34-04-02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 القضية الخامسة:- إنه قد ورد في عبارة المتن أنه عند الزحام يتوسع الموقف إلى المأزمين وعطف(قده) ضيق الوقت على الزحام حيث قال هكذا:- (( وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الوقت فيرتفعون إلى المأزمين )) ، والسؤال هو:- ما وجه عطف ضيق الوقت على الزحام والحال أن الروايات خالية من هذا القيد فموثقة سماعة التي هي المدرك لهذا الحكم لم تأخذ ضيق الوقت بعين الاعتبار وهكذا الفقهاء في كلماتهم لم يسلطوا الأضواء على هذا القيد وإنما قالوا ( عند الزحام يرتفع الحجيج إلى المأزمين ) فما وجه ذكر هذا القيد بعد خلو الروايات عنه ؟
 ربما يخطر إلى الذهن أن ذلك من جهة أن الارتفاع إلى المأزمين هو وظيفة حالة الاضطرار وبما أن الانتقال إلى الوظيفة الاضطرارية مشروط دائماً بضيق الوقت عن أداء الوظيفة الاختيارية فلذلك أخذ هذا القيد بعين الاعتبار ، فالانتقال إلى التيمم مثلاً الذي هو وظيفة اضطرارية مشروط بضيق الوقت للصلاة الاختيارية ما بين الحدّين وهذه قضية عامة في جميع الوظائف الاضطرارية فإنها مشروطة بضيق الوقت عن أداء الوظيفة الاختيارية.
 بيد أن هذا واضح الوهن فإن الوظيفة الاختيارية إذا كان المطلوب فرداً ضمن وقت وسيع كصلاة الظهر فإنها مطلوبة في الوقت ما بين الزوال إلى الغروب فهنا يأتي ما ذكر فيقال ( إذا أمكن للمكلف أن يؤخر أداء الصلاة إلى ما قبل الغروب ويأتي بها مع الطهارة الاختيارية فلا وجه للانتقال إلى الوظيفة الاضطرارية ) إن هذا شيء مقبول ولكن المفروض في مقامنا أن مقدار الواجب هو بمقدار الوقت يعني أن الواجب ليس واجباً موسعاً وإنما هو متطابق مع مقدار ما يحتاجه الواجب من الوقت كصوم شهر رمضان فإنه مطلوب ما بين طلوع الفجر إلى الغروب فمقدار فعل الواجب يتطابق مع الوقت المحدد فهنا لا معنى لأخذ ضيق الوقت بعين الاعتبار ، وعليه فذكر هذا القيد ماذا يقصد منه ؟
 والجواب:- لعل المقصود هو العطف التفسيري ، بمعنى أن الوقت أريد به الموقف المؤقت بالوقت نظير الميقات في باب المواقيت فإنه يعبر عنه بالوقت فلعله أراد هذا المعنى هنا وهو أن الوقت إشارة إلى نفس المؤقت وهو الوقوف بالمشعر الحرام ، وعلى هذا الأساس يتضح أن المناسب إما حذف ذلك لأن هذا عطف غموض أو أنه يبدل الوقت بالموقف ، والأمر سهل.
 القضية السادسة:- إننا عرفنا أن للمزدلفة حدوداً وهي المأزمان وحياض مُحَسِّر - أو نفس وادي مُحَسِّر - والجبل ، والسؤال هو:- إن هذه الحدود لا تعرف بأسمائها في زماننا هذا وإنما كانت هي اسماء موجودة سابقاً ولعله يصعب تحديدها ومعرفاتها الآن فما هو الطريق الذي نعتمد عليه لتشخيص هذه الحدود ؟
 المناسب أن يقال:- إن المرجع في أمثال ذلك هو إلى أهل الخبرة ، ونقصد من أهل الخبرة هم أهل نفس المنطقة الذين لهم معرفة بذلك شريطة أن يكونوا من الثقاة ، والمدرك في ذلك هو السيرة العقلائية فإنه إذا أردنا أن نعرف بعض معالم النجف الأشرف مثلاً حيث يذكر أنه في الزمان القديم أن النجف يوجد فيها سور فيرجع فيها إلى أهل النجف الذين لهم معرفة بذلك ، إن السيرة قد جرت على ذلك ولا نحتمل أنها حادثة في زماننا بل هي ثابته في قلب العقلاء وعلى هذا الأساس فهي ثابتة في زمان المعصوم وحيث لا ردع عنها فتكون ممضاة ، وكان من المناسب التنبيه على ذلك في الرسالة العملية للمكلفين فإنه لا معنى لذكر هذه الحدود من دون تشخيص الطريق لمعرفتها فيقال هكذا ( إن للمشعر حدوداً هي كذا وكذا ويرجع تشخيصها إلى أهل الخبرة ) ، ولا يبعد أن العلامات الموجود في زماننا لتشخيص المنطقة هي مصداق للرجوع إلى أهل الخبرة فإنهم أعرف ولو فرض أنه كان يوجد شيء مخالف لانكشف من الجهات الأخرى من أصحاب التاريخ والآثار فعدم طرحِ رأيٍ في مقابل ما هو موجود يكون بالتالي هو رجوعا إلى أهل الخبرة بل ربما يكون موجباً لحصول الاطمئنان ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية إلا إذا حصل تضارب بين الشهادات وهذه قضية أخرى نشير إليها الآن وقد تقدم عندنا سابقاً أن الامام الصادق عليه السلام سأل ولده ( هل سعيت في وادي محسِّر ؟ فقال:- لا ، فقال له:- ارجع واتِ به ، فقال:- لا أعرفه ، قال:- اسأل من الناس ) وهذا امضاء لهذه السيرة التي أشرنا إليها . إذن ليس فقط لا يوجد ردع عن السيرة بل يوجد امضاء لها.
