36/06/14


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....) مسألة 5
مسألة 5 (إذا غلب على الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك يجوز له أن يشرب الماء مقتصرا على مقدار الضرورة، ولكن يفسد صومه بذلك، ويجب عليه الإمساك بقية النهار إذا كان في شهر رمضان، وأما في غيره من الواجب الموسع والمعين فلا يجب الإمساك، وإن كان أحوط في الواجب المعين)[1]
هذه المسألة فيها عدة فروع, وموضوعها هو الصائم الذي غلب عليه العطش بحيث خشي منه الهلاك, وقد ثبّت السيد الماتن عدة احكام في حقه.
الاول: هو جواز شرب الماء بمقدار رفع الهلاك(الضرورة), والظاهر أن الحكم الثابت في هذه الحالة هو وجوب شرب ما يرفع الهلاك وليس الجواز, نعم اذا عممنا الحكم لغير ما ذكره السيد الماتن كما هو موجود في كلمات بعض الفقهاء الاخرين, وهو اذا قلنا بأن المسألة لا تختص بحالة الهلاك وإنما تشمل حالة الحرج أو الضرر, فحينئذ يمكن الالتزام في هذه الحالة بجواز شرب الماء لا الوجوب, كما يمثل الفقهاء لذلك في حالة العامل والكاسب الذي لا يتمكن من الجمع بين الصوم والعمل, فأن القاعدة وان كانت تقتضي لمثله وجوب الصوم, وان كان ذلك على حساب ترك العمل مع ما فيه من الحرج والضرر, الا أنهم جوزوا لأدلة نفي الحرج ونفي الضرر تناول مقدار من الماء لرفع الضرورة والحرج.
والدليل على هذا الحكم هو ادلة نفي الاضطرار ونفي الحرج ويضاف إلى ذلك روايتان تدلان على هذا ا لحكم نفسه وهما موثقة عمار (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه، قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروى)[2] يروي هذا الحديث المشايخ الثلاثة.
ورواية المفضل بن عمر (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : إن لنا فتيات وشباناً لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش ؟ قال : فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون)[3]
أما بالنسبة إلى موثقة عمار فأنها بحسب نقل الوسائل تذكر (يصيبه العطاش) وهو الموجود ايضاً في الكافي المطبوع, ومن هنا قد يقال بعدم صحة الاستدلال بالرواية في محل الكلام, لأنها ناظرة إلى مسألة داء العطاش الذي له احكام خاصة ويجوز له أن يترك الصوم وتجب عليه الفدية عن كل يوم.
لكن الموجود في التهذيب نقلاً عن الكافي _حيث أن التهذيب ينقل الرواية مرتين الاولى[4] عن الكافي والثانية[5] بسنده عن عمار بن موسى الساباطي من دون أن يمر بالشيخ الكليني_ (يصيبه العطش) كما أن الموجود في الموضع الثاني في التهذيب هو (يصيبه العطش), وفي الفقيه[6] يروي نفس الرواية ايضاً بسنده عن عمار بن موسى الساباطي والموجود فيها هو (يصيبه العطش) كما أن الكثير من الكتب الاستدلالية كالجواهر وغيره ينقلها بصيغة( يصيبه العطش).
والذي نريد قوله هو أن الاقرب والاظهر أن ما ينقله الشيخ الطوسي في التهذيب عن الكافي هو الاصح, وذلك بقرينة أن الرواية تعبر (في الرجل يصيبه) وهذا التعبير ظاهر في أن هذا الأمر عارض لا أنه له مقتض لدوامه واستمراره, وإنما هو شيء يتفق أن يحصل للإنسان, فقوله يصيبه العطش أنسب من قوله يصيبه العطاش, فأن العطاش مرض مستحكم له مقتضي الدوام والاستمرار. هذا من جهة, ومن جهة اخرى ما ذكره السيد الخوئي (قد) من أن ذو العطاش لا معنى لنهيه عن الارتواء, كما ورد في الرواية, لأنه لا يرتوي ابداً _ على ما قالوا_ وهذا جعله قرينة ايضا ًعلى أن المقصود في الرواية هو العطش وليس العطاش.
