35/07/17


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الاستمناء
الكلام يقع في ان فعل ما يؤدي الى الاستمناء عادة مع فرض نزول المني بذلك, فهل هو مفطر مطلقا؟ وتشمل ما لو كان قاصدا لذلك او غير قاصد وتشمل ايضا ما كان في معرض الانزال اي ان فعله بحسب عادته فيه احتمال ان يترتب عليه الانزال وهذا يختلف من شخص الى اخر او لم يكن كذلك , وهذا هو الاحتمال الاول في المسألة, وهو المنسوب الى المشهور ,وفي مقابل هذا القول يوجد تفصيلان احدهما ما نُسب الى صاحب المدارك وهو ان المفطرية تختص بما اذا كان قاصدا الانزال , ومقتضى اطلاق كلامه لا فرق بين ان يكون في معرض الانزال او لم يكن , والتفصيل الثاني هو الذي اختاره المحقق الهمداني وهو ان المفطرية مختصة بمن كان فعله في معرض الانزال اي ان فعله بحسب عادته مؤدي الى الانزال سواء قصد الانزال ام لم يقصد, واما اذا لم يكن يحتمل خروج المني بهذا الفعل الذي جاء به فلا مفطرية مطلقا .
نذكر اولا تفصيل السيد صاحب المدارك ومنه يتضح الكلام في بقية الاقوال .
فهو يذهب الى اختصاص المفطرية بصورة قصد الانزال واستدل على ذلك بأن روايات الباب لم يصح منها الا رواية واحدة وهي صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع) [1]
ومن الواضح ان الرواية قد فرض الانزال فيها, وصاحب المدارك يقول ان هذه الرواية مختصة بحالة العمد ولا يصح الاستدلال بها على المفطرية في غير صورة العمد والقصد , وسبب اختصاص الرواية بذلك هو انه يرى (حتى) في قوله عليه السلام (حتى يمني) للتعليل يعني ان ما بعدها علة غائية لما قبلها وكأنه عليه السلام قال انه يعبث بأهله لأجل ان ينزل و اختصاص هذا الكلام بصورة القصد والعمد واضح.
ويمكن ان يضاف الى هذا_ وان كان هو لم يذكره _ دعوى اختصاص هذه الرواية وغيرها من الروايات بصورة العمد والقصد بقطع النظر عن كلمة (حتى ) وهو ان يقال ان روايات الباب ذكرت الكفارة, والكفارة دائما تشير الى وجود معصية ومخالفة وهذا لا يكون الا في حالة العمد , ومن هنا يمكن ان يقال ان روايات الباب تختص بصورة العمد والقصد, ولا دليل على المفطرية في غيرها ومن هنا قال بالتفصيل .
ومن الواضح ان صاحب المدارك لا يريد (بهذا الاستدلال ) اثبات المفطرية في صورة القصد والعمد لوضوح ان المفطرية في صورة القصد والعمد لا تحتاج هذا الاستدلال , فأن تعمد الجنابة لا اشكال في كونه من مفسدات الصوم, وانما غرضه الحقيقي هو نفي المفطرية عن غير هذه الصورة لعدم الدليل .
و يلا حظ على هذا الدليل :-
اولا: هناك احتمال معتد به وهو ان تكون (حتى) لأجل الترتب والغاية لا للتعليل , فقوله يعبث بأهله حتى يمني يريد ان يبين ترتب الانزال والامناء على العبث بأهله, ومن الواضح ان هذا اعم من القصد وعدمه وهذا الكلام يستعمل عرفا كما في القول سافرت ماشيا حتى تورمت قدماي فأن السفر ليس لأجل ان تتورم قدماه او فلان خطب بالناس حتى ملّوا فأنه لم يخطب في الناس لأجل ان يملّوا, وانما المراد ان هذا ترتب على هذا , وهذا يبين ان (حتى) تستعمل استعمالا عرفيا واضحا في مجرد الترتب ليس الا .
فقوله عليه السلام (يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ) يريد ان يبين ان الانزال ترتب على العبث بأهله وهذا كما هو واضح لا يختص بصورة القصد والتعمد, وانما الترتب كما يحدث في صورة القصد يحدث في صورة عدم القصد, واذا قلنا بالتردد فغاية ما يثبت به الاجمال في هذا الدليل وحينئذ يمكن الاخذ بالقدر المتيقن وهو صورة القصد والعمد وهذا المقدار يكون كافيا لصحة الاستدلال بالنسبة لصاحب المدارك فإذا قلنا ان هذا الاحتمال مساوٍ للاحتمال الذي طرحه, فأن هذا لا يمنع من الاستدلال بهذه الرواية على الاختصاص, ولهذا قلنا بأنه قد يقال بتعين هذا الاحتمال في قبال الاحتمال الاول , لهذه النكتة أن البناء على الاحتمال الثاني(كون حتى للترتب) سوف يكون الدليل ناظرا الى محل كلامنا الذي هو افتراض تحقق الانزال , وهذا يستدعي ان نفهم من الرواية افتراض تحقق الانزال وهو يتوقف على الاحتمال الثاني , حيث يمكن القول بأنه عبث بأهله حتى انزل اي ترتب عليه الانزال اي افُترض تحقق الانزال , واما على الاحتمال الاول فمن الصعوبة ان نستفيد من الرواية احتمال تحقق الانزال فأنها بناء على العلية يكون المعنى (رجل عبث بأهله لأجل ان ينزل) فيكون الموجب للكفارة والابطال هو ان يعبث بأهله لأجل ان ينزل وهذا اعم من ان نفترض بأنه انزل ام لا , خصوصا ان الحكم ترتب على الانزال من دون استفصال في انه انزل ام لم ينزل , فيكون المبطل للصوم هو الفعل الذي قصد به الانزال , فلا يفترض الانزال في الرواية بناءا على هذا الاحتمال فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام الذي قد فرضنا فيه تحقق الانزال.
