39/07/13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) هل يكتفي بالاشارة من الأخرس في العقد مع القدرة على التوكيل أو لا ؟ - المكاسب المحرّمة.

تتمة إلى القضية الأولى:- ذكرنا أنه خالف في ذلك صاحب مفتاح الكرامة(قده) وقال الأصل عدم التقييد بحالة العجز عن التوكيل وأجبنا بما تقدم .

وممن بنى على ذلك الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ، فإنه تمسّك بحديث الرفع ببيانين:-

البيان الأوّل:- قال نتمسّك بإطلاقه أو عمومه فهو يعم الأحكام الوضعية ولا يختص بالأحكام التكليفية ، فنحن نشك هل يشترط في صحة بيع الأخرس بالاشارة أن يكون عاجزاً عن التوكيل فهذا شكّ في التقييد والاطلاق والعموم ينفي ذلك ، فـ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) يرفع كلّ شيء لا يعلمونه ومن جملة ما لا يعلمونه شرطية العجز عن التوكيل في صحة البيع من قبل الأخرس بالاشارة.

البيان الثاني:- ومما يؤكد عموم حديث الرفع للأحكام الوضعية هو حديث الرفع بروايته الأخرى ، فإنَّه قد روي مرةً بلسان ( رفع تسع ) وأخرى روي بليان ( رفع ثلاثة ) ، ورواية رفع الثلاثة قد رواها البرقي في محاسنه ونصّها:- ( المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك ؟ فقال:- لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وضع عن أمتي ما أُكرِهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا ) ، والشاهد هو ( وما أكرهوا عليه ) ، والذي في موردنا هو الاستكراه على اليمين ، يعني يُكرَه على اليمين ولكن لا يلحف بالله ولا بالقرآن وإنما يحلف بالطلاق أي يقول زوجتي طالق إن فعلت كذا أو عبدي حرّ أو أموالي صدقة إن فعلت كذا من هذه الأمور التي هي باطلة عندنا والامام عليه السلام استشهد بحديث الرفع وهذا يدل على أنَّ حديث الرفع يعم الأحكام الوضعية ، فيثبت بذلك أنَّ القسم مادام مُكرَهاً عليه فلا طلاق ولا عِتاق ولا صدقة فإنَّ هذه الأمور ليست ثابتة ، فإذن نفهم من الحديث الشمول للأحكام الوضعية.

ثم ذكر شيئاً قال:- لا يقولن قائل: لنتمسّك باستصحاب عدم ترتب الأثر في مورد كلامنا ، فالأخرس حينما يجري العقد نشك هل يحصل النقل والانتقال أو لا فنستصحب عدم ترتب الأثر الذي كنا نتمسّك به ، وكذلك الشيخ الأنصاري(قده) حيث قال لا تصل النوبة إلى الاستصحاب بعد وجود الأصل الحاكم ، والأصل الحاكم الذي ينفي الشرطية هو حديث الرفع ، فهو ينفي شرطية العجز عن التوكيل ، فإذا كان ينفي الشرطية فسوف تصير النتيجة هي أنَّ الأثر - النقل والانتقال - يترتب حتى لو كان قادراً على التوكيل ، فالمورد من الأصل السببي والمسبّبي ، فإذا نفيت شرطية العجز عن التوكيل نفياً شرعياً فحينئذٍ لا تصل النوية إلى استصحاب عدم ترتب الأثر ، فإنَّ الأصل مادام يجري في السبب لا تصل النوبة إلى الأصل في المسبَّب.

والقضية المهمة في كلامه ليست هي التمسّك بالوجه الثاني - وهو رواية المحاسن - فإنَّ هذا شيئاً ليس مهماً ، بل يكفينا العموم والاطلاق ، فإنَّ الحديث بإطلاقه يعم الأحكام الوضعية كشرطية العجز عن التوكيل التي هي حكم وضعي ، فالعموم يرفع الشرطية ومعه لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم ترتب الأثر.

وفي مقام التعليق نقول:-

أولاً:- إنَّ الأصل في التقييد لا معنى لجريانه لما أشرنا إليه سابقاً - يعني في نفي التقييد والشرطية - لأنه من الأصل المثبت ، إذ لازم عدم اشتراط النقل والانتقال بإشارة الأخرس بعجزه عن التوكيل هو أنه يترتب الأثر شرعاً ، وهذا الترتب ليس ترتباً شرعياً ، إذ لا يوجد نص يقول ( إذا كانت شرطية العجز عن التوكيل ثابتة فالأثر لا يترتب على معاملة الأخرس مع قدرته على التوكيل ، وأما مع عدم ثبوت الشرطية فالأثر يترتب حتى لو كان قادراً على التوكيل ) ، وإنما هذه الملازمة ليست شرعية ، فنحن نعرف من الخارج أنه إذا لم تكن شرطية العجز ثابتة فإذن يترتب الأثر وإن كان قادراً على التوكيل ، فتطبيق حديث الرفع لنفي الشرطية ومن ثم اثبات أنَّ الأثر يترتّب مادامت شرطية العجز عن التوكيل غير ثابتة هذا من الأصل المثبت ، فإنَّ الملازمة هنا ليست شرعية والترتّب ليس شرعياً.

