36/08/11


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة..... مسألة 1)
تقدم الكلام في كفارة الافطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال وذكرنا رأيين في المقام:
الاول: الحكم بوجوب الكفارة وهو ما يظهر من كلمات الفقهاء المتقدمين والمتأخرين, بل نقل عن السيد في الانتصار أن هذا الحكم هو مما انفردت به الامامية, وادعى الشيخ الطوسي الاجماع عليه في الخلاف, وهكذا السيد ابن زهرة في الغنية.
الثاني: الحكم بعدم وجوب الكفارة كما نقل العلامة ذلك عن العماني, وقيل بأنه لم يُنقل الخلاف الا عنه.
والظاهر أن ما ذهب إليه العماني له وجه, ومن هنا ذكر كل من الشهيد الثاني في المسالك والمحقق السبزواري في الذخيرة أن مقتضى الجمع بين النصوص الاتية هو اختيار هذا الرأي ( استحباب الكفارة) أي عدم وجوبها.
وما يمكن أن يستدل به للقول المشهور (وجوب الكفارة) هو كل الادلة التي سوف نستدل بها على مقدار الكفارة وهي كثيرة كما سيأتي.
ودليل استحباب الكفارة ( وعدم وجوبها) هو رواية واحدة وهي موثقة عمار الساباطي ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ـ إلى أن قال : ـ سُئل فإن نوى الصوم ثم افطر بعد ما زالت الشمس ؟ قال : قد أساء وليس عليه شيء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه)[1] وصدر هذه الرواية لم يذكره صاحب الوسائل في المقام وقد ذكره في باب وجوب الصوم وهو:
موثقة عمار الساباطي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فاذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم، وإن كان ينوي الافطار فليفطر .
سئل فان كان نوى الافطار يستقيم أن ينوى الصوم بعدما زالت الشمس ؟ قال : لا . . . الحديث)[2]
ومحل الشاهد فيها هو قوله عليه السلام(سُئل فإن نوى الصوم ثم افطر بعد ما زالت الشمس ؟ قال : قد أساء وليس عليه شيء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه) حيث قالوا بأن هذه الرواية تكاد تكون صريحة في نفي الكفارة في محل الكلام, وهذه الرواية هي مستند ما ذهب إليه ابن ابي عقيل, ومن هنا قال الشهيد والمحقق السبزواري أن مقتضى الجمع بين هذه الموثقة وما دل على وجوب الكفارة من الروايات الاتية هو حمل تلك الاخبار على الاستحباب.
بأعتبار أن هذه الرواية صريحة في نفي الكفارة وتلك الروايات ظاهرة في وجوبها, فنرفع اليد عن الظهور بالنص الدال على نفيها فتحمل تلك الروايات على الاستحباب, وهذا هو الجمع العرفي المتداول والمتعارف في امثال هذه المقامات.
وفي المقابل حاول المشهور أن يحمل الموثقة على معانٍ تنسجم مع الادلة الدالة على وجوب الكفارة وذكر عدة وجوه لذلك:
الوجه الاول: ما نقل عن الشيخ الطوسي (قد) من حمل هذه الموثقة على العاجز عن الكفارة.
الوجه الثاني: ما نقل عن الشيخ الطوسي ايضاً وهو حمل الموثقة على نفي العقاب فقول عليه السلام (وليس عليه شيء) أي ليس عليه عقاب.
الوجه الثالث: ما مذكور في الجواهر والحدائق من حمل الموثقة على التقية بأعتبار ما يقوله _ صاحب الجواهر_ من ذهاب الجمهور إلى عدم وجوب الكفارة في محل الكلام, فتكون الرواية موافقة لهم فتحمل على التقية.
الوجه الرابع: ولعله الاوجه من هذه المحامل, حملها على نفي تعدد القضاء, وان ما يجب عليه قضاء واحد, أي ليس عليه قضاء يومين الاول عما فاته من شهر رمضان والثاني لكونه افطر في صوم القضاء عامداً فالرواية تقول بأنه ليس عليه الا صوم يوم واحد وهو قضاء لما فاته من شهر رمضان, وحينئذ تنسجم مع الروايات الدالة على وجوب الكفارة لأنها لا تنفي الكفارة.
