولها له ، إذن عدم الشمول مستحيل ، فكما ان الشمول مستحيل فأيضا عدم الشمول مستحيل.

ولكن في هذا الجواب إشكال وهو أنّ عدم الشمول عدم أزلي لا يتوقف على شيء ولا يستلزم شيئاً ، فانه عدم أزلي لا يتوقف على الشمول ولا يستلزم الشمول لأنه أمر عدمي فهو ليس بشيء ، فهو عدم أزلي والعدم الازلي لا يتوقف على شيء ولا يستلزم شيئا آخر.

نعم الشمول يستلزم عدم الشمول فان شمول أدلة وجوب الزكاة لهذا المكلف يستلزم عدم شمولها له ، فان شمولها له يوجب فقره فاذا صار فقيرا فهذه الادلة لا تشمله ، فيلزم من فرض شمولها عدم الشمول ، فالشمول مستحيل وأما العكس فلا ، لان عدم الشمول لا يستلزم الشمول.

الجواب الثاني:- ثم اجاب (قدس سره) حلاً بان وجوب زكاة الفطرة على الغني لا يستلزم فقره لان وجوب الزكاة حكم للغني والغني موضوع له والحكم[5] لا يمكن ان يكون رافعاً لموضوعه فالحكم معلول للموضوع فكيف يعقل أن يكون رافعا لموضوعه ، فان الرافع للموضوع هو إمتثال هذا الحكم ودفع زكاة الفطرة الى المستحقين فاذا دفع زكاة الفطرة الى مستحقيها والمستحق قبضها خرج عن ملك المالك واذا خرج مقدار زكاة الفطرة عن ملك المالك صار فقيرا ، إذن ما هو موجب لفقره هو أداء هذه الزكاة في مقام الامتثال لا وجوبها فالوجوب لا يعقل ان يكون رافعا للموضوع فان الوجوب متأخر عن موضعه رتبة فكيف يعقل ان يكون رافعا له؟! إذن الرافع هو إمتثال هذا الوجوب فاذا قام المكلف بالامتثال ودفع زكاة الفطرة الى مستحقيها وقبض المستحق زكاة الفطرة هذا المقدار من المال خرج عن ملك المالك فاذا خرج عن ملكه صار فقيرا وهو لا يملك قوة سنته ، إذن لا محذور بذلك.

الجواب الثالث:- وايضا أجاب (قدس الله نفسه) حلاً بان الموضوع لوجوب زكاة الفطرة هو الغني بقطع النظر عن ثبوت الحكم له وهو وجوب زكاة الفطرة عليه فحينئذ لا يلزم من ذلك أي محذور.

ما ذكره (قدس الله نفسه) من الجواب الحلي الثاني متين فان إمتثال التكليف قد يكون رافعا للموضوع كما اذا فرضنا أن المولى أمر بإعطاء مالٍ للفقير فإذا أعطي المال للفقير صار غنيا وتبدل الموضوع وإنقلب الموضوع بالامتثال ولا مانع من ذلك ، وقد يبقى الموضوع ولا يرتفع بالامتثال كما اذا امر المولى بإكرام العالم وقد أُكرم العالم فان إكرام العالم لا يوجب إنعدام العالم وإنتفاء العالم فان العالم موجود قبل الاكرام وبعد الاكرام فالامتثال قد يكون رافعا للموضع وقد لا يكون رافعا للموضع.

واما ما ذكره في الجواب الثالث فهو غير تام إذ كيف يمكن في مقام الاثبات فرض أنّ الموضوع هو الغني بقطع النظر عن ثبوت حكمه كيف يكون هو موضوع لوجوب زكاة الفطرة فكيف يكون موضعا بقطع النظر عن وجوب زكاة الفطرة عليه هذا في مقام الاثبات غير ممكن وان كان متصورا في مقام الثبوت ، بقي شيء نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.


[2] أي زائد على قوة سنته.
[4] لأنه يملك قوة سنته.
[5] وهو وجوب الزكاة.