 ولو قلت:- لو حصل شك في حدود المنطقة ولا ندري أن هذا المكان من المشعر أو لا إما لتضارب شهادات أهل الخبرة أو غير ذلك فما هو الحكم في مثل ذلك ؟
 أجبنا عن ذلك فيما تقدم - أي في الوقوف في عرفة وقلنا:- تارة يفترض أن عنوان المشعر أخذ بنحو الموضوعية يعني أن اللازم على المكلف هو أن يقف في هذا المكان وذمته قد انشغلت بكون هذا المكان هو المشعر بحيث يكون عنوان المشعر قد انشغلت به الذمة - فيصير المورد من ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) يعني لابد من الاحتياط إذ ذمته قد اشتغلت بعنوان المشعر والوقف بالمشعر فلابد من إحراز ذلك وعيله فلا يجوز الاكتفاء بالوقوف في المكان المشكوك ، وعلى الثاني - أي إذا فرض أنه أخذ بنحو الطريقة - فالذمة لا تكون منشغلة بعنوان المشعر والوقوف في المشعر حتى يقال إن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وإنما اشتغلت بالوقوف في واقع المكان فيكون المورد من موارد الدوران بين الأقل والأكثر - يعني لا ندي هل اشتغلت الذمة بالوقوف في هذا المكان الذي يجزم بأنه من المشعر بخصوصه أو أنها انشغلت بالوقوف بالأعم من هذا وغيره وهو المكان المشكوك والأول هو الأكثر وأما إذا فرض انها انشغلت بالأعم فهذا عبارة عن الأقل - فعلى هذا الاساس يشك باشتغال الذمة بقيد ( هذا المكان ) أو أنها انشغلت بهذا أو الزائد عنه فحينئذ ننفي انشغال الذمة بالقيد المذكور بأصل البراءة ، والفت النظر إلى أني ذكرت سابقاً وأكرر الآن أيضاً بأن البراءة نجريها عن ماذا ؟ إنا لا نجريها عن الوقوف بالمشعر بخصوصه ، كلا وإنما نجريها بلحاظ أصل الحج ككل فنقول إننا نشك باشتغال ذمتنا بالحج المركب من الإحرام والوقوف بعرفات والوقوف في المشعر المقيد بأن يكون الوقوف فيه وقوفاً في هذا المكان دون الزائد منه فإنه شك في أصل اشتغال الذمة بالحج المقيد بهذا القيد فنجري البراءة عنه.
 وبالجملة:- إذا كان قيد المشعر قد أخذ بنحو الموضوعية فيلزم الاحتياط وإذا كان بنحو الطريقية فالمناسب البراءة.
 وقد تسأل:- إن المناسب هو ماذا ؟ فهل هو مأخوذ بحو الموضوعية أو بنحو الطريقية ؟ يعني حينما قال تعالى (( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام )) هل أخذ المشعر الحرام هنا بحو الموضوعية أو بنحو الطريقية ؟
 والجواب:- إنا تعلمنا قاعدة وهي أن الأصل في العناوين المأخوذة في أدلة الأحكام أنها مأخوذة بنحو الموضوعية ومستند هذا الأصل هو الظهور فإن ظاهر أخذ العنوان أن له مدخلية بما هو عنوان.
 ونحن نقول:- هذه قضية ليست مطردة في مساحة كبيرة أو في كامل المساحة ، ففي تحديد الأمكنة لا يبعد أن يدّعى أن العرف لا يفهم خصوصية أو موضوعية للعنوان فإذا قيل لك ( قف في حرم الامام الحسين عليه السلام ) فعنوان الحرم هنا بما هو حرم ليست له موضوعية وإنما هو مشير إلى المكان الذي هو واقعه حرم الامام عليه لسلام فكل المدخلية لذلك المكان أما عنوان الحرم فليست له مدخلية ففي باب تحديد الأمكنة لا يبعد أن هناك أصل ثانوي بأنها مأخوذة بنحو الطريقية أو لا أقل نقول نحن يلزمنا أن نلاحظ كل مورد وما نفهمه منه ولا ينبغي أن نأخذ هذا الأصل شيئاً مسلماً وإنما نرجع في كل مورد إلى وجداننا فإذا فهمنا منه الموضوعية فنحمله على الموضوعية وإذا لم نفهم ذلك فنحمله على الطريقية فإنه لا يوجد أصل عام يمكن التمسك به ، وفي مقامنا لا يبعد بوجداننا العرفي أن يكون عنوان المشعر مأخوذاً بنحو الطريقية إلى واقع المكان.
 وإذا سألت وقلت:- لو فرض أنا رجعنا إلى وجداننا العرفي وحصل تردد بحيث أنا كإنسان عرفي احتملت كلا المطلبين ولم يكن هناك وضوح في أخذه بنحو الموضوعية أو أخذه بنحو الطريقية فما هو الجواب آنذاك ؟
 والجواب:- إن هذا في صالح الطريقية بحسب النتيجة لأنا سوف لا نجزم باشتغال ذمتنا بعنوان المشعر والوقوف في المشعر وما دمنا لا نجزم بذلك فالمرجع هو البراءة.