35/07/10


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الجماع
قال الماتن : ( ويتحقق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها فلا يبطل بأقل من ذلك ).
بعد ان تقدم ان الموجب للغسل وبالتالي المفطرية هو عبارة عن التقاء الختانين المفسَر في الرواية الصحيحة(ابن بزيع) [1] بغيبوبة الحشفة وعلى هذا الاساس تقدم انه لا يكفي ادخال اقل من هذا المقدار, ولا يعتبر ما زاد عليه وهذا لا اشكال فيه, وانما الكلام يقع في مقطوع الحشفة فما هو المقدار الذي يوجب فيه الغسل؟ و بالتالي بطلان الصوم ؟
وهناك عدة احتمالات مذكورة في كلمات الفقهاء .
الاول: وهو المنسوب الى المشهور بل قد يدّعى ان لا خلاف فيه هو ان يقال ان الجنابة ووجوب الغسل يتحقق بإدخال مقدار الحشفة من الباقي بعد القطع, ويُستدل على ذلك كما في مصباح الفقيه وغيره , بأن ادلة اعتبار ادخال الختانين محمول على بيان المقدار بأعتبار عدم فهم خصوصية للحشفة تكون دخيلة في الحكم ما عدا المقدار, فلا يكفي ما كان اقل من ذلك ولا يعتبر ما هو ازيد.
قال المحقق الهمداني وهذا من قبيل ما ورد من انه يجب القصر اذا خفت الجدران او خفي الاذان فهناك الذي يُفهم عرفا من هذا الدليل هو ان الوجوب مشروط بالمسافة عن البلد بهذا المقدار ولا خصوصية للجدران بما هي جدران , وفي محل الكلام كذلك يكون مقدار الحشفة هو المعتبر وليس نفس الحشفة .
واجيب عن هذا الدليل بأن هذا خلاف الظاهر فأن الاخبار ظاهرة بأن ادخال الحشفة بنفسة موضوع للحكم وجعلُ موضوع الحكم مقدار الحشفة لا نفس الحشفة خلاف الظاهر , ومقايسة المقام بمسألة وجوب القصر في تلك المسألة لا وجه لها, لأنه هناك يُفهم عرفا ان التحديد بالمقدار, اما في المقام فلا يُفهم عرفا ان التحديد بالمقدار.
ذكر هذا الجواب السيد الخوئي (قد), لكنه لم يذكر ماهي النكتة المانعة من مقايسة المقام بمسألة وجوب القصر , وانما ادعى بأن هناك الروايات ظاهرة في التحديد بالمقدار وهي غير ظاهرة بذلك في المقام , وقد يدّعى ان القضية بالعكس تماما, بمعنى انه في تلك المسألة قد نتوقف بحمل الروايات على التحديد بالمقدار وانما القضية مرتبطة بالجدران وكأنه ما زال يرى الجدران فأنه يحكم عليه بأنه ما زال في داخل البلد, وهذا يعني ان الجدران لها خصوصية تمنع من الحمل على المقدار, بينما في محل الكلام لا نحتمل خصوصية للحشفة بشكلها المتعارف سوى المقدار , وعلى كل حال سواء امكن قياس المقام على تلك المسألة او لا , فأنه يبدو ان ما استدل به المشهور له وجه وذلك لصعوبة افتراض ان تكون هناك خصوصية للحشفة دخيلة في الغسل والجنابة بما هي حشفة وبما لها من شكل خاص .
الثاني: ان يقال بأن مقطوع الحشفة لا يجب عليه الغسل بالجماع اصلا, وانما ينحصر سبب الجنابة بالنسبة اليه بالإنزال فقط, وقد يستدل على هذا بمفهوم الجملة الشرطية الواردة في الرواية (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ومفهومها هو اذا لم يلتق الختانان لم يجب الغسل وعدم التقاء الختانين وان كان من باب سلب الموضوع , لا من باب سلب المحمول , ومقطوع الحشفة ليس له ختان , وهذا الوجه جوابه ان هذه القضية الشرطية ليس لها مفهوم اصلا, وانما هي مسوقة لبيان تحقق الموضوع , وهي في قوة القول (يجب الغسل عند التقاء الختانين (غيبوبة الحشفة)) فهي من قبيل اذا رزقت ولدا فأختنه فهي في قوة يجب ختان الولد عندما ترزقه . هذا الوجه الاول الذي يستدل به على هذا الاحتمال.
واما الوجه الاخر الذي يستدل به على هذا الاحتمال الثاني هو ان يقال ان المطلقات التي ورد فيها عنوان الادخال والايلاج وان الغسل يجب بالإدخال والايلاج وان كانت تشمل واجد الحشفة ومقطوعها لكنه ورد عليها التقييد بغيبوبة الحشفة وان الغسل انما يجب عند غيبوبة الحشفة كما تدل على ذلك صحيحة بن بزيع[2]
وهذا الدليل الدال على التقييد مطلق ايضا, ومفاده سببية غيبوبة الحشفة للجنابة , وحينئذ لا داعي لتخصيص هذا الدليل بواجد الحشفة , فتخصيصه بواجد الحشفة خلاف ظاهر الاطلاق فيه, لأن مفاده السببية ومقتضى ثبوت السببية بالنسبة الى فاقد الحشفة هو عدم وجوب الغسل عليه لأن سبب الغسل هو غيبوبة الحشفة وحيث انه فاقد لذلك فلا يتحقق السبب بالنسبة اليه فلا يجب عليه الغسل, فلو كنا نقول ان دليل التقييد يختص بواجد الحشفة حينئذ بالإمكان ان نتمسك بمطلقات الايلاج والادخال لأثبات وجوب الغسل عليه لأن دليل التقييد لا يشمله , لأن دليل التقييد (بغيبوبة الحشفة) يختص بالواجد واما الفاقد فتشمله مطلقات الادخال والايلاج التي تشمله بلا اشكال وهذا هو الاحتمال الثالث حيث انه يجب عليه الغسل بالإدخال مطلقا ولو كان بأقل من مقدار الحشفة , لكن هذا مبني على افتراض ان دليل التقييد مختص بواجد الحشفة , وهنا يُدّعى ان لا دليل على هذا الاختصاص ولا موجب له , لأن الدليل مفاده حكم وضعي وهو سببية غيبوبة الحشفة لوجوب الغسل وان هذا هو سبب الجنابة وهذا كما يشمل الواجد يشمل الفاقد ايضا غاية الامر ان الفاقد لا يجب عليه الغسل , ولا يمكن الرجوع الى المطلقات لإثبات وجوب الغسل عليه مطلقا ولو بأقل من هذا المقدار لأنها ابتلت بالتقييد حتى في مقطوع الحشفة بمعنى ان غيبوبة الحشفة معتبرة في وجوب الغسل مطلقا , حتى بالنسبة الى فاقد الحشفة .
ويجاب عن هذا الوجه بأنكار الاطلاق في دليل التقييد لأن هذا الجواب مبني على افتراض ان المطلقات تشمل كل من الواجد والفاقد وكذلك دليل التقييد وهذا الجواب يقول ان دليل التقييد مختص بواجد الحشفة وليس ناظرا الى فاقدها , بأعتبار ان ظاهر الدليل (صحيحة ابن بزيع ) بل ظاهر الادلة الاخرى التي تعبر بألتقاء الختانين انها تفرض وجود ختانين يلتقيان وليست ناظرة الى عدم الختان , ثم فسر التقاء الختانين بغيوبة الحشفة, فإفتراض اطلاق دليل التقييد حتى مع فقد الحشفة لا يخلو من شيء وهذا يعني ان اعتبار غيبوبة الحشفة ان القدر المتيقن منه هو واجد الحشفة , واما مقطوعها يقال بأن مقتضى اطلاق ادلة الادخال والايلاج التي قلنا انها تشمله بلا اشكال توجب عليه الغسل اذا تحقق عنوان الادخال ولو كان بمقدار اقل من الحشفة, وهذا الجواب يتوقف على اولا ابطال الاحتمال الاول ( الذي كان يقول ان هذه الرواية غير ناظرة الى الحشفة وانما ناظرة الى المقدار فقط حيث انه بناء علية يكون شاملا للواجد والفاقد )
وثانيا يتوقف على عدم اختصاص روايات الادخال والايلاج بواجد الحشفة , فهناك احتمال ان روايات الادخال والايلاج مختصة بواجد الحشفة بأعتبار كونها الحالة المتعارفة واذا تم هذا الامر يكون حينئذ الجواب صحيحا .
السيد الخوئي اجاب عن الاحتمال الثاني (وهو ان مقطوع الحشفة لا يجب عليه الغسل اصلا ) بجواب اخر حاصلة: اننا نستفيد من صحيحة زرارة والحلبي _صحيحة زرارة ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل ؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء . وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر : لعلي ( عليه السلام ) : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من الماء ؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار)[3]
وصحيح الحلبي ( قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل ؟ قال : كان علي ( عليه السلام ) يقول : إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، قال : وكان علي ( عليه السلام ) يقول : كيف لا يوجب الغسل والحد يجب فيه ؟ وقال: يجب عليه المهر والغسل.)[4] _ اننا نستفيد من هاتين الصحيحتين الملازمة بين ثبوت الحد والمهر من جهة وبين ثبوت الغسل من جهة اخرى , في حال وطء المرأة في القبل كما هو مورد الرواية, واذا ثبتت هذا الملازمة فمن الواضح ان مقطوع الحشفة يثبت عليه وجوب الغسل لأنه اذا ادخله بأجنبية يثبت عليه الحد, واذا ادخله في زوجته فأنه يثبت عليه المهر وهاتان الصحيحتان تثبتان وجوب الغسل على من ثبت عليه المهر والحد وحينئذ لا يمكن احتمال عدم وجوب الغسل.
الثالث: ان يلتزم بأن مقطوع الحشفة يجب عليه الغسل مطلقا(وان كان الإدخال بأقل من مقدار الحشفة ) ودليله هو التمسك بمطلقات الادخال والايلاج بدعوى انها مطلقة تشمل الحالة المتعارفة وغير المتعارفة , ويدعي ان الادلة المقيد مختصة بواجد الحشفة بأعتبار ما قلناه سابقا .