ولو فرضنا عدم تمامية هاتين القرينتين يمكن ترجيح نسخة (العطش) على نسخة (العطاش) بأن يقال أن النقل عن الكافي مختلف وفيه تعارض فصاحب الوسائل والنسخة المطبوعة ينقل عنه (العطاش) والشيخ الطوسي ينقل عنه (العطش), وحينئذ يتساقطان ويمكن الرجوع إلى ما في الفقيه أو إلى ما في التهذيب الذي ينقله بسنده عن عمار بن موسى الساباطي, فطريق الشيخ الطوسي إلى عمار طريق صحيح, وكذلك طريق الشيخ الصدوق إلى عمار طريق صحيح ايضاً.
وعلى كل حال فالظاهر أن الاقرب والاصح هو (العطش) لا (العطاش), هذا بالنسبة إلى الفرع الاول وهو أنه يجوز أو يجب _ على ما تقدم_ شرب ما يرفع به الضرورة, لأن هذا هو مقتضى الروايات فهي تعبر (يشرب بقدر ما يمسك رمقه) وما شابهه ذلك.

وقبل الانتقال إلى الفرع الثاني نذكر كلاماً في سند موثقة عمار التي ذُكرت في الوسائل(محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس وغيره، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار)
فأحمد بن ادريس من اجلاء الطائفة ومحمد بن احمد هو محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الاشعري القمي صاحب نوادر الحكمة وهو ثقة لا اشكال في وثاقته, واحمد بن الحسن اذا كان الموجود في السند واقعاً هو احمد بن الحسن فالظاهر أنه احمد بن الحسن بن علي بن فضال , لأنه هو الذي يروي عن عمرو بن سعيد كثيراً وهو الذي وقع في طريق الشيخ النجاشي لعمار وذكر له كتب وذكر طريقه إليه وهو احمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمر بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار, والشيخ الطوسي ذكر في الفهرست (عمار بن موسى الساباطي، كان فطحيا. له كتاب كبير، جيد معتمد، رويناه بالاسناد الأول عن سعد والحميري، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عنه)[7].
وبناء على ذلك تكون الرواية موثقة بلا اشكال فكل هؤلاء ثقات.
لكن المشكلة أن الموجود في الكافي المطبوع (محمد بن الحسين عن عمرو بن سعيد) كما أن الموجود في التهذيب نقلاً عن الكافي (احمد بن الحسين عن عمر بن سعيد) وقد يشكّل ذلك نقطة ضعف في الرواية لعدم العلم بأن الراوي عن عمرو بن سعيد هل هو احمد بن الحسن بن علي بن فضال الثقة أم غيره لا نعرفه, فمحمد بن الحسين لو كان هو الموجود واقعاً يمكن أن يكون المراد به محمد بن الحسين بن ابي الخطاب فالظاهر أنه يناسب الطبقة, وعلى كل حال فالظاهر كما قلنا أن الموجود هو احمد بن الحسن وهذا هو الاصح للقرينة التي ذكرناها[8], وعلى هذا الاساس ارسل الفقهاء وثاقة الرواية ارسال المسلمات بينما لو شككنا بهذه القرينة فقد يشكك في سند هذه الرواية. هذا بالنسبة إلى الرواية الاولى.
أما بالنسبة إلى الرواية الثانية فأنها يرويها (الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن المفضل بن عمر) فليس فيها من يشك فيه الا اسماعيل بن مرار, والا فيونس بن عبدالرحمن من الثقات بلا اشكال, وكذلك المفضل بن عمر الجعفي لا اشكال في كونه ثقة, يبقى اسماعيل بن مرار حيث لا نص على وثاقته, لكن ذكرنا مراراً أنه لا داعي للتوقف في هذه الرواية _ وان كان السيد الخوئي (قد) يعبر عنها بأنها ضعيفة السند ويجعلها مؤيدة لا دليلاً_ فأنها معتبرة وذلك لأنه يمكن ذكر قرينتين على وثاقة اسماعيل بن مرار.