ثانياً:- ربَّ قائل يقول: نحن نجري الأصل لا في التقييد وعنوانه لنفيه - ومقصودي من الأصل هو حديث الرفع - ، فنحن لا نطبقه على نفس التقييد وإنما نطبقه على واقع التقييد ومنشأ انتزاعه ، وإذا كان هذا هو المقصود فنجيب ونقول: إنَّ واقع التقييد يرجع إلى قضيتين الأولى إنه إذا تحققت كامل الأجزاء والشرائط بما في ذلك المشكوك وهو العجز عن التوكيل ولنفترض أنَّ عدد الأجزاء والشرائط مع العجز عن التوكيل عشرة فإذا تحققت العشرة فإذن الملكية سوف تترتب حتماً ، وإذا لم تتحقق العشرة - وواقع الاشتراط هو هذا - يعني أنَّ العجز عن التوكيل لم يكن ثابتاً بل كان قادراً على الوكيل فهنا يشك في ترتب الأثر فلا يترتب الأثر ، فإن لاحظنا الأوَّل[1] فعند اجتماع العشرة التي منها العجز عن التوكيل فحتماً الملكية ثابتة ولا يوجد شك ليصل الأمر إلى استصحاب عدم ترتب الأثر ، وإذا لاحظنا الثاني[2] فهنا نشك في ترتب الملكية ولا يوجد أصل يثبتها بل الأصل ينفيها ، إذ سابقاً لا ملكية والآن نشك في ثبوتها فالاستصحاب يقتضي عدم ترتب الملكية ، وبذلك يكون هذا الاستصحاب في صالح عدم ترتب الأثر.

وإن شئت قلت[3] :- نحن نقول للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) أنت حينما تريد أن تنفي التقييد - أي شرطية العجز عن التوكيل - فهل تريد أن تنفي نفس الشرطية بما هي شرطية أو أنك تريد أن تنفي واقع الشرطية ؟ فإن أردت الأوّل فهذا من الأصل المثبت ، لأنَّ لازم نفي الشرطية بما هي شرطية أنَّ الأثر سوف يترتب من دون العجز عن التوكيل وهذا أثر غير شرعي فيكون المورد من الأصل المثبت ، وإن كنت تقصد من شرطية العجز نفي واقع الشرطية لا عنوانها فنقول إنَّ واقع الشرطية إذا أريد نفيه فسوف يرجع إلى أحد أمرين إما أن نفترض أنَّ العشرة موجودة بأجمعها ومنها العجز عن التوكيل أو نفترض وجود التسعة من دون العجز عن التوكيل بل مع القدرة عليه ، فإذا كنا عاجزين عن التوكيل - يعني أنَّ العشرة أجزاء كلها موجودة - ففي مثل هذه الحالة تكون الملكية حاصلة جزماً ولا شك حتى يجري استصحاب عدم ترتب الأثر ، وإذا فرض أنه تلحظ التسعة لا العشرة - يعني لا نفترض تحقق العجز عن التوكيل - ففي مثل هذه الحالة نشك في ترتب الملكية ولا يوجد أصل ينفيها ، يعني أصل عدم اشتراط الملكية غير موجود لأننا فرضنا أننا نظرنا إلى الواقع لا إلى الشرطية بما هي شرطية فنشك في ترتب الملكية وعدمه فالأصل استصحاب عدم ترتب الأثر ، فإذن لا يمكن للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) التمسّك بالبيان الذي ذكره.

وبهذا اتضح الفرق بين الشك في باب الوضعيات والشك في باب التكليفيات ، فلو شككنا أنَّ السورة جزء من الصلاة أو لا فهذا شك في الوجوب التكليفي للسورة ، فعندنا جزم بوجوب التسعة - يعني من دون السورة - وأما العشرة - يعني مع السورة - فنشك في وجوبها فننفي الوجوب بحدث الرفع.

وقد يقول قائل:- إنك لو نفيته فماذا تريد أن تثبت ؟

فأقول:- أنا أريد أن أنفي وجوب الجزء العاشر فقط أما عنوان التسعة فلا أريده ، بل أريد أن أقول لا يوجد وجوب للجزء العاشر ، فالوجوب للعشرة ليس بموجود ، أما التسعة فقد أتيت بها ، أما لعشرة فانا أشك فأنفيه حينئذٍ بالأصل ، هذا في باب الأقل والأكثر في باب التكليفيات ، أما الأقل والأكثر في باب الوضعيات مثل موردنا مثل الشك في شرطية العربية في العقد أو العجز عن التوكيل في باب اشارة الأخرس فهنا القدر المتيقن هو العكس - أي العشرة - ، أي الملكية تترتب إذا تحققت العشرة ، فإذا حصلت العشرة فالملكية موجودة جزماً ، وإذا تحققت التسعة من دون العاشر فسوف أشك في ترتّب الأثر والاستصحاب يقتضي عدم ترتب الأثر.

هذه هي المقارنة بين الأقل والأكثر في باب التكليفيات وبين الأقل والأكثر في باب الوضعيات ، ففي باب التكليفيات المتقين هو التسعة جزماً فالتعسة واجبة أما العاشر فنشك في وجوبه فننفيه بالأصل[4] ، وأما في باب الوضعيات فالملكية تترتب في العشرة أما في التسعة فنشك في ترتب الملكية وعدم ترتبها فنستصحب عدم ترتب الملكية.

 


[1] وهو اجتماع العشرة.
[2] يعني التسعة من دون العجز على التوكيل يعني كان قادراً على التوكيل.
[3] وهذا ليس مطلباً جديداً إنما نريد صياغة نفس المطلب بلفظ آخر.
[4] أي بـ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ).