35/11/12


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السادس , الغبار الغليظ
الوجه الثاني : ما ذُكر في مقباس الهداية وحاصله ان ظاهر حال الاصحاب انهم لا يستفتون ولا يسئلون الا منهم عليهم السلام , فإذا قال احد الاصحاب ( سألته ) فظاهر حاله يقتضي عود الضمير الى المعصوم, وهذا الظهور الحالي حجة كالظهور اللفظي اذ لا فرق في حجية الظهور بينما كان ظهورا لفظيا وبينما كان ظهورا حاليا , فالضمير في المضمرات في وسط مشحون بالروايات والرواة يكون له ظهور حالي في انه يعود الى المعصوم عليه السلام بأعتبار انه هو الذي يُسأل عن تلك المسائل .
وهذا الوجه لا ينافي ما تقدم من ان بعض اصحاب الائمة عليهم السلام سألوا غير الائمة _على فرض ثبوته_ وذلك لأن ثبوت سؤال هؤلاء من غير المعصوم لا يقدح في هذا الظهور الحالي والانصراف المدعى في الضمير الى الامام عليه السلام , ولا يمنع من الاخذ بالظهور بالنسبة الى غير هؤلاء من المضمرين , نعم لا يكون الظهور الحالي بالنسبة الى هؤلاء تاما اذا ثبت بأنهم يستفتون غير المعصوم .
نعم اذا فرضنا ان السؤال من غير المعصوم حالة شائعة فأن ذلك يكون قادحا في الظهور الحالي , وحينئذ لا ينعقد الظهور الحالي في احد اصحاب الائمة عليهم السلام في انه يسأل من المعصوم , لكنه لا اشكال انه لا توجد هكذا حالة شائعة بين اصحاب الائمة, فأن من اتعبوا انفسهم بالبحث لم يجدوا الا هذه الروايات التي اشرنا اليها , وهذا الروايات فيها كلام ايضا في ان سؤال غير المعصوم هل هو لأجل اخذ الحكم الشرعي منه او ان الطرف المقابل مثلا لا يقبل الاخذ من المعصوم فيسايره _ خصوصا في باب التداعي _ ويذهب معه الى القاضي لحل هذا النزاع .
فهذا الوجه يتم في غير من ثبت في حقهم انهم سألوا غير المعصوم .

الوجه الثالث : ما قيل من تدوين المضمرات في كتب الحديث المعروفة والمشهورة, وتداول هذه المضمرات بين الرواة والفقهاء والاهتمام بنقلها في كتبهم الحديثية يشكل قرينة على انها مروية عن المعصوم , لأننا لا نحتمل ان الشيخ الكليني او الشيخ الطوسي او الشيخ الصدوق فضلا عن الصّفار ويونس بن عبدالرحمن وامثال هؤلاء يروون في كتبهم الحديثية حديثا عن غير المعصوم .
واصل تدوين هذه المضمرات في هذه الكتب الحديثية وذكرها فيها والاهتمام بنقلها ويرويها راوٍ عن راوٍ الى ان تصل الى الراوي المباشر مثلا , كل هذا يشكل قرينة على ان الرواية مروية عن المعصوم عليه السلام , لأننا نستبعد ان هؤلاء الذين اهتموا بتدوين الحديث ان يذكروا رواية عن غير المعصوم عليه السلام, لأنهم اهتموا بتدوين الاحاديث التي وصلت اليهم عن المعصوم عليه السلام دون غيرها , وحيث ان هذه المضمرات الواصلة الينا مدونة في كتب الحديث واهتم بها الرواة فأن هذا يشكل قرينة على انها مروية عن المعصوم عليه السلام .
وقد ذكر هذا الوجه السيد الحكيم في المستمسك واشار اليه السيد الخوئي (قدهما).
ويلاحظ على هذا الوجه : انه لا مشكلة في ان يكون الشيخ الكليني مثلا دوّن رواية مضمرة في كتابه لأنه يحتمل انها واردة عن المعصوم ( اي انه ليس قاطعا بذلك) وليس هذا الامر بالمستهجن . هذا من جهة.
ومن جهة اخرى يمكن ان يكون صاحب الكتاب دوّن الرواية في كتابه لأجتهاده اي انه يرى ان الضمير يعود الى المعصوم عليه السلام , وهذا الاجتهاد ليس بحجة علينا .
كما هو حال الفقهاء حيث انهم استدلوا بهذه المضمرات على الاحكام الشرعية اجتهادا منهم بأنها مروية عن المعصوم , وهذا الاجتهاد ليس بحجة علينا ايضا .
ونفس الكلام يقال في اهتمام الفقهاء لهذه الاخبار ونقلهم من شخص لأخر فأنه يمكن ان يفسر بأحد هذين التفسيرين , اي اما ان يكون من باب نقل كل ما روي عن المعصوم ولو على نحو الاحتمال _ وهذا الامر لا بأس به _ واما ان يكون لأجل اجتهادهم الذي اوصلهم بأن هذه الروايات مروية عن المعصوم.

الوجه الرابع : ذكر بعضهم انه من المستبعد جدا ان تكون الرواية مضمرة وينقلها الراوي الى شخص ويدوّنها ذلك الشخص في كتابه من غير ان يسأل الراوي عن القائل وعن المسؤول وعن مرجع الضمير, وعليه فلابد ان نفترض ان الراوي ذكر الضمير عند الشخص الذي نقل اليه الرواية, والمنقول اليه دوّن الرواية عنده مع وضوح مرجع الضمير بالنسبة اليه (وانه المعصوم عليه السلام ) .
اقول ان هذا الوجه غاية ما يثبت به هو ان مرجع الضمير عند المنقول اليه واضح , ولا يثبت اكثر من هذا , فلا يدل على ان مرجع الضمير هو المعصوم , لإحتمال ان المنقول اليه قد عرف مرجع الضمير وهو شخص غير المعصوم .
من هنا يظهر ان اقرب الوجوه هو الوجه الثاني ( التمسك بالظهور الحالي في ان اصحاب الائمة عليهم السلام لا يروون الا عن المعصوم )

هذا تمام الكلام من جهة الاضمار في هذه الرواية .
وقد عُبر في بعض كتب الاستدلال عن هذه الرواية (بالمقطوعة) وهذا التعبير ليس تاما اصطلاحا, لأن الحديث المقطوع غير الحديث المضمر, فالحديث المقطوع هو الحديث الذي يقف على الراوي ولا يتعداه بحيث لا يُحتمل في الحديث المقطوع او الموقوف_ كما في بعض الاصطلاحات _ انه ينقله عن شخص اخر بينما في الحديث المضمر ينقل الراوي عن شخص اخر غاية الامر ان المروي عنه مردد عندنا بين المعصوم وبين غيره , وهذه الرواية من قسم المضمرات لأن سليمان بن حفص ينقلها عن شخص اخر وهو مردد عندنا بين المعصوم وغيره .
اما المقطوعة فكما لو وردت الرواية ( عن سليمان بن حفص قال ) .
هذا كله من حيث السند وتبين ان الرواية غير تامة سندا لعدم ثبوت وثاقة سليمان بن حفص على الاقل.
واما من حيث الدلالة :
فأنه نوقش في دلالة الرواية من جهتين:
الاولى : اشتمالها على ما لا يلتزمون به من قبيل مفطرية المضمضة ومفطرية الاستنشاق وشم الرائحة الغليظة وترتب الكفارة على هذه الامور من غير تقييدها بالعمد, وكذا تعيين الكفارة بشهرين متتابعين لأنه على تقدير ثبوت الكفارة فأنها تكون مخيرة .
الثانية : ان هذه الرواية معارضة برواية معتبرة سندا وهي موثقة عمرو بن سعيد ( عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال : جائز لا بأس به، قال :وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: لا بأس)[1]
اذا قرأنا الفعل (يدخل ) مبنيا للمعلوم يكون الفاعل هو الغبار واذا قرأناه مبنيا للمجهول فأن معناه يكون ان الصائم تعمد ادخال الغبار وفي كلتا الحالتين يقول الامام عليه السلام لا بأس .
والرواية معتبرة سندا.
وهي معارضة لرواية سليمان بن حفص المروزي لأنها ظاهرة في ان الغبار اذا دخل الحلق لا يكون من المفطرات .
