34-05-08


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أولاً:- إنه(قده) حمل ما دلّ على كون المدار إلى شروق الشمس على حالة عدم العذر فصحيحة الحلبي مثلاً التي جاء فيها:- ( وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ) على حالة عدم العذر فغير المعذور يكون أمره كذلك - أي يتم حجّه إذا أدرك المشعر قبل شروق الشمس - وهذا حملٌ للإطلاق على الفرد غير الطبيعي - وتتمكن أن تقول على الفرد النادر - فإن الحالة الطبيعية للمكلف هي بأن يفوت في حقّه موقف عرفات عن عذر إما بسبب الزحام أو ضيق الوقت أو غير ذلك أما أن يفوته موقف عرفات بغير عذرٍ فهي حالة غير طبيعية للمؤمن فإنه جاء لامتثال أمر الله عز وجل ولا يريد أن يخالفه من دون دون عذر فالحالة الطبيعية هي عدم تحقق المأمور به بسبب وجود العذر أما حالة عدم العذر واختيار المخالفة فهذه حالة غير طبيعية للمكلف بل هي نادرة وحمل الإطلاق على الفرد النادر أو غير الطبيعي قبيح فإن المتكلم قد يطلق كلامه فيقصد بذلك الفرد الطبيعي وغير النادر أما أن يطلق ويريد بذلك النادر فهو شيء مستهجن عرفاً ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها في باب التقييد فإنه يلزم أن نلتفت إلى أنه متى ما أردنا أن نقيّد مطلقاً فيلزم أن لا يكون التقييد مؤدياً إلى حمل المطلق على الفرد النادر وغير الطبيعي ، نعم لا أريد أن أقول بهذا إنه يلزم أن يكون محمولاً على الفرد الغالب كلا لا أريد أن أصعّد اللهجة وإنما أريد أن أقول يلزم أن تكون حالة مألوفة ومتعارفة ولا يكون الفرد نادراً وهذا شيء عقلائي وعرفي.
 وثانياً:- إن مثل صحيحة الحلبي التي أريد حملها على حالة عدم العذر هي غير قابلة لذلك فإنه توجد فيها قرينة على أن الفوات كان لعذرٍ حيث جاء فيها:- ( وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ) فإنه توجد قرينتان على أن الملحوظ في الرواية هو حالة العذر الأولى هي قوله ( وقد فاتته عرفات ) لا أنه فوَّتها وتعبير ( فاتته عرفات ) ظاهر في إرادة حالة العذر وإلا فذاك لا يعبر عنه بأنه فاتته عرفات بل يقال ( فوَّت عرفات ) ، ولكن لو غضضنا النظر عن هذه القرينة والتزمنا بأن تعبير (فاتته ) يشمل الاثنين معاً ولكن بعد ذلك قال الإمام وهذه هي القرينة الثانية ( إن الله أعذر لعبده ) . إذن هذه الرواية واردة فيمن فاتته عرفات عن عذرٍ فكيف نحمل إطلاق هذه الرواية ونقيده بحالة عدم العذر إنه خلف ما هو المفروض فيها !!
 قضية جانبية من باب لفت إلى بعض النكات:- وهي أنه قد يقول شخص في مقام الدفاع عن السيد الروحاني(قده):- إن الرواية الأخرى مثل صحيحة حريز ليست فيها مثل هذه القرينة التي تدل على كونها ناظرة إلى حالة العذر فلعله يقصد أو يكفيه هذا المقدار ، فإذن يتم ما أراده مادامت الرواية الأخرى قابلة على الحمل على حالة الفوات من دون عذر.
 وجواب ذلك:- إنه في مقام النقض عليه والردّ أن تكون واحدة من الروايات وإن كان الباقي بعدد عشرين أو أكثر فمادامت واحدة منها لا تقبل التقييد يكفي وجود هذه الرواية الواحدة لبطلان هذا التقييد وبطلان هذا الجمع فلابد لمن يريد أن يذكر جمعاً وتقييداً لابد وأن يلتفت إلى أن جميع الروايات يلزم أن تكون كذلك قابلة لهذا الجمع والتقييد أما لو كان أغلبها يقبل التقييد ولكن واحدة منها لا تقبله كفت هذه الواحدة في ردِّ هذا الجمع ، وعلى هذا الأساس مادامت صحيحة الحلبي هذه لا تقبل تقييدها بحالة عدم وجود العذر فيكفي هذا لردِّ الجمع والتقييد . هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده السيد الروحاني(قده).
 ولعل ما ذكر السيد الروحاني(قده) قريب لو لم يكن نفس ما ذكره السيد الخوئي(قده) في مقام الجمع لأنه لعله يوجد في التقريب الذي سوف نذكره للسيد الخوئي اختلاف مع ما أفاده ذكره السيد الروحاني ولكن ليس من البعيد أن تكون الروح واحدة.