الاولى: ذكر الشيخ الطوسي (وقال أبو جعفر بن بابويه : سمعت ابن الوليد رحمه الله يقول : كتب يونس بن عبد الرحمان التي هي بالروايات كلها صحيحة يعتمد عليها، الا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه غيره، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتي به)[9]
واذا ضممنا إلى هذا التصريح من هذا الشيخ الجليل أن اسماعيل بن مرار يروي عن يونس اكثر من مئتين رواية, فلا اشكال بأن هذا يجعله مشمولاً لهذه العبارة, فقوله كتب يونس بالروايات كلها صحيحة لابد أن تكون كل طرقها صحيحة ومعتمدة الا ما استثناه هو بقوله (الا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه غيره، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتي به) وهذا الاستثناء يدعم هذا الفهم, لأنه يعني أن كل ما يرويه غيره صحيح ويعتمد عليه, وهذا المقدار يكفي_ وان كان السيد الخوئي استشكل فيه بأن التصحيح ليس فيه دلالة على التوثيق _ لكننا نرى أن الظاهر أن هذا التصحيح منحصر في كونه من اجل الوثاقة وليس قائماً على اساس الفحص في كل رواية رواية وانها فيها امارات وقرائن الصحة.
الثانية: وقوعه في اسانيد تفسير علي بن ابراهيم القمي بناءً على عدم الاختصار في التوثيق على مشايخه المباشرين, والسيد الخوئي[10] يستدل بذلك على وثاقته, لكنه هنا يقول أن الرواية ضعيفة.
وعلى كل حال فالظاهر أن الرواية معتبرة.
الثاني: وهو المهم وهو هل يفسد صومه عندما يشرب هذا المقدار من الماء أم يحكم بصحته؟؟
لا اشكال في أن مقتضى القاعدة التي اسسناها سابقاً هو الحكم بالفساد, وذلك لأن تناول المفطر عن عمد واختيار الذي يوجب فساد الصوم بحسب ظاهر الادلة متحقق في المضطر _في المقام_ والمكره, غاية الأمر أن الذي دفعه إلى اختيار المفطر هو دفع الضرر عن نفسه, وهذا لا يعني أنه اُوجر الطعام أو الشراب في حلقه بحيث فقد اختياره في تناول المفطر.
إذن مقتضى القاعدة في المقام هو الحكم بفساد الصوم, وعلى هذا الاساس حكم الاصحاب بفساده بل ظاهر المتأخرين _من خلال تعليقاتهم على العروة_ اتفاقهم على الفساد وارسلوه ارسال المسلمات فليس في كلماتهم احتياط أو تشكيك في هذا الحكم.
وفي المقابل يمكن أن يقال بأن الروايتين المتقدمتين تصلحان للخروج عن مقتضى القاعدة بناءً على انهما يفهم منهما الحكم بالصحة, فإذا تم هذا الفهم نرفع اليد عن مقتضى القاعدة في خصوص محل الكلام.
ويدّعى هذا على اساس أن ظاهر الروايتين هو الحكم بالصحة لأنهما تجوزان تناول مقدار يسير من الماء ترتفع به الضرورة ويفهم منه عدم جواز تناول ما زاد على ذلك, بل يفهم منه أنه لا يجوز له تناول سائر المفطرات الاخرى, أي أن الشارع يريد أن يكتفي بهذا العمل الذي صدر منه وانه باقٍ على صومه ولذا يجب عليه الامساك عن سائر المفطرات وعن شرب الماء الزائد على الضرورة.
وحينئذ تكون هذه الروايات مناسبة جداً في انها في مقام التخفيف عن هذا المكلف الذي اصابه العطش, في مقابل أن يقال له تحمل العطش والضرر ولا يجوز لك أن تشرب حتى ذلك المقدار.


[8] ما ذكرناه في طريق الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي .