36/04/27


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, المفطر العاشر : تعمد القيء, مسألة,74
قال الماتن
مسألة 74 ) :(يجوز للصائم التجشؤ اختيارا وإن احتمل خروج شيء من الطعام معه وأما إذا علم بذلك فلا يجوز)[1]
فالسيد الماتن يفرق بين ما اذا احتمل خروج شيء من الطعام مع التجشؤ وبين ما اذا علم بذلك , ففي الاول يحكم بجواز التجشؤ وفي الثاني يحكم بعدم جوازه .
وللبحث في هذه المسألة يمكن تصور جهتين :
الاولى: جهة صدق القيء على ما يخرج بالتجشؤ , أي ان من يتجشأ اختيارا وعمدا ويحتمل او يعلم بخروج شيء من الطعام, يأتي الاشكال صدق القيء على ما يخرج بالتجشؤ, وعدم الصدق, فيأتي هذا التفصيل بين ما اذا كان يحتمل خروجه وبين ما اذا كان يعلم خروجه .
الثانية : ان يكون الكلام والاشكال من جهة احتمال رجوع ما خرج بالتجشؤ الى داخل الجوف, وحينئذ قد يصدق عليه الاكل او غير ذلك .
الجهة الاولى:
والكلام فيها تارة يقع مع فرض العلم بخروج شيء من الطعام مع التجشؤ, واخرى مع فرض احتماله , فالكلام يقع في مقامين :
المقام الاول:(فرض العلم بخروج شيء من الطعام) والكلام تارة يقع في فرض صدق القيء على ما يخرج بالتجشؤ, واخرى في فرض عدم صدق القيء عليه.
اما مع فرض صدق القيء على ما يخرج بالتجشؤ فالأشكال يتلخص بهذا الشيء (انه مع تعمد التجشؤ _بحسب الفرض_ والعلم بخروج شيء من الطعام وفرض صدق القيء على خروجه ), فالأشكال يقول كيف يمكن الحكم بجواز التجشؤ وصحة الصوم مع وجود هذه القيود ؟؟
والظاهر في هذا الفرض من حيث الحكم التكليفي عدم الجواز, غاية الامر ان عدم الجواز يختص بالواجب المعين لأنه الذي يحرم ابطاله, اما غير المعين فلا اشكال في ابطاله (على اقل التقادير في ذلك قبل الزوال).
فخروج الطعام (القيء) وان كان قهرا الا ان مقدماته كانت اختيارية, والاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار.
أما من حيث الحكم الوضعي فالإشكال في صحة الصوم من جهتين على غرار ما تقدم, الجهة الاولى بأن يقال ان القيء اختياري لأختيارية مقدمته المؤدية اليه (التجشؤ), وحينئذ يبطل الصوم لأنه مختار في القيء, وتقدم الحل لهذا الاشكال سابقا وقلنا بأن الميزان في مفطرية القيء غير الميزان في مفطرية الاكل, فأن اختيارية الاكل يكفي فيها ان يصدر الاكل قهراً اذا كانت مقدماته إختيارية, كما في أكل بقايا ما يبقى في الاسنان قهراً, أما القيء فليس كذلك, لأن الادلة تدل على أن المعتبر في مفطرية القيء ان يكون اختياريا حين صدوره, وهذا غير متحقق في محل الكلام فلا يكون مفطراً ولا موجباً لفساد الصوم.
والجهة الثانية للإشكال تقدمت ايضاً, وفيها ان القضية مرتبطة بالنية والعزم على الامساك عن المفطرات, فأن العزم معتبر في صحة الصوم من اوله الى اخره, فإذا عزم آناً ما على فعل المفطر يبطل صومه (وهذا ما يسمى بنية القطع او القاطع), وفي المقام عندما يتجشأ عمدا ويعلم بأنه سيخرج شيء من الطعام عند التجشؤ, وانه يصدق عليه القيء, فهذا لا يمكن ان يكون عازماً على ترك القيء الذي هو احد المفطرات, بل قد يكون عازما على فعل القيء, وقد تقدم الجواب عن هذا الاشكال ايضا, وهو ان المفطر ليس هو القيء, وانما المعتبر في مفطرية القيء ان يكون مختاراً حال صدور القيء منه, وعليه فالعلم بصدور القيء من هذا المكلف قهراً ليس علماً بصدور المفطر, لأن القيء القهري ليس من مفطرات الصوم, فهو عازم على القيء القهري وهو ليس من المفطرات, فلا يكون قد اخل بالنية لأنه لم يعزم على فعل المفطر.
لكن يمكن التأمل في هذا الجواب في محل الكلام, وان تم في تلك المسألة (مسألة 71), حيث كان الفرض فيها (ما لو ابتلع في الليل ما يسبب القيء في النهار).
فالفرق بين المسألتين هو انه في تلك المسألة لا يتحقق القيء بنفس الابتلاع, فيقال بأن القيء الذي صدر في النهار قهري, وان كانت مقدماته اختيارية, اما في محل الكلام فأن القيء يتحقق بنفس التجشؤ, فالقيء يصدق على نفس خروج الطعام, فالتفرقة بين التجشؤ وبين القيء على فرض صدقه غير عرفية, وحينئذ لا يرد الجواب السابق, فلا يقال ان التجشؤ اختياري وصدر منه عمداً, لكن خروج شيء من الطعام (القيء) صدر قهراً, فالصحيح في المقام هو عدم جواز التجشؤ تكليفاً وبطلان وفساد الصوم وضعاً لهذه الجهة التي ذكرناها.
أما على فرض عدم صدق القيء على ما يخرج من الطعام في التجشؤ, فالحكم فيه عدم الحرمة التكليفية وعدم فساد الصوم, والمستفاد من الروايات المتقدمة ان ما يخرج بالتجشؤ ليس بقيء, ويسمى (التجشؤ) في الروايات بالقلس وفُرض في بعضها بخروج شيء من الطعام فيه, ويقول الامام (ع) لابأس به ,وهذا يعني عدم صدق القيء على نفس الخروج, ولو كان يصدق عليه القيء لكان به بأس, ومن تلك الروايات صحيحة عبدالله بن سنان(قال : سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام، أيفطره ذلك ؟ قال : لا، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه، قال : لا يفطره ذلك)[2]
فالرواية صريحة في محل كلامنا في عدم مفطرية ما يخرج من الطعام, ويمكن التمسك بأطلاق الروايات الاخرى من قبيل صحيحة محمد بن مسلم (قال : سئل أبو جعفر ( عليه السلام ) عن القلس، يفطر الصائم ؟ قال : لا)[3] ومقتضى اطلاقها _ لأن الغلس قد يخرج معه شيء وقد لا يخرج _ ولو المستفاد من ترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بينهما في عدم المفطرية, فالصحيح في هذا الفرض هو جواز التجشؤ وصحة الصوم مع العلم بخروج شيء من الطعام بالتجشؤ, ومنه يكون الحكم في الصور الثانية التي يحتمل فيها الخروج واضحاً.