36/05/16


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....).
الكلام في امكان تصحيح صوم المكره على المفطر.
ذكرنا وجوه لتصحيح الصوم:-
الاول: تطبيق حديث الرفع على الحكم الشرعي بالقضاء بأعتباره مترتباَ على ارتكاب المفطر فيشمله حديث الرفع عند الاكراه على المفطر.
الثاني: تطبيق حديث الرفع على المانعية (الحكم الوضعي) أي أن الاكل مع الاكراه ليس مانعاً من صحة الصوم.
وهذان الوجهان يتوقفان على أن المرفوع بحديث الرفع هو مطلق الاثار لا خصوص المؤاخذة.
الثالث: _وهو محل الكلام _تطبيق حديث الرفع على التكليف الضمني بأعتبار أن الأمر بالصوم هو عبارة عن امر بمجموع التروك ما بين هذين الوقتين(طلوع الفجر _ الليل), فالأمر بالصوم ليس انحلالياً يتعلق بالإمساك بكل آن بأمر استقلالي ليس له علاقة بالإمساك بالآن الاخر, وإنما هناك ارتباط فيما بينها كالارتباط الموجود بين اجزاء الصلاة فعندما يأمر بالسورة لا يكون هذا الأمر استقلالياً بحيث تكون له طاعة مستقلة وعصيان مستقل, وإنما هو امر ضمني للترابط الحاصل بين اجزاء الصلاة, فالأمر بالصلاة هو امر بالمركب بما له من الاجزاء المتعددة, فلا يكون لها _الصلاة_ الا طاعة واحدة وعصيان واحد, وما نحن فيه من هذا القبيل فالصوم عبارة عن مجموعة من التروك_ ترك المفطرات في الساعة الاولى, وتركها في الساعة الثانية, وتركها في الساعة الثالثة _امر بها الشارع, وهذا يعني أن كل ترك في آن يكون متعلقاً للتكليف الضمني, فالترك في الساعة الاولى_ مثلاً_ متعلق للتكليف الضمني .
الوجه الثالث يريد تطبيق حديث الرفع على هذا التكليف الضمني المتعلق بالإمساك في تلك الساعة التي حصل فيها الاكراه, كما لو افترضنا ذلك في الساعة الاولى, أي أنه اكره على الاكل في الساعة الاولى فأن الأمر الضمني المتعلق بترك الاكل في الساعة الاولى يكون مرفوعاً لأنه ترك الامساك عن اكراه, كما لو اكره على ترك السورة في الصلاة فحينئذ يكون الأمر الضمني المتعلق بالسورة مرتفعاً بحديث الرفع.
وهذا ما ينتج صحة الصوم والاجتزاء به وعدم وجوب القضاء لأنه لا امر بالإمساك في الساعة التي اكره فيها.
والعمدة في هذه الوجوه الثلاثة هو الوجه الاول أما الوجه الثاني فقد تقدم الكلام فيه, وأما الوجه الثالث, فيقال فيه أن تطبيق الحديث على التكليف الضمني _ وجوب الامساك في الساعة الاولى_ وسقوطه دون التكاليف الاخرى غير معقول, لأن التكاليف الضمنية مترابطة, والامر بمجموع هذه التروك واحد, وهذا يعني أن حديث الرفع اذا رفع التكليف الضمني فأنه يلازم رفع الأمر بالمجموع.
نعم لو سقط احد افراد الواجبات الاستقلالية فأن الواجبات الاخرى تبقى على حالها, كما هو الحال في الدين, والفرض في المقام وفي اجزاء الصلاة أن الواجب ضمني وليس استقلالياً, وحينئذ _ في المقام_ لابد من سقوط الأمر بالمجموع, لعدم الدليل على وجوب الامساك في الباقي من الساعات, فصحة ذلك فرع الأمر به وهو يحتاج إلى دليل, وحديث الرفع لا يثبت الأمر بالناقص(الباقي), فإذا كان هناك دليل يدل على صحة الصوم_ كما هو الحال في الصلاة التي لا تسقط بحال فإذا اضطر إلى ترك جزء من اجزائها يجب عليه الاتيان بالباقي لدلالة الدليل على ذلك_ فلابد من العمل بالدليل, والا فأن حديث الرفع لا يتكفل اثبات الأمر بالباقي.
هذا الكلام في الوجه الثالث أما الكلام في الوجه الاول والرد عليه فأنه يقال تقدم الكلام في حديث الرفع وأنه يشترط في شموله لمورد امور :-
احدها: أن يكون الاثر الشرعي الذي يراد رفعه بحديث الرفع مترتباً على الفعل مع لحاظ حيثية صدوره من المكلف, أو مع لحاظ جهة انتسابه إلى المكلف, ولذا اتفقوا على أن الاثار الشرعية المترتبة على موضوع, ولم تلحظ في ذلك الموضوع جهة صدوره من المكلف وجهة انتسابه إليه لا يكون مشمولاً لحديث الرفع حتى لو صدر عن اكراه أو اضطرار, ومثلوا لذلك بأمثلة كثيرة منها مسألة ترتب النجاسة كحكم شرعي على ملاقاة النجس, فأنه اذا فرضنا أن الملاقاة حصلت قهراً أو اضطراراً فأن حديث الرفع لا يشملها ولا يرفع النجاسة, ومثال ذلك ايضاً ترتب الجنابة على الاتيان بموجبها, فقد اتفقوا على أنه لو صدر عن اكراه فأنها تترتب عليه ويجب عليه الغسل ولا يشمله حديث الرفع.
والسر في ذلك هو أن هذه الاثار مترتبة على الفعل من دون لحاظ جهة صدوره من المكلف, وإنما تترتب على الفعل كيفما اتفق حصوله_ سواء كان الفعل منتسباً إلى المكلف أو غير منتسب_ فالنجاسة تترتب على الملاقاة حتى وان كانت حاصلة نتيجة الريح, ولم تلحظ جهة الانتساب إلى المكلف.
بخلاف حرمة شرب الخمر التي لوحظ فيها جهة انتساب وصدور الفعل من المكلف واختياره, فجنبة الاختيار دخيلة في ترتب الحكم على هذا ا الموضوع, لا أن شرب الخمر كيف ما اتفق حصوله تترتب عليه الحرمة, وهكذا الحد فأنه لا يترتب على شرب الخمر كيفما اتفق.
ومن هنا يكون الحديث شاملاً للقسم الثاني وغير شامل للقسم الاول[1], وتطبيق هذا الأمر في محل الكلام هو أن نقول أن القضاء كأثر شرعي مترتب على الفعل _ سواء قلنا بأنه مترتب على الفوت أو على عدم الاتيان بالفعل أو على نفس الفعل كما استقربنا ذلك من الاخبار_ هل أن بابه باب المجازاة؟ فهل يجب القضاء على المكلف من باب المؤاخذة والمجازاة كالكفارة _ على ما قيل_ أو أن بابه باب استيفاء الملاك الذي فاته بالإتيان بالفعل في نهار شهر رمضان؟
واذا تم هذا[2] _ وهو تام بحسب الظاهر_ فحينئذ نقول أن القضاء في محل الكلام من قبيل النجاسة بالنسبة إلى الملاقاة, ومن قبيل الجنابة بالنسبة إلى حدوث موجبها, أي لم تلحظ في ترتب هذا الاثر (القضاء) جهة صدور الفعل من المكلف, وإنما الملحوظ فيه هو أن هذا المكلف لم يتمكن من ادراك الملاك التام في وقته وحينئذ يجب عليه أن يستوفي ما يمكن استيفاءه من الملاك في خارج الوقت, وهذا لا يفرق فيه كيفية حصول فوات الملاك, لأن بابه ليس باب العقوبة حتى تلحظ فيه جهة الصدور, فالاختيار ليس دخيلاً في ترتب الحكم على هذا الفعل, ومن هنا يظهر أن القضاء من قبيل النجاسة المترتبة على الملاقاة والجنابة المترتبة على حدوث موجبها, فلا يكون مشمولاً بحديث الرفع.


[1] الذي يترتب الاثر فيه على ذات الفعل من دون لحاظ جنبة صدوره من المكلف.
[2] أي كونه من باب استيفاء الملاك.