34-04-19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ويرد عليه:- إن هذا وجيه إذا لم تكن هنالك رواية تدل على جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس أما إذا كانت هناك رواية من هذا القبيل وكانت دلالتها واضحة فيلزم حمل الرواية السابقة التي قالت:- ( ثم أفض إذا أشرق ثبير ) على الاستحباب ، أما ما هي تلك الرواية ؟ إنها صحيحة أو موثقة اسحاق بن عمار:- ( سألت أبا ابراهيم عليه السلام:- أي ساعة أحبُّ إليك أن أفيض من جمع ؟ قال:- قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليَّ ، قلت:- فإن مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال:- لا بأس ) [1] إنها دلت بوضوح على أن أحبَّ الساعات للإفاضة من المشعر عند الامام عليه السلام هو قبل طلوع الشمس بقليل ، وعلى منوالها موثقة معاوية بن حكيم [2] ، بل وربما يتمسك أيضاً بصحيحة هشام بن الحكم المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا تجاوز وادي مُحسِّر حتى تطلع الشمس ) [3] فإنه بناءً على كونها ناظرة إلى اليوم العاشر كما احتملناه سابقاً وكما فهمه المشهور - يعني أن الرواية ناظرة إلى الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى - تكون الرواية المذكورة دالة على جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس لأنها لم تقل ( لا تدخل وادي مُحسِّر ) الذي هو خارج المشعر الحرام من طرف منى بل قالت ( لا تجاوِز ) أي لا تتجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس والوادي المذكور حيث إنه عريض فمعنى ذلك أنه يجوز الدخول فيه قبل طلوع الشمس ، يعني أن الخروج من المشعر الحرام يجوز غايته لا تتجاوزه بالعبور إلى منى إلا بعد طلوع الشمس . إذن الرواية المذكورة تدل على أن الوقوف في المشعر الحرام إلى طلوع الشمس لا يلزم بل تجوز الإفاضة قبل ذلك إن هذه الرواية وتلك السابقة - وواضح أن موثقة ابن حكيم نفس مضمون موثقة أو صحيحة اسحاق - تدلان على أن الإفاضة قبل شروق الشمس جائزة وبذلك يثبت المطلوب ، يعني تحمل رواية ( أفض إذا أشرق ثبير ) على الاستحباب كما ذكرنا.
 إن قلت:- إنه يمكن أن نجيب عن الرواية الأولى الدالة على أن أحب أوقات الإفاضة هو قبل طلوع الشمس بقليل يمكن حملها على أن المقصود من الإفاضة هنا ليس هو الخروج من المشعر بل بمعنى أنه يجمع رحله ثم يأخذ بالسير في المشعر وينتظر عند الحدِّ إلى أن تشرق الشمس وليس المقصود هو الخروج من المشعر الحرام وإذا كان هذا هو المقصود فيبقى ظهور موثقة اسحاق بن عمار التي قالت ( ثم أفض إذا اشرق ثبير ) على حاله بلا حاجة إلى حملها على الاستحباب ، هذا بالنسبة إلى الرواية الأولى وصاحبتها.
 وأما الرواية الأخيرة - يعني ( ولا تجاوز وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس ) فنقول:- إن المقصود من النهي عن التجاوز هو النهي عن الدخول في وادي مُحَسِّر فهو عليه السلام حينما قال:- ( لا تجاوز وادي مُحَسِّر ) يعني لا تدخل فيه وإلا لو كان المقصود هو عدم تجاوزه بالدخول في منى لكان المناسب أن يعبر الامام بتعبير أسهل وذلك بأن يقول ( لا تدخل منى قبل طلوع الشمس ) دون الحاجة إلى قوله ( ولا تجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس ) . إذن هاتان الروايتان يمكن توجيههما بما ذكرناه وبذلك يبقى ظهور موثقة اسحاق بن عمار بلا معارض ، هكذا ذكر السيد الخوئي(قده).
 قلت:- أما بالنسبة ما ذكر في توجيه الرواية الأولى - أي أن المقصود من الإفاضة في قوله ( الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل أحب إليَّ ) هو الحركة في نفس المشعر لا الخروج منه إلى الحدِّ ففيه:- إن هذا حركة في المشعر وليس إفاضة منه فإن الإفاضة من المشعر عبارة عن الخروج منه لا الحركة فيه وما ذكر مخالف للظاهر مخالفة قوية ، نعم لو فرض أن موثقة اسحاق بن عمار كانت تقول ( لا يجوز الإفاضة من المشعر الحرام قبل شوق الشمس ) يعني أن لسانها كان لساناً صريحاً لا أنها ظاهرة - أعني لسان الأمر فإن لسان الأمر لسان الظهور لا لسان الصراحة باللزوم - فإنها لو كانت تعبّر بلسان صريح بأنه لا تجوز الإفاضة إلا عند شروق الشمس لكان حمل الإفاضة في الرواية الثانية على الحركة في منى شيئاً مقبولاً وإن كان ذلك على مضضٍ لأنه مخالفٌ للظاهر أما بعد أن لم تكن تلك الرواية صريحة بالشكل الذي ذكرناه فلا وجه لهذا الحمل بل المناسب تطبيق النصّ والظاهر فيقال إن الرواية الثانية التي قالت ( أحبّ الساعات إليَّ الإفاضة قبل شروق الشمس بقليل ) هي صريحة أو أظهر في جواز الإفاضة قبل شروق الشمس ولا أقل هي أظهر بينما تلك ظاهرة في لزوم كون الإفاضة عند طلوع الشمس فيؤول الظاهر لحساب الأظهر . فالمناسب إذن ما أشرنا إليه لا ما ذكره(قده).