وقد ذكر السيد الخوئي (قد)
( لو سلم كونها صريحة في نفي الكفارة على وجه لم يمكن الجمع المزبور فلا ريب في كونها معارضة حينئذ مع صحيحة هشام الصريحة في الكفارة، ولا مجال للجمع بالحمل على الاستحباب كما ذكر، فإنه إنما يتجه في مثل ما لو ورد الأمر بشيء وورد في دليل آخر أنه لا بأس بتركه فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، ويحمل على الاستحباب دون مثل المقام فإن الأمر بالكفارة ونفيها يعدان في العرف من المتعارضين. إذ مورد الكفارة ارتكاب الحرام ولا سيما مع التصريح بعدم الجواز وأنه قد أساء كما في الموثقة، فكيف يمكن حمل الأمر بها على الاستحباب الكاشف عن عدم ارتكاب الذنب فاستحباب الكفارة مما لا محصل له كما لا يخفى . فليس مثل هذين الدليلين من الظاهر والنص ليرفع اليد عن أحدهما بالآخر كما في سابقه، بل هما عرفا من المتعارضين، ولا شك أن الترجيح حينئذ مع صحيحة هشام، إما لأن مضمونها متسالم عليه بين الفقهاء، إذ لم ينسب الخلاف في ثبوت الكفارة إلا إلى العماني كما سمعت فتطرح الموثقة حينئذ لكونها مهجورة وعلى خلاف السنة القطعية، أو لأجل أنها - أي الموثقة - محمولة على التقية لموافقة مضمونها مع العامة فإن جمهور العامة لا يرون الكفارة، وإنما هي من مختصات الإمامية ولا يبعد أن يكون هذا هو الأوجه)[3]
ومرجع هذا الكلام إلى ما ذكرناه من أن الأمر بالكفارة غير قابل للحمل على الاستحباب, للتنافي بين الكفارة المأمور بها التي تعني ارتكاب الحرام, والاستحباب يعني عدم ارتكاب الحرام, لكن هل يلتزم السيد الخوئي (قد) بذلك (أي بأن كل امر بالكفارة غير قابل للحمل على الاستحباب)؟؟
ليس واضحاً الالتزام بذلك[4].
فالصحيح هو أن ما ذكرنا من أن الكفارة تختص بصورة الذنب والاثم تام, لكن هذا بقطع النظر عن وجود دليل معتبر في قبال هذا الدليل الذي يأمر بالكفارة يدل على نفيها, والقائلون بالجمع ( الشهيد الاول والمحقق السبزواي) يقولون عندما يرد دليل معتبر ينفي الكفارة فأن مقتضى الجمع هو حمل ذلك الأمر على الاستحباب وهذا يعني عدم الاثم وعدم ارتكاب الحرام, فتكون الكفارة مجرد نوع من الحزازة توجد في ذلك الفعل, وهذا لا يعني الجمع بين المتنافيين, لأن القائل بهذا الجمع لا يقول بأن الأمر بالكفارة يبقى على ظهوره في تحقق الاثم وارتكاب الحرام ومع ذلك نحمله على الاستحباب.
فهو يريد القول بأن من يرتكب المفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال لم يرتكب اثماً ولم يفعل حراماً بقرينة الادلة المعتبرة الدالة على نفي الكفارة في المقام, وحينئذ نحمل الرواية الدالة على الكفارة على الاستحباب, وهذا الاستحباب ليس ناشئاً من ارتكاب الحرام وإنما ناشئ من نوع من الحزازة أو نوع من المنقصة أي أن هذا المكلف فعل فعلاً فيه نوع من الحزازة فيستحب له الكفارة.
وهذا نظير كفارة وطيء المرأة في حال الحيض التي حملوها على الاستحباب.
والى هنا يكون الاعتراض على هذا الجمع _الصناعي_ الذي ينتج عدم وجوب الكفارة (واستحبابها) غير وارد, وهذا الجمع هو الذي يؤدي الى قول العماني, وهناك جموع اخرى لعلها تبرعية لا شاهد عليها كما في حمل الموثقة على العاجز, وهكذا الجمع الثاني (حمل الموثقة على التقية) نعم اذا كان جمهور العامة يذهب بوضوح إلى عدم وجوب الكفارة يكون احد موجهات باب التعارض هو أن يقدم ما يخالف العامة على ما يوافقهم, فتقدم روايات وجوب الكفارة على الموثقة, لكن هذا الترجيح لا تصل إليه النوبة الا عند ابطال الجمع الرابع الذي ذكرناه, لأنه اذا تم يكون جمعاً دلالياً ويرتفع التنافي بين الدليلين ولا حاجة إلى حمل احدى الروايتين على التقية واسقاطها عن الاعتبار.
فالجمع الاخير_ أي حمل الموثقة على انها في مقام بيان نفي تعدد القضاء_ أن تم فجيد.
وما يمكن أن يقال _كقرينة _ في مقام اثبات هذا الجمع هو انها تقول (وليس عليه شيء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه) وحينئذ يكون المستثنى منه من سنخ المستثنى, وكأنه يقول وليس عليه قضاء الا قضاء ذلك اليوم الذي اراد أن يقضيه.
وكذلك قوله في ذيل الرواية (إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه) وكأن يريد قول أن ما يجب عليه هو قضاء شهر رمضان لا قضاء يوم عن اليوم الذي ابطله بأفطاره بعد الزوال, فتكون الرواية ناظرة إلى تعدد القضاء وليس فيها ظهور في نفي الكفارة, فلا تكون معارضة لتلك الادلة, هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا الجمع, لكنه _كما ترى_ ليس بهذا الوضوح الذي يجعل الرواية ظاهرة في المعنى.