اما بالنسبة الى الجهة الاولى فقد اجاب السيد الخوئي عن هذا الاشكال كما هي طريقته في امثال هذه المقامات بإمكان التبعيض في الحجية , فأن الرواية فيها وجوب الكفارة ويمكن ان نستفيد البطلان من وجوب الكفارة , وظهور البطلان حيث يمكننا الاخذ به نأخذ , وحيث لا يمكن الاخذ به لا نأخذ , كما في المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة لا يمكن الاخذ به للأجماع او للاتفاق او للشهرة , فنرفع اليد عن هذا الظهور لوجود قرينة تمنع منه , واما بالنسبة الى الغبار فلا يوجد ما يمنع من الاخذ بظهور المفطرية فيه ووجوب الكفارة , فيؤخذ بهذا الظهور وهو معنى التبعيض في الحجية اي تكون الحجية ثابتة بلحاظ بعض الفقرات ولا يمكن الاخذ بها بلحاظ الفقرات الاخرى .
وهذا المطلب العام السيال الذي يرد في جملة من الموارد قد يصح في بعض الامثلة التي ذكروا فيها هذا المطلب من قبيل اغتسل للجمعة وللجنابة, بأن يقال ان اغتسل مستعملة في المعنى العام الجامع بين الوجوب والاستحباب ( مطلق الطلب مثلا) وهذا المعنى على رأي السيد الخوئي تبعا للمحقق النائيني انه اذا اقترن بالترخيص في الترك يكون استحبابي, واذا اقترن بعدم الترخيص بالترك يكون ظاهرا في الوجوب عقلا , لأن ما يطلبه الشارع من المكلف ولم يرخص له في تركه يحكم العقل بوجوبه ولزومه, ومن هنا يكون الوجوب عنده من احكام العقل في حالة الطلب مع عدم الترخيص بالترك , فيقول في اغتسل للجمعة والجنابة اقترن الطلب في غسل الجمعة بالترخيص بالترك حيث ان الادلة دلت على جواز تركه, وحينئذ لا يحكم العقل بوجوبه بينما بلحاظ فقرة الجنابة لم يقترن بالترخيص بالترك, وكل امر مولوي لم يرخص الشارع في تركه يحكم العقل بوجوبه فيثبت الوجوب بلحاظ غسل الجنابة ولا يثبت بلحاظ غسل الجمعة .
ولكن هذا لا يصح في محل الكلام _ بغض النظر عن المناقشة المبنائية من ان الوجوب من احكام العقل وليس مدلولا لفظيا لصيغة افعل كما ذهب الى هذا المبنى السيد الخوئي _ وذلك لأمور:
الاول : ان المفطرية الموجودة في الرواية هي عبارة (فان ذلك له مفطر) فأن هذا اخبار عن بطلان الصوم وفساده وليس من قبيل صيغة افعل لكي يأتي الكلام المتقدم , وعليه فلا معنى لأدخال الدلالة العقلية في المقام .
الثاني : ان الحمل على الاستحباب في المقام بلحاظ الاستنشاق وشم الرائحة والمضمضة لا ينسجم مع ذيل الرواية ظاهرا , حيث انها تقول ان هذا مثل الاكل والشرب والنكاح, وعليه فمن الصعب جدا حملها على الاستحباب .
ومن جملة القرائن على عدم صحة هذا الكلام هو ان المشكلة ليس في مفطرية المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة لكي نقول بأنها ترتفع في مسألة التبعيض في الحجية , وانما هناك بعض الامور التي ذكرت في الرواية لا يلتزم بها الفقهاء ايضا, كما في وجوب الكفارة من دخول الغبار في الانف والحلق من دون تعمد كما هو ظاهر الرواية حيث انها تقول (كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار) وكما هو مقتضى العادة فليس هناك من يتعمد ادخال الغبار الى انفه وحلقه عمدا , وكذلك لا يمكن الالتزام بتحديد الكفارة وانها خصوص صوم شهرين متتابعين .
فإذا تم حل الاشكالات المتقدمة بما تقدم(من حكم العقل وامثال ذلك) فأن هذه الاشكالات لا يمكن حلها ولا يلتزم بها المشهور, بينما الرواية ذكرتها وهذا ما يشكّل نقطة ضعف في هذه الرواية .