 وأما ما ذكره بالنسبة إلى الرواية الثانية:- أعني أن النهي عن تجاوز وادي مُحسِّر يراد به النهي عن الدخول في وادي مُحسِّر وإلا كان الأنسب أن يقول ( لا تدخل في منى قبل طلوع الشمس ) - ففيه:-
 أولاً:- النقض بالعكس حيث نقول له:- إذا كان المقصود هو كما قلت - يعني عن الدخول في وادي مُحسِّر - فلماذا يعبَّر بلسان ( لا تجاوز ) بل فليعبّر باللسان الأوضح وهو ( لا تدخل ) فإن ذلك لسان موهم فهو إن لم يكن ظاهراً في جواز الدخول غايته من دون تجاوز قبل شروق الشمس فلا أقل هو موهم لذلك فكان من المناسب للإمام وللتعبير العرفي أن يقول ( لا تدخل في وادي مُحسِّر ) لا أن يقول ( لا تتجاوز ).
 وثانياً:- وحلّاً حيث نقول:- إن هذا التعبير عرفيّ وذاك التعبير عرفيّ أيضاً فتعبير ( لا تجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس ) تعبير عرفي عن عدم جواز دخول منى قبل طلوع الشمس وذاك أي ( لا تخل منى قبل طلوع الشمس ) - تعبير عرفي أيضاً فكلاهما تعبير عرفي مقبول ولا حزازة في أحدهما والترجيح لا نرى له وجهاً ، وعلى هذا الأساس يكون استفادة كون النهاية للموقف الاختياري هو طلوع الشمس شيء صعب ، بل المناسب أن يقال تجوز الإفاضة قبل طلوع الشمس تمسكاً بموثقة اسحاق بن عمار غايته الأحوط أن لا يتجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس . وإنما صرنا إلى الاحتياط دون الفتوى - أي إلى الاحتياط بعدم تجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس والحال أن الرواية واضحة حيث تقول ( لا تجاوز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس ) - باعتبار ما أشرنا إليه سابقاً من أن هذا اللسان كما يحتمل النظر إلى اليوم العاشر يحتمل أن يكون ناظراً إلى اليوم التاسع فعلى هذا أساس لم يمكننا الجزم بالفتوى بل صرنا إلى الاحتياط.
 إن قلت:- كان من المناسب الفتوى أيضاً حتى مع هذا التردد غايه هو الفتوى بالاحتياط لا الاحتياط في الفتوى ، والوجه في ذلك هو أن هذه الرواية مادامت محتملة لوجهين وتفسيرين فيحصل لنا علم إجمالي بأنه يحرم تجاوز وادي مُحسِّر إما في اليوم العاشر أو في اليوم التاسع ومستند هذا العلم الاجمالي هو هذه الرواية فبالتالي لابد من المصير إلى الفتوى غايته فتوى بالاحتياط - أي يلزم الاحتياط بعدم الخروج من وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس - لأجل هذا العلم الاجمالي كما هو الحال في مثال الإناءين اللذين يعلم بأن أحدهما مغصوب أو نجس فكما نفتي هناك بلزوم الاحتياط بتركهما كذلك يلزم هنا الاحتياط في الفتوى بالشكل الذي ذكرناه.
 قلت:- هذا وجيه إذا تشكّل علم إجمالي بالتكليف فإن المنجّز هو العلم الإجمالي بالتكليف دون العلم بثبوت التكليف على تقديرٍ والاستحباب أي عدم التكليف على تقديرٍ آخر فإن هذا ليس علماً بالتكليف بل هو شك فيه ومقامنا من هذا القبيل لأنه على تقدير إرادة اليوم التاسع يكون النهي عن التجاوز قبل طلوع الشمس استحبابياً بإجماع الفقهاء والتسالم على ذلك وليس تحريمياً . إذن هذا النهي على تقدير إرادة اليوم العاشر هو تحريمي وعلى تقدير إرادة اليوم التاسع فهو تنزيهي فلا يحصل حينئذ علم بالتكليف بل هو شكٌّ كما ذكرنا.


[1] الوسائل ج14 ص25 ب15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[2] المصدر السابق ح3.
[3] المصدر السابق ح2.