نعم قد يقال ان قصد الانزال يكون موجبا للمفطرية بأعتبار قصد المفطر .
والعمدة في الكلام هو استظهار كون حتى لمجرد الترتب كما هو اكثر استعمالاتها كذلك, وان كانت تستعمل احيانا لأجل التعليل , فإذا استظهرنا كون حتى لمجرد الترتب فلا اشكال حينئذ , لأن الرواية تكون لمجرد الترتب وهو اعم من القصد وغيره وحينئذ يمكن التمسك بأطلاقها لأثبات المفطرية مطلقا (قصد او لم يقصد) اما اذا استظهرنا التعليل كما يقول صاحب المدارك او ترددنا فالكلام يكون مشكلا ولا يتم الرد على صاحب المدارك .
ثانيا: ان ما هو تام سندا في روايات الباب لا يختص بهذه الصحيحة فهناك رواية تامة سندا وليس فيها كلمة (حتى) فيمكن التمسك بها لأثبات المفطرية مطلقا , اي قصد ام لم يقصد ,تعمد ام لم يتعمد وهذه الرواية هي عبارة عن موثقة سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه اطعام ستين مسكيناً، مد لكل مسكين (.[2]
فهذه الرواية تامة سندا وهي مطلقة , فهي تقول بأن الرجل الذي لزق بأهله فأنزل يحكم عليه بهذا الحكم اعم من كونه قصد الانزال ام لم يقصد , ويمكن ان يقال ان ترك الاستفصال في قول الامام عليه السلام دليل على العموم, فأن هذا الكلام يحتمل وجهين ولو كانت المفطرية مختصة بمن قصد الانزال لكان ينبغي الاستفصال , فترك الاستفصال في مقام الجواب قرينة واضحة على العموم .
ثالثا : هناك روايات غير هذه الروايات يمكن ان يدّعى انها تدل على المبطلية في صورة عدم القصد فلا نكتفي بالإطلاق الذي يمكن ان نستفيده من الروايتين المتقدمتين , وهذه الروايات هي عبارة عن صحيحة الحلبي (عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه ؟ فقال : إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني )[3]
وهذا ما يفيد ان سبق المني يؤدي الى بطلان الصوم ولهذا نهى الامام عليه السلام نهيا كراهتيا لكي لا يقع في هذا المحذور, فالنهي من باب الاحتياط .


صحيحة منصور بن حازم (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة ؟ فقال :أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأما الشاب الشبق فلا، لأنه لا يؤمن، والقبلة إحدى الشهوتين....)[4]
وهذه الصحيحة فيها نفس الكلام السابق اي ان الامام عليه السلام ينهاه عن هذا الفعل لإحتمال انه يؤدي الى الانزال وهذه الرواية يفهم منها ان الانزال يكون موجبا للمفطرية ومن الواضح بأن هذه الرواية عندما تعلل نهي الشاب عن القبلة او تلك عندما تعلل كراهة مس المرأة مخافة ان يسبقه المني انها ناظرة الى صورة عدم قصد الانزال , وهذا يفهم منه ان الانزال وسبق المني يوجب المفطرية ولذا نهي عنه نهيا كراهتيا وهذا يختص بصورة عدم القصد .
وحينئذ يتم الجواب عما ذكره صاحب المدارك .
اما الاضافة التي اضفناها لكلام صاحب المدارك وهي انه قد يقال اننا لا نستدل ب(حتى ) ليجاب عن هذا الاستدلال بما تقدم وانما نستدل بكلمة (الكفارة) الواردة في هذه الروايات وهي غير مختصة بصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج فالكفارة تعني وجود المخالفة العمدية والذنب وهي تختص بصورة العمد والقصد
وحينئذ نقول بأختصاص الروايات بصورة العمد والقصد من هذا الباب اي بأعتبار انها رتبت الكفارة والكفارة لا تترتب الا على المخالفة العمدية .
وهذا جوابه وان كانت اصل الكبرى مسلمة, لكن هناك مسألة اخرى وهي ان تقييد هذه الروايات بصورة القصد والعمد من الصعب جدا الالتزام به, خصوصا ان بعض الروايات صريحة بصورة عدم القصد من قبيل صحيحة الحلبي وصحيحة منصور بن حازم بل من قبيل مرسلة حفص بن سوقه عمن ذكره (عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان) [5] فهذه العبارة(يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل ) صريحة في عدم القصد ومع ذلك فأن الرواية استعملت كلمة (كفارة) وهكذا في صحيحة منصور بن حازم والحلبي حيث قلنا انهما ظاهرتان في صورة عدم القصد وعدم العمد ومن هنا يتضح وجود الصعوبة في ان نخص روايات الباب بصورة العمد والقصد بمجرد ما ذُكر من ان الكفارة تعني وجود المخالفة العمدية, وانما الحل الصحيح هو ان نلتزم بأن الكفارة تعني المخالفة والعمد لكن ليس العمد بالإنزال, وانما في الفعل الذي صدر منه (كمس الاهل والتقبيل)والذي يكشف ان هذا الشخص ليس محتاطا بالنسبة الى صومه ولا يتجنب الامور التي تجعله في معرض افساد صومه وهذا الفعل صدر منه عمدا بلا اشكال .
فالنتيجة هي ان دعوى اختصاص الروايات بصورة التعمد من الصعوبة الالتزام بها في محل الكلام .