35/04/22


تحمیل
الموضوع :الصوم مسألة 13
ذكر[1] المحقق الهداني ان قول الامام عليه السلام في موثقة عمار (هو بالخيار الى ان تزول الشمس ) يستفاد منه ارادة التخيير الاستمراري وجواز العدول عما نواه مطلقا _ صوما كان او افطار _ فهي تشمل محل الكلام وتشمل فرض ما لو لم ينو الصوم اصلا .
وقلنا ان الرواية مطلقة وليس فيها ما يوجب تقييدها بخصوص ما لم ينو الصوم اصلا , بإعتبار انها سؤال عن وقت نية صوم شهر رمضان , وهذا هو العمدة , وايدنا ذلك بدعوى التمسك بسائر الروايات _غير موثقة عمار _حيث قلنا ان موردها وان كان هو من لم ينو الصوم اصلا , لكن يمكن تعدي الحكم بتنقيح المناط او الغاء الخصوصية الى محل الكلام , بالبيان السابق .
هذا الفرع الاول من المسألة .
الفرع الثاني منها قال الماتن : ( الا ان يفسد صومه برياء و نحوه فأنه لا يجزيه لو اراد التجديد قبل الزوال على الأحوط ) وجوبا.
أي ان الصائم اذا كان قد افسد صومه لا بقطع نية الصوم , وانما افسده برياء او نحوه فأنه لا يمكن له ان يجدد نيته بعد الافساد على ان يكون صومه صحيحا فأن هذا المورد مستثنى مما تقدم من جواز تجديد النية , ويستفاد من كلمات بعض شراح العروة الاستدلال على هذا الاستثناء بوجهين .
الوجه الاول : ما ذكره السيد الحكيم (قد) ) (لاحتمال ظهور نصوص حرمة الرياء في كونه مبطلا له، لا من جهة منافاته للتقرب المعتبر في العبادة . كي يتوجه القول بالصحة في المقام _كما عن بعض - لعدم اعتبار التقرب بالإمساك الخارجي، كما عرفت. بل لأنه إذا كان الفعل المأتي به رياء مبعدا امتنع أن يكون مقربا .........)[2]
فأنه استدل (قد) بظهور نصوص حرمة الرياء بنفسه, بحيث يكون من مفسدات ومبطلات العبادة , بأعتبار ان الفعل المأتي به رياء يكون مبعدا عن المولى سبحانه وتعالى ويستحيل التقرب بالمبعد , فالرياء يستفاد من ادلته انه مفسد للعبادة بنفسه , وبناء على هذا يكون الرياء من قبيل المفطر(كالأكل والشرب) فكما ان الاكل والشرب والجماع يكون مفسدا للعبادة بنفسه كذلك الرياء مفسد للعبادة بنفسه , وعليه فلا تشمله روايات التصحيح , لأن موضوعها هو من لم يستعمل المفطر ( من لم يحدث شيئا ), واما اذا لم نستفد من تلك النصوص هذا المعنى , وكان غاية ما نستفيده منها ان الرياء مبطل للعبادة من جهة منافاته للتقرب المعتبر في العبادة , أي في تمام العبادة , وفي محل كلامنا من الفجر الى الغروب , فأذا اراء في صومه في مقطع زماني معين من اليوم فأن هذا الرياء في هذا الزمان يكون مبطلا للعبادة لكن بأعتبار منافاته للتقرب في هذا المقطع الزماني, ومن الواضح انه اذا كان منافيا للتقرب في هذا المقطع الزماني فأنه يكون موجبا لبطلان أصل العبادة(جميعها) , لأنها يجب ان تكون قربية في جميع اجزاءها , اذن الرياء يكون مبطلا للعبادة على كلا التقديرين , لكنه على المبنى الاول يكون منافيا لنفس العبادة , وعلى الثاني يكون منافيا للتقرب , لا لنفس العبادة , وبما ان التقرب معتبر في جميع اوقات العبادة , فأذا فسدت العبادة في احد اوقاتها فسدت جميعها , وبناء على الثاني يمكن تصحيح الصوم اذا جدد النية قبل الزوال , لأنه لا يزيد على ما لو ترك النية اصلا , وبما ان الروايات تشمل مورد ما لو ترك النية اصلا , فلا مانع من شمولها لمحل الكلام (التقدير الثاني), والى هنا يتضح ان المفهوم من روايات الرياء ان كان هو الاحتمال الاول فأن الصوم يكون باطلا ولا تشمله الروايات المصححة لتجديد النية , وان كان الثاني فأنه يمكن شمول النصوص له وتجديد النية قبل الزوال , وبينا انه (قد) يميل الى الاول ويوافق الماتن على ما ذهب اليه مضافا الى انه قال (لعدم اعتبار التقرب بالإمساك الخارجي) , فلو فرضنا ان المكلف امسك عن المفطرات بداع غير قربي كما لو لم يجد الطعام , فأن هذا لا ينافي صحة الصوم , وعليه فلو فرضنا ان المكلف امسك عن المفطرات بداع غير قربي وانما بداعي الرياء , فحينئذ يمكن تصحيح صومه بتلك الروايات .
الوجه الثاني : ما ذكره السيد الخوئي (قد):- ( نعم يشترط في ذلك أن لا يكون قد أفسد صومه برياء ونحوه، فلا يجزئه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط كما ذكره في المتن، بل الظاهر ذلك، والوجه فيه قصور النصوص عن الشمول لذلك، لأن النظر فيها مقصور على تنزيل غير الصائم - أي من كان فاقدا للنية فقط – منزلة الصائم، وإن من لم يكن ناويا إلى الآن لو جدد النية فهو بمنزلة الناوي من طلوع الفجر فيحتسب منه الباقي، ويفرض كأنه نوى من الأول . وأما تنزيل الصائم على الوجه المحرم لرياء ونحوه منزلة الصائم على الوجه المحلل فهو يحتاج إلى مؤونة زائدة ودليل خاص، وهذه النصوص غير وافية بإثبات ذلك بوجه، ولا تكاد تدل على انقلاب ما وقع حراما – لكونه شركا في العبادة - إلى الحلال، وصيرورته مصداقا للمأمور به، بل مقتضى ما ورد في روايات الرياء من قوله تعالى : أنا خير شريك . الخ أن هذا العمل غير قابل للانقلاب، وأنه لا يقبل الاصلاح بوجه، وأن ما وقع على وجه مبغوض يبقى كذلك ولا ينقلب إلى المحبوب فلا يكون مقربا أبدا .)[3]
فالسيد الخوئي يترقى اكثر من الماتن حيث ان الماتن يقول بالبطلان على الاحوط (أي الاحوط وجوبا) والسيد الخوئي يقول على الاظهر ويستدل على ذلك بدعوى ان المستفاد من روايات الباب هو تنزيل غير الصائم من جهة النية بمنزلة الصائم من طلوع الفجر , أي كما يحكم بصحة صوم الصائم من طلوع الفجر يحكم بصحة صوم الصائم الذي ينوي الصوم قبل الزوال , عندما يكون عدم صومه من جهة فقد النية , اما غير الصائم من جهة الرياء فلا يستفاد من الادلة تنزيل صومه منزلة الصائم من حين طلوع الفجر , واذا لم تشمله الادلة فلا يمكن تصحيح صومه , ثم يذكر في نهاية المطلب ( ولا تكاد تدل على ما انقلب حراما ) أي اننا لا نستفيد من الروايات ان ما وقع رياء وحراما ينقلب عما هو عليه , بحيث يمكن ان نقول انه وقع صحيحا بعد ان وقع رياء .
اقول بالنسبة الى ما ذكره السيد الخوئي في الوجه الثاني (الانقلاب) فأن تصحيح الصوم على تقدير الالتزام به لا يتوقف على مسألة الانقلاب , فأننا لا نريد تصحيح ذلك الصوم (الذي وقع حراما ) , بل نريد القول ان الصوم الذي يقع_ قبل الزوال بعد نية الرياء_ على الوجه الصحيح يكون مجزيا , ونقول ان الشارع اكتفى به عن الصوم من طلوع الفجر , ولا حاجة الى فرض الانقلاب .
فالعمدة في كلامه (قد)هو ان الذي يستفاد من النصوص ( ان ترك الصوم في جزء من الوقت من جهة فقد النية (عدم الصوم ) يُنزل منزلة الصوم الكامل , اما الاستفادة اكثر من ذلك هذا مما لا تتحمله النصوص) .
وهذا الوجه اذا تم لا علاقة له بما ذكره السيد الحكيم ( من ان الرياء مبطل للعبادة بنفسه او انه مبطل لها بأعتبار انه ينافي التقرب المعتبر ) أي انه تام على كلا التقديرين سواء قلنا بأن الرياء مفسد للعبادة بنفسه او انه مفسد بأعتبار منافاته لقصد القربة ,ومن جهة اخرى ان هذا الوجه لا يختص بالرياء , لأن الدليل الدال على الصحة مختص بما لو كان الصوم فاقدا للنية , اما اذا كان عدم الصوم وبطلانه من جهة اخرى سواء كان للرياء او غيره فإن دليل الصحة لا يشمله .
اما الوجه الذي ذكره السيد الحكيم (قد) فهو وجه لا بأس به لكنه يتوقف على ملاحظة نصوص الرياء , وما هو المفهوم منها هل المنافاة لإصل العبادة ام لقصد التقرب المعتبر في اجزاء العبادة , والبناء على احد الامرين يحتاج الى مراجعة تلك الادلة وان كان المحتمل هو ما يقوله السيد الحكيم من ان الذي يظهر من الادلة هو منافاته لإصل العبادة .
فالنتيجة ان الصحيح في هذا المسألة هو انه من الصعب جدا الالتزام بتصحيح الصوم اذا وقع قبل ذلك رياء اما لما يذكره السيد الحكيم بأن الرياء منافيا لإصل الصوم فلا تشمله الادلة , لأن هذه المنافاة كمنافاة الاكل والشرب وعليه فلابد من الرجوع الى القاعدة وهي تقتضي البطلان .
واما لما يقوله السيد الخوئي من ان النصوص لا يستفاد منها التصحيح لأكثر من هذا المقدار (غير الصائم من جهة نية الصوم )
واما ان نقول ان الادلة لا تدل على الصحة ولا البطلان , ويكون المورد مشكوك الصحة , وعليه لابد من الرجوع الى القاعدة وهي تقتضي البطلان
فالصحيح ما ذكره السيد الماتن في هذا الفرض .