 الوجه الرابع للجمع:- ما أفاده السيد الخوئي(قده) [1] وهو أنه توجد لدينا ثلاث طوائف من الروايات واحدة دلت على أن المدار إلى طلوع الشمس وأخرى دلت على أنه يمتد إلى الزوال ، ولو كنا نحن وهاتين الطائفتين لحصلت بينهما معارضة ولكنه توجد طائفة ثالثة دلت على أن المعذور يمتد الوقت بالنسبة إليه إلى الزوال وذلك مثل موثقة الفضل بن يونس الواردة فيمن أخذه ظالم وأطلقه يوم النحر فإنه عليه السلام حكم بأنه لو وقف في جمعٍ أجزأه وهذا لم يقف في عرفات عن عذر فموردها إذن من لم يقف في عرفات عن عذرٍ وقد حكم له الإمام بأنه لو وقف في جمعٍ أجزأه وهذه الطائفة الثالثة تكون شاهد جمعٍ بين الطائفتين الأوليين فنحمل ما دلّ على أن المدار إلى طلوع الشمس على غير المعذور ونحمل ما دلّ على أنه يمتد إلى الزوال على المعذور . إذن هذه الطائفة الثالثة طائفة تصلح أن تكون شاهداً للجمع بين الطائفتين.
 ثم أضاف قائلاً:- ولو فرض أنه لم تكن لدينا هذه الرواية الثالثة بل كنا نحن والطائفتين الأوليين فقط والمعارضة في مثل ذلك تكون مستقرة ولكن رغم هذا نرجّح ما دلّ على أن المدار إلى طلوع الشمس وليس إلى الزوال وذلك لأن هذه الطائفة - أي الدالة على أن المدار إلى شروق الشمس لا إلى الزوال - موافقة لإطلاق الكتاب الكريم حيث يقول عز من قائل:- ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ... ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) [2] فإن المستفاد منها هو أن المدار في دراك المشعر الحرام على ما عليه الناس حيث قال:- ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) والذي عليه الناس هو أنهم يفيضون عند شوق الشمس وليس إلى الزوال فيكون المدار على شروق الشمس ومقتضى إطلاقها هو أن ذلك ثابت من دون فرقٍ بين حالة عدم العذر وحالة العذر فسواء فات موقف عرفات عن عذر أو عن غير عذر فاللازم على الكلف أن يفيض في وقت إفاضة الناس - يعني عند شروق الشمس - فالإفاضة عند الزوال لا تكفي بل الذي يكفي هو الافاضة عند شروق الشمس إن هذا الإطلاق يكون موافقاً للروايات الدالة على أن المدار على شروق الشمس.
 وبهذا اتضح أن النتيجة تختلف بناءً على المعارضة والترجيح بالإطلاق عنها بناءً على كون الطائفة الثالثة تكون شاهد جمعٍ فإنه لو كانت الطائفة الثالثة شاهد جمع تصير النتيجة هي أن المعذور يكفيه الوقف إلى الزوال فإن هذا هو مقتضى الطائفة الثالثة ، بينما على استظهار التعارض والترجيح بإطلاق الكتاب تصير النتيجة هي أن المدار على شروق الشمس حتى في حق المعذور.
 ومن خلال هذا اتضح أن هذا المطلب الذي أفاده السيد الخوئي(قده) يتوافق من حيث الروح مع ما ذكره السيد الروحاني(قده) غايته أن السيد الروحاني لم يدخل واحدة من الطوائف الثلاث في الحساب وقال إن ما دلّ على كون المدار إلى شورق الشمس هو مطلق من حيث حالة العذر وغير حالة العذر ، وهذا المقدار قد ذكره السيد الخوئي(قده) ثم قال إن موثقة الفضل بن يونس الدالة على الامتداد إلى الزوال دلت على أن المعذور يمتدّ الوقت في حقه إلى الزوال فتصير مقيّدة لذلك الإطلاق ، وأما السيد الخوئي أضاف طائفة ثالثة وقال إنه يحصل تعارض بين الطائفتين فتكون موثقة الفضل بن يونس شاهد جمع لا أنه ابتداءً تكون مقيّدة للروايات الدالة على أن المدار على شروق الشمس وإذا كان هذا المقدار من الاختلاف مصحّحاً لعدهما اثنين فلا مشكلة.
 وفيه:-
 أولاً [3] :- إن الذي ذكره لا يصلح أن يكون من باب شاهد الجمع وإنما هو من بياب انقلاب النسبة وينبغي أن نفرق بين هذين البابين فإنه في شاهد الجمع يفترض أن الطائفة الثالثة تفصِّل بين حالتين كما لو كانت تقول ( إن المعذور يمتد المشعر في حقه إلى الزوال وغير المعذور إلى طلوع الشمس ) فلو كانت تفصِّل هكذا فنعم نعدّها شاهدَ جمعٍ ونقول نحمل تلك المطلقة التي قالت إن المدار على شروق الشمس على غير المعذور ونحمل تلك الأخرى على المعذور هذا هو شاهد الجمع .
 وإذا سألتني وقلت:- ما مستند هذا ؟
 قلت:- العرف ببابك فالعرف حينما يرى هذه الطائفة مفصِّلة يفهم هذا الشيء - وهذه القضية تأمل فيها وانظر هل العرف يفعل هكذا أو لا ؟ - ولكن المفروض في مقامنا أنه لا يوجد تفصيل بين المعذور وغير المعذور وإنما موردها هو أن ظالماً أخذ شخصاً ثم أطلقه يوم النحر وهنا حكم بالامتداد في حقه إلى الزوال لا أنها بنفسها قد فصَّلت بينهما حتى تكون شاهداً على لا الجمع والتفصيل . إذن المورد ليس من ذلك وإنما هو من انقلاب النسبة.


[1] المعتمد ج5 ص179 ط قديمة.
[2] البقرة 198.
[3] وهذه مناقشة فنية.