34-03-09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 368 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثانية:- وأما أن الركن الذي يبطل الحج بتركه عمداً هو المسمى فتوضيح الحال فيه هو أن الكلام تارة يقع من حيث النهاية وأخرى من حيث البداية:-
 أما من حيث النهاية:- فالركن على ما قيل هو المسمى ، بمعنى أن المكلف لو وقف في عرفات فمتى ما أفاض قبل الغروب ولو بساعة أو بساعتين أو بثلاث فإن ذلك لا يضر بصحة الحج لفرض تحقق المسمّى ، وهذا ما يعبر عنه بـ( المسمى من حيث النهاية ) ، وقد استدل على ذلك - يعني أنه متى ما أفاض بعد الوقوف ولو قبل الغروب بساعة أو بساعتين أو أربعة ... مادام قد وقف في عرفات بما دلّ على أن من أفاض من عرفات قبل الغروب فعليه بدنة - وهذه مسألة سوف تأتي انشاء الله فيما بعد - وقد دلت عليها بعض الروايات فإن مقتضى الروايات المذكورة أن العمل لا يبطل بالإفاضة قبل الغروب غايته يثبت في حقه بدنه فلو كان الواجب هو الأكثر من المسمّى وكان المسمّى ليس كافياً لكان اللازم على الإمام عليه السلام أن يقول ( إن عليه بدنة ويبطل حجّه ) والحال أنه لم يحكم بالبطلان إنما حكم بالبدنة فقط ومقتضى الإطلاق أن الإفاضة لا تضرّ قبل الغروب حتى لو كانت بساعة أو بساعتين أو أكثر . إذن ثبت المطلوب وهو أن المسمى من حيث النهاية يكفي . وقد ذكر الاستدلال المذكور غير واحد من الفقهاء منهم صاحب المدارك [1] حيث قال:- ( ولا يخفى أن الركن من الوقوف مسمّاه لا جميع الوقوف الواجب للقطع بأن من أخلّ بالوقوف عامداً في أول الوقت أو أفاض قبل الغروب عامداً لا يبطل حجّه وعلى هذا فيكون الزائد من الوقوف عن المسمّى موصوفاً بالوجوب لا غير ) . إذن استدل على كفاية المسمّى من حيث النهاية بالحكم المذكور - أعني من أفاض قبل الغروب لا يبطل حجّه - ومقصوده التمسك بالروايات الدالة على ذلك ، وهكذا ذكر في الحدائق [2] والجواهر [3] ووافقهم على ذلك السيد الماتن(قده) في المعتمد [4] .
 وأما من حيث البداية:- فاستدل السيد الماتن(قده) على أن الركن هو المسمّى - بمعنى أنه متى ما وقف في عرفات قبل الغروب ولو بعد ساعة من الزوال أو ساعتين أو أربع فإنه ما دام قد وقف قبل الغروب فقد تحقق منه الركن من حيث البداية وكان عمله صحيحاً غايته يكون آثماً لإخلاله بالواجب وهو الوقوف من الزوال إلى الغروب بصحيحة جميل الدالة على أن عمرة التمتع يستمر وقتها إلى زوال يوم عرفة ونصّ الرواية هكذا:- ( جميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر ) [5] بتقريب:- أن الفاصل بين مكة وعرفات كما نعرف هو أربعة فراسخ - يعني إن المسافة طويلة - فإذا فرض أن المكلف امتد وقت متعته إلى الزوال - يعني مادام الزوال لم يحلّ بعد - فله الحق بالإتيان بالمتعة فإذا أكملها عند الزوال فآنذاك تكون متعته صحيحة وآنذاك يذهب إلى عرفات ، وواضح أن ذلك يحتاج إلى وقت إلى أن يصل إلى عرفات كساعتين أو أكثر وهذا معناه أن الركن من حيث البداية هو المسمّى.
 واستدل(قده) أيضاً بما دلّ على أن من لم يحرم من ليلة التروية فله أن يحرم مادام لم يخف فوات الموقفين من قبيل رواية يعقوب بن شعيب [6] :- ( سمعت أبا عبد الله يقول:- لا بأس بالمتمتع إن لم يحرم من ليلية التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين ) [7] فإن هذه الرواية تدل على أن المناط هو خوف فوت الموقفين ، فعلى هذا الأساس مادام لا يخاف فوت الموقفين اللذين أحدهما عرفات فحينئذ يجوز له أن يحرم للحج وخوف فوته يكون بالعدم الكلّي أما إذا أدركه بربع ساعة بل ولو بأقل من ذلك قبل الغروب فهو لم يخف فوت الموقفين فيجوز له الإتيان بإحرام الحج ، فالمناط إذن في الركن من حيث البداية هو المسمّى فمادام يدرك الموقف من حيث البداية ولو بمقدار قليل كفى ذلك منه.
 وجميع ما ذكر قابل للتأمل:-
 أما ما أفيد بلحاظ النهاية - حيث تمسك الفقهاء بأن من أفاض قبل الغروب فعليه بدنة ولا يبطل عمله وذلك دال على كفاية المسمّى - ففيه:- إنا لو أردنا أن نتماشى مع الحروف والكلمات فالأمر كما ذكروا فإن الإفاضة قبل الغروب تصدق على من أفاض قبل الغروب بساعة أو بساعتين أو بأربع ساعات أو أكثر فإن ذلك صادق ، ولكن علينا أن نأخذ للظهور العرفي للجملة بالكامل فإن التعبير المذكور منصرف عرفاً إلى من أفاض قُبَيل الغروب بخمس دقائق أو عشر دقائق أما من أفاض بأربع أو خمس ساعات قبل الغروب فينصرف عنه مثل التعبير المذكور والعرب ببابك ، وهذا نظير ما إذا قلت لشخص طلب منك موعداً فقلت له ( جئني قبل الغروب ) فإنه لو جاء من الصباح الباكر فأيضاً يصدق أنه جاء قبل الغروب لو تماشينا مع الألفاظ والحروف ولكنه لا يفهم ذلك جزماً وإنما يفهم القبلية بمعنى القبلية بشيء قليل ودقائق قلقلة ، وعليه فلا يمكن أن نفهم من الروايات المذكورة أن الإفاضة قبل الغروب بساعات لا تؤثر على صحة العمل والركن يتحقق بالمسمى من حيث النهاية ، نعم لو كان هناك اجماع في البين أو قطعٌ بسبب الإجماع أو غيره فلا اشكال أما إذا أردنا أن نتماشى مع الروايات المذكورة فلا يستفاد منها ذلك ، وهو مطلب واضح.
 وأما بالنسبة إلى البداية:- فقد استدل برواية جميل التي مرت فيمكن أن يقال:- إنها ناظرة إلى المضطر ، فالشخص المضطر الذي لم يمكنه الإتيان بالمتعة في وقتها المناسب وضاق عليه الوقت فإلى متى يحق له أن يأتي بعمرة التمتع ؟ حكم عليه السلام بأنه يجوز له ذلك إلى الزوال من يوم عرفة . إذن هي ناظرة إلى المضطر وليست ناظرة إلى المختار وإلا يلزم أنه يجوز للمختار أيضاً أن يؤخّر إلى الزوال وبالتالي لا يكون آثماً لو أخّر عمداً وورد إلى عرفات بعد الزوال بثلاث ساعت مثلاً لأنه له الحق أن يأتي بالمتعة إلى الزوال وهو قد فعل ذلك وهذا لم يقولوا به بل قالوا هو آثم ، إن لازم حكمهم بأنه آثم اختصاص هذه الرواية بالمضطر وهذا مطلب آخر ولكن نحن كلامنا في المختار وإلا فالمضطر يكفيه المسمّى بل لو فاته موقف عرفات فأيضاً لا يضر به ذلك ، وإنما كلامنا في المختار والرواية قاصرة عن شموله.
 وأما بالنسبة إلى رواية يعقوب بن شعيب التي قالت إن المتمتع له أن يحرم للحج ما لم يخف فوت الموقفين:- فلا يمكن أن نستفيد منها أن الموقف هو المسمى فإنها قالت ( مالم يخف فوت الموقفين ) وهذه صالحة لإرادة الوقوف من الزوال إلى الغروب فإذا لم يخف فوت هذا الموفق فلا بأس أن يؤخر إحرامه مادام لا يخاف ذلك ، يعني لماذا نفسّر الموقف هنا بالمسمّى بل يمكن تفسيره بالموقف الاختياري.
 ولو تنزلنا فلا يبعد أيضاً أن تكون ناظرة إلى خصوص المضطر لنفس القرينة التي ذكرناها بالنسبة إلى صحيحة جميل حيث قلنا أنها لو كانت شاملة للمختار فلازمه جواز التأخير في حق المختار والوقوف بعد الزوال بساعات وهذا مما لا يلتزمون به.
 إذن التمسك بالوجوه المذكورة قابل للمناقشة كما ذكرنا.
 والأنسب أن يقال:- تارة نبني على فكرة القصور في المقتضي بمعنى أن المقتضي لإثبات وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب لم يثبت كما صرنا إليه واختاره العلامة وصاحب الرياض ولعله يظهر من ابن ادريس ، وأخرى نبني على تمامية المقتضي كما هو ظاهر بقية الفقهاء حيث أوجبوا الوقوف من الزوال أو ما بعده بساعة إلى الغروب.
 فإن بنينا على الأول فنفس القصور في المقتضي يكفينا لإثبات أن الركن هو المسمّى دون الزائد على ذلك إذ لا مقتضي يثبت أكثر من ذلك حسب الفرض.
 وإن بنينا على الثاني فالخروج عن هذا المقتضي التام يحتاج إلى دليل والمفروض أن ما ذكرناه سابقاً - أعني روايات الإفاضة قبل الغروب من عرفات أو صحيحة جميل أو رواية يعقوب بن شعيب - قابل للمناقشة كما أو ضحنا فيلزم آنذاك بعد قصور هذه بأن الركن هو المجموع لا خصوص المسمّى إذ المخرج عن ذلك هو الروايات المذكورة وهي قابلة للمناقشة ، نعم الإفاضة قبيل الغروب لا تضر بمعنى قبل الغروب بخمس دقائق أو أكثر من ذلك بقليل وأما ما زاد على ذلك فحيث أنه واجب فيلزم أن يكون الإخلال به مضرّ بعد التأمل في الروايات السابقة.


[1] المدارك 7 400.
[2] الحدائق 16 403.
[3] الجواهر 19 32.
[4] المعتمد .
[5] الوسائل 11- 295 20 من أبواب اقسام الحج ح 15.
[6] اليت ورد في سندها اسماعيل بن مرار وهو لم يذكر بتوثيق ولكنه على رأيه السابق لا اشكال حيث ورد في اسانيد كامل الزيارات.
[7] المصدر السابق ح5.