35/04/11


تحمیل
الموضوع : الصوم - مسألة 12
تبين مما تقدم انه لا محيص عن العمل بأطلاق الروايات المعتبرة, لكن في موردها (اي في القضاء المضيق) فيُحكم بصحة القضاء وامتداد وقت نيته الى ما قبل الزوال اختياراً , كما هو الحال في القضاء الموسع , والظاهر عدم وجود المانع من هذا الاطلاق , فلا وجود للأجماع , بل يمكن التشكيك في وجود شهرة على الحكم بالفساد في القضاء المضيق .

وعليه فلا مانع من الالتزام بالفتوى بصحة الصوم وامتداد نية القضاء المضيق اختياراً الى ما قبل الزوال .
نعم دعوى انتفاء الاجماع والشهرة تحتاج الى اثبات , والذي يظهر _ من كلمات معظم من وصل الينا كلامهم من المتقدمين _عدم الاشارة الى القضاء المضيق بخصوصه , وإنما يتكلمون عن الواجب المعين , ويحتمل عدم شموله للواجب المضيق , بل يُقصد به ما كان معيناً بالأصالة كالنذر المعين , والقضاء المضيق وان كان معيناً إلا ان تعيينه من جهة ضيق الوقت لا انه معين بالأصالة , وعلى فرض ان مرادهم من الواجب المعين ما يشمل القضاء المضيق , فالظاهر انه لا شهرة على انتهاء وقت النية للواجب المعين عند طلوع الفجر , وكذلك لا إجماع من باب أولى , ويظهر من كلمات البعض القدح بالإجماع بل حتى في الشهرة , والظاهر من كلمات بعض الفقهاء المتقدمين امتداد وقت النية فيه الى ما قبل الزوال , وبعضهم يصرح بهذا الامتداد حتى اختياراً , والبعض الاخر مقتضى اطلاق كلامه إمتداد وقت النية الى ما قبل الزوال وان كان عن عمد , مثلا:-

أبن الجنيد ينقل كلامه العلامة في المختلف:(ويستحب للصائم فرضا وغير فرض أن يبيت الصياممن الليل لما يريد به، وجائز أن يبتدئ بالنية وقد بقي بعض النهار، ويحتسب به من واجب إذا لم يكن قد أحدث ما ينقض الصيام)[1] فكلامه اعم من الواجب المعين وغير المعين , ثم يقول( ويستحب) ومقتضى الاستحباب الجواز , وهو يشمل محل الكلام , وصريح العبارة في جواز تأخير النية الى ما بعد الفجر , ولا داعي من تخصيصها بالعذر والنسيان والجهل .

الشيخ الصدوق قال في المقنع كما نُقل عنه: ( اذا اصبح الرجل وليس من نيته ان يصوم ثم بدا له فله ان يصوم )
وهذه العبارة بأطلاقها تشمل الواجب المعين مع كون التأخير اختيارا , فتشمل محل الكلام .

السيد المرتضى في جمل العلم والعمل: -
(ووقت النية في الصيام الواجب قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس، وفي صيام التطوع إلى بعد الزوال) [2] وظاهر العبارة ان وقت النية في الصيام الواجب يمتد اختياراً الى ما قبل زوال الشمس , نعم يحتمل في عبارته ان الملحوظ في تحديد وقت النية هو مجموع المكلفين لا كل فرد فرد , فلا بأس بأن يقول ان وقت النية من قبل الفجر الى ما قبل الزوال , ويكون المقصود من ذلك بالنسبة الى العالم العامد ما قبل الفجر وبالنسبة الى الناسي والمعذور الى ما قبل الزوال.

السيد أبن زهرة في الغنية يقول: (ويجوز لمن فاتته ليلا تجديدها إلى قبل الزوال)[3] فالعبارة شاملة لمن فاتته عن عذر وعن غير عذر .

المحقق الحلي في المختصر النافع :(ووقتها ليلا، ويجوز تجديدها في شهر رمضان إلى الزوال، وكذا في القضاء ثم يفوت وقتها) [4].
وهذه العبارة اذا فسرناها بأن الجواز في التجديد الى الزوال بالنسبة الى المضطر لا نفهم منها حكم العامد المختار, كما يصر على ذلك الشيخ صاحب الجواهر في تفسير العبارة , لكن الاحتمال الاخر في العبارة ان المراد بالجواز ما يشمل الترك العمدي , خصوصا اذا لاحظنا ان المقصود بالجواز في العبارة هو الجواز الوضعي لا التكليفي .
وفي الشرائع له عبارة تؤيد هذا التفسير حيث قال (لو نوى في يوم رمضان، ثم جدد قبل الزوال، قيل :لا ينعقد وعليه القضاء، ولو قيل : بانعقاده كان أشبه .)[5]
ومنه يتضح ان رأيه صحة الصوم وانعقاده حتى في شهر رمضان , لمن يجدد النية قبل الزوال وان كان عامدا عالما , فلا داعي لحمله على خصوص المعذور.
وبعد استعراض كلمات هؤلاء الفقهاء يمكن التشكيك بالإجماع على القول بالفساد في الواجب المضيق , بل تجعلنا نشكك في وجود الشهرة ايضا , مع اننا بينا الاحتمال الذي في كلماتهم من عدم شمول الواجب المعين للقضاء المضيق , نعم على القول بشموله حينئذ نقول لا اجماع ولا شهرة على الحكم بالفساد ,ومن هنا يكون العمل بالصحة بناء على هذه المطلقات هو المتعين .
هذا مضافا الى ان القضاء _كما يراه البعض _ غير مضيق دائما , وتأخيره الى رمضان الاخر لا يجعله مضيقا , لأنه لا يوجب عليه الا الفدية , هذا الكلام بالنسبة الى القضاء المضيق .

اما الكلام في النذر المعين :
فالظاهر عدم وجود الدليل الموجب للخروج عن القاعدة فيه , وبهذا يختلف عن القضاء المضيق , فلا يوجد الا رواية واحدة وهي مع ضعف سندها , ظاهرة في النذر غير المعين , فلا تنفعنا في محل الكلام , والرواية عن صالح بن عبد الله، عن أبي إبراهيم عليه السلام (قال : قلت له : رجل جعل لله عليه الصيام شهرا فيصبح وهو ينوي الصوم، ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال : هذا كله جائز )[6]
والمشكلة السندية في صالح بن عبدالله فهو مجهول الحال ,اما دلالة الرواية فهي تدل على جواز تأخير النية الى ما بعد طلوع الفجر , لكن موردها في النذر غير المعين , وبناء على ذلك يتعين الاخذ بمقتضى القاعدة الاولية في النذر المعين , وقلنا ان مقتضى القاعدة في الصوم عند تأخير النية عن اول وقتها _وهو طلوع الفجر_ البطلان , سواء أكان عن عذر أم عن غير عذر , نعم يكون معذورا تكليفا , لكن صومه فاقد لشرطه ولا يكون مجزيا الا بدليل , لأن اجزاء الناقص عن الكامل يحتاج الى دليل .
وهل هناك ما يمنعنا من التمسك بالقول بالفساد مطلقا ؟؟ حتى في صورة النسيان والجهل ؟؟
فعلى القول بعدم وجود المانع نفرق بين صورة القضاء المضيق فنحكم بصحته مطلقا , حتى في حال العمد والاختيار , وبين النذر المعين فنحكم بفساده مطلقا حتى في حال النسيان والجهل .
وعلى القول بالمانع كما لو كان الاجماع على الصحة في حالة النسيان والجهل فحينئذ قد يمنع من الالتزام بالفساد , اما احتمال الاجماع على غير حالة النسيان والجهل فهو منتف , لأننا قلنا ان المعروف والمشهور هو التفصيل في شهر رمضان والواجب المعين ,ففي حال العلم والعمد ذهب المشهور الى الفساد عملا بمقتضى القاعدة , واما في حال العذر كالنسيان فالمنسوب الى المشهور هو القول بالصحة .

اقول:- لا يبعد ان لم يكن اجماع فشهرة عظيمة على الحكم بالصحة , في حال النسيان او الجهل , بإعتبار ان الظاهر من الكلمات المتقدمة وغيرها من كلمات المتقدمين انهم عندما يحكمون بالصحة , يحكمون بأن وقت النية يمتد الى ما بعد طلوع الفجر , والقدر المتيقن من ذلك هو حالة وجود العذر , وقد ذكرنا سابقا ان المشهور يذهب الى التفصيل اي انه يحكم بالصحة في صورة المعذورية , وهذا يمنعنا من الالتزام بالفساد على نحو الفتوى فننتقل الى الاحتياط الوجوبي , كما صنعنا ذلك في شهر رمضان , لإنه يبدو ان شهر رمضان والواجب المعين على نسق واحد في كلمات المشهور , حيث يساوي بينهما في ما يحكم به , فكل منهما يأتي فيه التفصيل .
هذا تمام الكلام في الواجب المعين والقضاء المضيق , وننتقل بعد ذلك الى الواجب غير المعين .